د. سعيد حليم الورايني يكتب عن: الشروط الثمانية لإنجاز أطروحة جامعية في المستوى المطلوب
هوية بريس – الدكتور سعيد بن محمد حليم التهلاوي الورايني
كيف أنجز أطروحة جامعية في المستوى المطلوب؟
كثيرا ما يطرح علي هذا السؤال،؛ سواء من طلبة العلوم الشرعية، أو من طلبة باقي التخصصات الأدبية؛ داخل المغرب، وخارجه.
لإنجاز أطروحة في مستوى جيد؛ لا بد من توفر مجموعة من الشروط، يمكن تفصيل القول فيها، وفق ما يأتي:
* الشرط الأول: التمكن من اللغة التي سيكتب بها البحث
يعني التمكن من اللغة التي سيكتب بها البحث؛ اكتساب القدرة على الكتابة بوضوح، وبقوة، وبسلاسة؛ دون أخطاء إملائية، أو أخطاء نحوية، أو أخطاء في التركيب. اللغة هي الركن الأساس؛ الذي يقوم عليه صرح الأطروحة. فإذا كان الطالب الباحث وصل إلى مستوى سلك الدكتوراه، وهو لم يتمكن بعد من المهارات اللازمة لكتاب بحث علمي؛ فهو لن يقدم أطروحة في المستوى المطلوب. ولا يحق لمن كان ذا مستوى متدن في اللغة، أن يصل إلى سلك الدكتوراه.
بقدر تمكن الطالب الباحث من اللغة؛ يكون في مستوى الكتابة العلمية؛ من حيث التعبير عن مراده، والقدرة على التحليل، ونقل المادة العلمية بكل أمانة ودقة، ووضوح.
إن التمكن من اللغة يحتاج إلى سنوات من القراءة المستمرة، وكثرة تلخيص المقروء، وتحليل النصوص، والتدرب على إنجاز بحوث صغيرة، تكبر رويدا رويدا ، مع تقدم الطالب في التعلم والتحصيل.
التمكن من اللغة يفرض في مستوى الدكتوراه، أن يكون الطالب الباحث، لديه القدرة على القراءة بلغة ثانية، أو ثالثة. الذي لديه القدرة على الكتابة باللغة العربية؛ عليه أن يسعى لاكتساب القدرة على القراءة باللغة الفرنسية- في السياق المغربي- ، واللغة الأنجليزية.
إن التمكن من اللغات الحية؛ كاللغة الإنجليزية، والصينية، وغير ذلك؛ أضحى من الأمور الضرورية، ولم يعد من الأمور الكمالية أو التحسينية.
الشرط الثاني: التمكن من التخصص العلمي
معناه أن يكون الطالب الباحث، قد أخذ بقسط وافر من التخصص المعرفي الذي ترتبط به أطروحته؛ من خلال معرفة مصادر العلم، والتمكن من مسائله؛ فهما، وتحليلا، وممارسة. التمكن العلمي من التخصص؛ يقتضي معرفة مسائل العلم، معرفة تامة وكاملة؛ من خلال الأخذ مباشرة عن الشيوخ والأساتذة، وبعد ذلك بالرجوع إلى مصادر العلم ومراجعه، وقراءتها قراءة متأنية، ومتدبرة. وبعد قراءة المصادر، ينتقل الطالب الباحث إلى المراجع الحديثة في العلم؛ فإنها تكون نافعة في تقريب العلم، وشرح مشكلاته، ومسائله المعقدة.
الشرط الثالث: اختيار الأستاذ المشرف
اختيار الأستاذ المشرف المتفرغ للبحث العلمي، والمتفرغ لتتبع طلبته مرحلة مرحلة، وطورا بعد طور؛ بصبر جميل، وصدر رحب، واحتساب.
الأستاذ المشرف المتفرغ؛ يعين طلبته في تجويد البحث؛ لأنه يتتبعه أولا بأول، ويقرأه مبحثا مبحثا، وفصلا فصلا، ولا يتأخر في الرد؛ حتى يكون سير الطالب الباحث نحو الهدف بدون تأخر، أو تعثر.
