على مدى 4 أشهر ونيف من معاناة أساتذة الغد، نظموا خلالاها 4 مسيرات وطنية، وحوالي 200 مسيرة محلية ومسيرات أقطاب، وأكثر من 600 وقفة واعتصام… كما أجروا خلالها 5 حوارات ماراطونية، دامت ساعات طوال دون نتيجة. وعلى مدى قرابة 5 أشهر أشهرت في وجه أساتذة الغد مختلف أصناف التنكيل من ضرب وركل وجرح وسحل وسب وشتم وفض لأشكالهم النضالية السلمية، سخرت لها مختلف وسائل قمع ووجه بتعتيم الاعلام الرسمي.
الأنكى يتمثل في تجند مجاني لمحسوبين على جسم التكوين لمساندة الحيف الذي يطال هذه الشريحة، والمساهمة بمغالطات تروم وأد مساعي طي أزمة أساتذة الغد، وتوسيع الهوة بين الاطراف بمساندة أطروحة القبول بمقترحات تمس بالدستور والقوانين الجاري بها العمل. وهنا أجدني ملزما بالوقوف على مغالطات في تهديد جهود طي ملف استاذة الغد، قصد فض الغبار عن تداعياتها.
المغالطة الأولى:
دفع أساتذة الغد إلى ارتكاب الغلطة الكبرى
تريد دفع احد الطرفين إلى ارتكاب الغلطة الكبرى، والانتحار من طرف واحد ليؤدي بحياة الاثنين. فخلق الكارثة يكفي أن تأتي من جانب أحد الطرفين، لكن لا ينبغي أن يسلم من دمارها أحد منهما. تقول افواه مهندسي هذه المغالطة بانه اذا كان الاساتذة المتدربون متيقنون من كون القانون في صالحهم فلم لم يلجأوا إلى القضاء؟ ويطو الملف.
وقد وجد الطرح صداه، اذ اصبح البعض يلح حول مدى امكانية لجوء أساتذة الغد إلى القضاء كخيار لطي ملفهم. اذ يعتبر مسلك العدالة وسيلة فعالة لانتزاع حقهم. الا ان الكثيرين فاتهم ان الدولة لم تتخذ بعد في حالتهم اي قرار قانوني، مما يجعلهم معفيين من خطوة التقاضي.
فاللجوء إلى القضاء سيحتاج إلى علة للترافع. ومادامت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني -الطرف المعني وليس الحكومة- لم تحسم شان قطع علاقتهم بالقطاع، فإن مبرر اللجوء إلى القضاء منتفي، وسلوك لا يقبله المنطق. وإلا فإننا سنكون إزاء مقاضاة جهة مجهولة في نازلة مجهولة.
لذلك تتبخر المغالطة، إذ لم يحن بعد أجل شروع أساتذة الغد في مسطرة التقاضي، إذ يظل في عداد الخيارات المستبعدة إلى حين نهاية الموسم التكويني، وعدم توصلهم بقرارات تعيينهم. وحينها يمكنهم مواجهة ذلك على اساس انه خطأ اداريا.
المغالطة الثانية:
دفع الحكومة إلى ارتكاب الغلطة الكبرى
بنفس المغالطة الأولى وجد الطرح صداه، إذ أصبح البعض يستعدي الحكومة على أساتذة الغد، ويزين لها جريرة التسرع باتخاذ قرارات سلبية. ويتضح التغليط من التلويح حول ما اذا كانت الحكومة متيقنة من كون الاساتذة المتدربين على خطأ، فلم لم تعقد في حقهم جلسة حاسمة تنتهي بطردهم جميعا بإلغاء المباراة ؟ ويطو الملف.
وقد فات هؤلاء ان تطبيق المرسومين موكول إلى وزارتي التربية الوطنية بشكل مباشر والوظيفة العمومية بشكل غير مباشر، وان رئيس حكومة غير معني بالفصل، ولا يمكنه قانونيا حشر انفه فيه. وحتى اذا كانت لدى الحكومة نية ذلك، فان اقدام الوزارة المشغلة على ابعادهم يتطلب مساطر قانونية معقدة، قد تستغرق وقتا طويلا.
