د. عبد الله الشارف يكتب: صراع العقل والوجدان
هوية بريس – د. عبد الله الشارف
كثیرا ما ینتاب المسلم شعور بالحیرة والاضطراب إزاء رغبته وإرادته في ممارسة سلوك مشین أو قبیح. ولعل السبب في ذلك یرجع إلى أن وعي الإنسان یخضع زمنیا ووجودیا لكیانه الوجداني والانفعالي أكثر من خضوعه لكیانه العقلي.
إن الحال العقلي لایستحضره الإنسان زمنا طویلا على مستوى الوعي، وإنما ھو عبارة عن ومضة، أو لحظة، أو إشارة في وعي الإنسان، لا تلبث أن تتوارى. وقد تتردد على قلبه بین الفینة والأخرى. بینما الحال الوجداني، حیث ینعكس الحال العقلي الوامض، أو القناعة العقلیة، أو الیقین العقلي المتعلق بأمور الفكر والحیاة، ھذا الحال الوجداني ھو الذي یستحوذ ویھیمن على الزمن الوجودي الدائم لكینونة الإنسان، والحامل في أحشائھ لذلك الوامض أو القناعة العقلیة الدافعة، والمنشئة، والمحركة، بإرادة الإنسان، لذلك الحال الوجداني. معنى ھذا أن الإنسان لا ینفك منفعلا أي وجدانیا. في حین نجد أن أحوال العقل والتعقل، غالبا ما تذوب وتنصھر في بوتقة الكینونة الوجدانیة والانفعالیة. وبعبارة أخرى یمالكن القول؛ إن العقل خاطر بینما الوجدان قاطن.
ومن ھنا یبدو أن الإنسان مسیر سلوكیا وفكریا، من قبل العامل الوجداني بشقیھ السلبي والإیجابي.
وكون الإنسان مسیرا في ھذا المجال الوجداني، لایتنافى مع كونھ مخیرا في اختیار سلوكه وأفكاره، وتوجیھ إرادته انطلاقا من أحوالھ وقناعاته العقلیة، التي ھو مصدرھا والمرید لھا، والراغب، شعر أم لم یشعر، في تحولھا وانتقالھا من المستوى العقلي إلى المستوى الوجداني. فیحصل ذوبان العقلي، بعد أداء مھمتھ ووظیفته، في الوجداني، كي یسود ھذا الأخیر، إیجابیا أو سلبیا، ویھیمن على كیان الإنسان.
إن الإنسان الذي یستثقل فعل الخیر مثلا، أو إصلاح نفسه وتزكیتھا، مع اقتناعه عقلیا بأھمیة ذلك، لم یبذل مجھودا كافیا، على مستوى النفس والعقل والوعي، لكي ینتقل من حال الاقتناع العقلي إلى حال الممارسة الوجدانیة والانفعالیة الموصوفة بالدیمومة. أي أنه لم یشحن فكرته، التي اقتنع بھا عقلیا، بالطاقة الوجدانیة اللازمة، فتلاشت أو خبت نار جذوتھا.
إن عالم الوجدان لا یتوقف عن النشاط والحیویة. وھو دائما في خدمة أفكار الإنسان وقناعاته العقلیة والذاتیة. وھو بمثابة رحى لا تتوقف عن طحن ما یلقى فیھا، فإن ألقي فیھا زرع أحالته دقیقا نافعا، وإن ألقي فیھا حصى أحالته ترابا وغبارا.
وإذا راجعنا سیر الأبطال، والفرسان، والمصلحین، والعلماء الكبار، والعباقرة المخترعین، واطلعنا على طبیعة حیاتھم النفسیة ألفیناھا قویة وغنیة؛ من حیث العنصر الوجداني المتدفق، والمعبر عن مدى تعلقھم العاطفي والانفعالي، بأعمالھم وإنجازاتھم وأھدافھم.
ولولا ھذا العنصر الوجداني الحیوي، لما تحققت إنجازاتھم وأھدافھم، ولتلاشت الومضات والخواطر العقلیة النافعة، والمؤسسة لصرح الإنجازات، ولذھب جوھرھا وتوھجھا أدراج الریاح.
وھذا ما یحصل لأصحاب النفوس الضعیفة، أو الغافلة، أو الدنیئة، أو الطینیة العاكفة على شھواتھا. تلك النفوس التي لا ترغب في تحویل الخاطر العقلي النافع، إلى قوة عملیة ووجدانیة بناءة، إیجابیة وصالحة.