الأستاذ المشرف المتفرغ للبحث العلمي؛ يخصص وقتا طويلا لطلبته، يجيبهم في كل وقت وحين عن أسئلتهم، ويساعدهم على حل المشكلات، وتجاوز التعثرات. يسأل عن أحوالهم، ويجمعهم من حين إلى آخر، للتشاور، والمذاكرة. المذاكرة في العلم؛ تعين على الفهم الدقيق، والاستيعاب الكامل، والتحصيل المفيد.
الأستاذ المشرف المتفرغ للبحث العلمي؛ يكون في خدمة طلبته، لا يتكبر عليهم، ويفسح لهم المجال الواسع للتعبير عن آرائهم، ويقبل
وجهات النظر المخالفة لوجهة نظره، إذا كان الموضوع يحتمل أوجها متعددة.
الأستاذ المشرف المتفرغ للبحث؛ يحب طلبته، كما يحب أبناءه، ويوثرهم بالنصيحة، ويشملهم بالعطف والرحمة، ولا يدخر وسعا في التوجيه والإرشاد.
الشرط الرابع: التمكن من مناهج البحث
ومعنى ذلك؛ أن يفهم الطالب الباحث خصائص مناهج البحث العلمي، ويميز بينها، ويستطيع أن يختار المنهج الملائم لبحثه، ويتمكن في مرحلة لاحقة أن يوظف هذا المنهج بكفاءة وسلاسة وقوة. وهذا أمر يحتاج إلى وقت ليس بالقصير. ذلك أن فهم المناهج على المستوى النظري، قد يبدو أمرا سهلا. لكن الإشكال يكمن في القدرة على تنزيل المنهج على البحث، والقدرة عل توظيفه لحل إشكال البحث.
التمكن من مناهج البحث فهما وتطبيقا؛ مشكلة كبيرة عند الطلبة؛ لأن المنهج، هو ملكة تبنى خلال سنوات عديدة، ينبغي أن تبدأ من الطور الابتدائي، وتنمو وتتطور عبر الأطوار اللاحقة. قضية المنهج قضية شائكة ومعقدة، لها علاقة وطيدة بطبيعة المنظومة التربوية، وطبيعة طرق التدريس، وطرق التفكير.
الشرط الخامس: تحديد إشكال البحث
إن تحديد إشكال البحث بدقة، ووضوح؛ أمر في غاية الأهمية في البحث العلمي. إذ لا بحث بدون إشكال. البحث مرتبط بالاشكال ارتباطا وثيقا وقويا. لا بد أن يسأل الطالب الباحث نفسه هذه الأسئلة:
ما هو إشكال البحث؟هل هذا الإشكال واقعي وحقيقي، أم صوري ووهمي؟
هل تعرض أحد الباحثين لهذا الإشكال؟ وإذا سبق إليه باحث، هل استطاع أن يجيب عنه جوابا شافيا، تاما كاملا؟ أم ما زالت هناك مسائل في الموضوع، تحتاج إلى البحث والتدقيق؟
قد يحتاج موضوع واحد، إلى بحوث متعددة؛ إذا كان معقدا، وله زوايا متعددة، ومواطن مشكلة متنوعة.
إن تحديد إشكال البحث، بشكل دقيق؛ يعد خطوة مهمة؛ لنجاح الطالب الباحث في أطروحته. لذلك يحتاج إلى وقت طويل، وتفكير عميق ودقيق، وحصص كافية من التدبر، والنظر المتكرر؛ حتى يحرر وجه الإشكال بدقة عالية، ووضوح كبير.
تحرير الإشكال؛ ليس أمرا هينا. فهذا الأمر ملكة، تكتسب بالممارسة، والتمرس في مجال البحث العلمي، بعد الاطلاع الكافي على كتب مناهج البحث العلمي. وهذا الأمر كذلك مرتبط قويا، بطرق التدريس، وطبيعة المنظومة التربوية. لا تتحقق هذه الملكة في ظل منظومة تعتمد على الشحن المعرفي، والإلقاء، والتقويم المبني على الحفظ والاسترجاع.