فالحكومة على مدى أربعة اشهر لم تفعل أي خطوة لفصل الأساتذة المتدربين، بل أشرفت على عقد أربع جولات حوارية. ولو كان الحق بجانبها ما تريثت ولو ساعة في عقد مجالس تأديبية تنتهي بطردهم جميعا.
لذا فإن الحكومة على غير حق، والحق بجانب أساتذة الغد. وأي استجابة لاختيار من مقترحات الأبواق سيعقد الأمر، ولن تكون له إلا نتائج حنظلية. وإنما عين العقل تقتضي أن يحل الملف بشكل ودي بين الوزارة وممثلي أساتذة الغد وتحت إشراف رئيس الحكومة وضماناته.
وقبل نهاية الموسم التكويني وعدم تسلم قرارات التعيين، فإن أساتذة الغد ما عليهم إلا طرق أبواب الحوار الجاد، وما على الوزارة إلا البحث الجدي في سبل طي الملف قبل مسيرة 20 مارس، توفيرا للوقت، وتداركا لما يمكن تداركه من زمن التكوين.
فض فوكم يا زراع الأزمات، ويا ملهبي النيران، فالأساتذة المتدربون ليسوا أغبياء، وان ضاق الامر بأبنائنا الأساتذة الكرام، ويؤسفني تطويل معاناتهم. كما أحيي أساتذة الغد على صبرهم ولزومهم السلمية، ثم السلمية، ثم السلمية في التعاطي مع ملفهم. ولعل تأخر حل الملف خير من ركوب أثير الأبواق.
ولو في غياب بيان يحسم عدم قدوم أساتذة الغد إلى القضاء، فان ذلك غير وارد، ولو استمرت نضالاتهم حتى نهاية الموسم. مما سيقوي فرضية ضرورة الجنوح إلى الحوار. ولو تطلب ذلك امدا طويلا.
المغالطة الثالثة:
جر الوزارة إلى ارتكاب الغلطة الكبرى
تتمثل المغالطة الثالثة، فترويج من داخل المراكز، إذ يروج أن عدد مهم من “المكونين” ير أن الزمن المتبقى من عمر السنة التكوينية غير كافي لضمان التكوين الجيد. فقد جاء في النقطة الثالثة من البلاغ الذي سطره مجلس المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالدار البيضاء في اجتماعه يوم 9 فبراير ان ضمن بشكل متسرع.
ومفاد ما استقر عليه الاعضاء المجتمعون حسب البلاغ هو أن ظروف التكوين كما هو مسطر في الرزنامة لم يعد ممكنا. المغالطة الخطيرة المبكرة تعدم الأمل الذي اقترحته النقابات وغير واحد من ذوي المبادرات الحسنة. ففي الوقت الذي ينبغي فيه التريث والتحلي بالرزانة خرج المجتمعون بقرار من شأنه تعويص القضية. فحينما ستتبنى وزارة التربية الوطنية هذا الموقف، قد توجه به قرار الحكومة نحو تعطيل أي حل ينقذ ماء وجهها ويحفظ لأساتذة الغد كرامتهم.
من يسير في لفيف من هذا النوع لا يقترح خيرا ولا ينظر إلى أزمة أساتذة الغد إلا بسوداوية، وغير مستوعب للملف، ولا ينظر إلى التكوين إلا من زوايا إعاقة اية محاولة لتسوية تنهي معاناة أساتذة الغد. ففي الوقت الذي تتم الاستجابة لمطالب مركزية بدون طرح فاعل الزمن، نجد هذا المعطى حاضرا، ويثار بسرعة لوأد مستقبل ملف أساتذة الغد.
المغالطة الرابعة:
من وراء انتفاضة أساتذة الغد؟
كثيرة هي محاولات تغليف نضال الأساتذة المتدربين بالغلاف السياسي، بالإشارة إلى جهات على أنها هي من تؤطر الأساتذة المتدربين لأهداف تأزيم الوضع، ولي الذراع للدولة، واستثمار الأساتذة المتدربين لأغراض سياسية. وقصد إجلاء هذه الفكرة أود أن أقول بأن الجهة الوحيدة التي تحرك هذا الملف هي الحيف الذي طال أساتذة الغد.
