د.عبد العلي الودغيري: لا نقبل بإهانة أطُر التعليم
هوية بريس – د.عبد العلي الودغيري
تطبيق نظام التعاقد على المدرِّسين في القطاع العام خطأ لا شك فيه، لجأت إليه الحكومة بصفة استعجالية منذ بضع سنوات لتدارك النقص الكبير في أطر التعليم الذي لم تحسب حسابَه من قبل ولم تفكر فيه برؤية مستقبلية بعيدة المدى، وإلا لكانت قد أعَدَّت له العُدّة من قبل وعملت على تكوين ما يلزمها من مدرِّسين في الوقت المناسب. والغريب أن الدولة قامت سنة 2005 بتسريح الآلاف من خيرة المدرِّسين في مختلف أسلاك التعليم في العملية التي عُرِفت بالمغادرة الطوعية، تنفيذًا لمطالب صناديق الاقتراض الخارجية، وقد صُرِفت عليها أموال طائلة، ثم عادت بعد عشر سنوات لتفاجئنا بأنها في حاجة ماسّة إلى آلاف الأطر التربوية في الابتدائي والثانوي، وأنها لا تملك الوقت الكافي لتكوينهم تكوينا تربويا وبيداغوجيا ملائمًا كما كان عليه الوضع من قبل.
إذا كان هذا الإجراء قد اتخِذ على عجَل لتدارك وضع طارئ لم يُحسَب له حساب، وتحت ضغوط معيَّنة، فلا بد للدولة أن تعترف بخطئها وتسارع إلى التخلص منه في أقرب وقت ممكن، والعودة إلى نظام التوظيف المسبوق بتكوين تربوي وبيداغوجي متين، لأنه لا يُعقل أن يصبح المدرِّس في المدرسة العمومية مهدَّدًا بالطرد والاستغناء عنه في كل وقت، بل على الدولة أن تؤمّن له جوًّا من الاطمئنان على مستقبله ومستقبل أبنائه وأسرته حتى يتفرَّغ لأداء مهمته النبيلة في ظروف مشجِّعة على البذل والعطاء. وتأمين حياة المدرّس مسألة تهم كل الفئات من المواطنين، باعتباره المعوّل عليه في صناعة الأجيال والعقول والسواعد، ولا يمكن إغماض العين على حالة القلق والانزعاج والاضطراب النفسي والمادي التي يعيش فيها، ولا يمكن أن نطمئن لفلذات أكبادنا ونحن نضعها بين يديه وهو على هذه الحالة المؤسفة التي تضطره بين الحين والآخر، منذ سنتين أو أكثر، إلى الخروج للشارع والتعرُّض لأصناف المعاملات المُهينة.
نحن لا يمكن أن نقبل بذلك.
لا يمكن أن نقبل بالاستمرار في إهانة أطر التعليم بشكل يومي، وإرغامهم على تسوّل عطف الدولة والوزارة الوصية في الشوارع. ولا يمكن أيضا أن نقبل بالاستمرار في سياسة تهميش قطاع التعليم العمومي وإنعاش التعليم الاستثماري التجاري الذي يستنزف جيوب المواطنين من الطبقيتين الفقيرة والمتوسطة رغم هزالة نتائجه وتدنّي مستوى تكوينه.