المعرفة ضرورية في البناء العلمي للطالب. وهو يحتاج أيضا إلى التمكن من المهارات العقلية التي تمكنه من التعلم الذاتي، والتعلم المستمر مدى الحياة.
الشرط السادس: توفر المادة العلمية
توفر المادة العلمية؛ يعني توفر مصادر المعرفة الورقية أو الإلكترونية؛ بالشكل الكافي الذي يساعد على البحث الجاد والنافع؛ لأن البحث العلمي يحتاج إلى موارد متنوعة ومتعددة. فلا بد أن تكون كثيرة، وأن تكون بمستوى جيد؛ خصوصا عندما تتعلق المعرفة المطلوبة بمصادر قديمة. فلا بد لهذه المصادر، أن تكون محققة تحقيقا علميا رصينا. فكم من الكتب التي تقرأ على أغلفتها أنها محققة، لكن عندما تقرأها، تكتشف أنها غير محققة بحسب شروط التحقيق العلمي.!!
يحتاج الباحث في إنجاز أطروحته، إلى التمكن من اللغات؛ حتى يتمكن من تنويع مصادره؛ خصوصا عندما تكون المادة العلمية المطلوبة، أصلها بلغة أجنبية. فهنا تكون الحاجة ماسة إلى قراءة النصوص في لغلتها الأصلية؛ لأن الترجمة قد لا تكون دقيقة.
الشرط السابع: القدرة على تحليل النصوص، وإبداء الرأي.
هذا الشرط كذلك مرتبط بطبيعة المنظومة المنظومة التربوية. إذا كانت المنظومة التربوية تعتمد على تبليغ المعارف؛ فإن المخرجات، ستكون ضعيفة، أو هزيلة فيما يتعلق بالجانب المهاري. في التخصصات الأدبية؛ تجد في الكثير من الأطروحات؛ نقولا كثيرا، بدون تحليل، وبدون بروز شخصية الباحث. بين النص والنص، قد تجد سطرا، أو بضعة أسطر، وهكذا إلى آخر البحث. نفس التحليل ضعيف، والقدرة على تفكيك بنية النصوص دون المستوى المطلوب. السبب مرة أخرى، طبيعة المنظومة التربوية.
من المفروض في مستوى الدكتوراه، أن تكون لدى الطالب الباحث، القدرة على الفهم الصحيح، والقدرة على التعليل، والتوجيه، والقدرة على مناقشة الآراء، ونقدها بالحجة والبرهان. لا بد أن يكون للطالب الباحث القدرة عن التعبير عن آرائه بكل حرية وقوة بالشروط العلمية المعروفة في هذا السياق. ولا بد للمشرف أن يشجعه على ذلك؛ لأن من مقومات الباحث الجامعي؛ أن يكون حرا في التعبير عن رأيه، بدون ضيق، أو خوف، أوتردد. لا مجال للإبداع؛ إذا كانت حرية الباحث محصورة، وقدرته على التعبير عن آرائه مصادرة.
الشرط الثامن: الوظيفية
أقصد بالوظيفية: ارتباط البحث بالواقع المعيش، وقدرته على الإجابة عن بعض إشكالات العصر. هل للبحث فائدة على المجتمع؟ ما القيمة المضافة للبحث المنجز في مجال المعرفة والثقافة؟
كثير من البحوث تنجز، لا علاقة لها بحاجات المجتمع. لا علاقة لها بالإشكلات المطروحة اليوم. لا تقدم فائدة يمكن أن تستفيد منها الدولة، أو إحدى مؤسسات الدولة، أو المجتمع بشكل عام.
البحوث الجامعية في سلك الدكتوراه، ينبغي أن تكون ضمن مشاريع واضحة، ووظيفية، مرتبطة بهموم المجتمع، ومشكلاته، وتطلعاته.
وكتبه الفقير إلى رحمة الله وعفوه: سعيد بن محمد حليم التهلاوي الورايني.
لا يوجد الشرط السابع!!
مقال مفيد جداً ، شكر الله لكم