وأن 10 آلاف أستاذ ليس بمقدور أحد التحكم في قرارها والتغرير بها وتوجيهها. فتارة يلوح البعض بأن جماعة العدل والإحسان قد وضعت يدها في الملف، وتارة يعتقد أن حزب النهج الديمقراطي هو المهيج للأساتذة، وتارة يعتبر فصيل البرنامج المرحلي هو صانع قرار مناهضي المرسومين… وكأن دعم النضال محرم على هذه الجهات وغيرها.
وللأمانة فإن ملف الأساتذة المتدربين أصعب من أن تؤثر فيه جهة من الجهات، وإلا فإن كل الملفات لا ينبغي حلها، وكل النضالات لا ينبغي مواجهتها بالحوار الجاد لإمكانية تواجد أعضاء من الجهات المعارضة ضمن المحتجين. وبمجرد الظن بالانتماء إلى صف المناضلين فإن الملف ينبغي أن يتعامل معه على أساس ألا يحل، ولا يناقش… وكأنهم ليسوا مواطنين.
إذا كان الاعتقاد أنه بمقدور جهة معينة التحكم في 41 مركز رئيس وفرعي، وأنه بوسعها توجيه مصير 10 آلاف أستاذ فذلك من الخيال العلمي. وإذا ثبت هذا الزعم فإن هذا مؤشر على أن المجتمع المغربي مؤطر من قبلها وليس فقط الأساتذة المتدربين.
والحقيقة أن تشكيلة قيادات التنسيقيات المحلية جد متنوعة التوجهات، إذ تتألف من التيارات الراديكالية إلى الأكثر استسلامية، بل منها أعضاء الجهات المشاركة في الحكومة، يشاركون في الحوارات بشكل رسمي ووفق ما تراه قاعدة الأساتذة المتدربين.
هذا يعني أن الذي يقف وراء انتفاضة أساتذة الغد هو يقينهم بمجانبة القرارات التي أتى بها المرسومان للحق، ومخالفتها لتراتبية القوانين، وضرب فرض تنزيلها للدستور. ولعل ما ينذران به من خراب في قطاع التعليم يستحق دعما وانخراطا أكبر. لذلك فإن الذي ينبغي استنكاره هو التماطل، والذي يتعين شجبه هو التسويف والقمع الهمجي. وأن ما ينبغي فعله والتذكير به هو الدعوة إلى التعجيل بحل الملف وطيه.
ختاما، معالم الحل الجدي
ستتظافر حنكة الأساتذة المتدربين وفطنة المسؤولين لقطع الطريق عن زراع الفتنة، وليس من الحكمة ترك الاحتقان يتفاقم، ومن المفيد جدا التسريع بالجلوس إلى طاولة المحادثة لطي الملف قبل مسيرة 20 مارس، التي لا نضمن التزامها السلمية نظرا للشحن النفسي الناتج عن كثرة إشاعات أجواء اليأس.
قصد تفنيد ما تفتقت به عقول حكماء في تفريخ المغالطات أتقدم بالطرح الآتي، معضدا لمقترح النقابات الست، ومؤكدا بلا مندوحة إمكانية الجمع بين التكوين وحل المشكل في حدود شهر مارس، وإنقاذ الموسم التكويني؛ فإذا تم طي الملف خلال هذا الشهر، يمكن التصرف في رزنامة التكوين بحذف العطلة البينية والاكتفاء بالتكوين النظري.
كما يقترح تأجيل مجزوءتي البحث التدخلي وشق التداريب الميدانية، لتعتبر غير مرصودتين؛ حيث يعتمد أسلوب دمج مجزوءات فوج 2015-2016 الموسم القادم مع فوج 2016-2017 لمناقشة البحوث وإجراء الامتحان العملي (يكفي إصدار رسالة وزارية تنظم ذلك).
وعموما لا زالت معنا فسحة في التصرف في الرزنامة ما دام عدم رصد المجزوءات مجتمعة لا يوجب رسوب الأستاذ المتدرب. وإنما يلتحق بمقر عمله في انتظار استيفاء ما لم يرصده من مجزوءات.
تحليل رائع شكرا لك على تنويرنا