د.لهنا يكتب عن الراحل المسوسي: من أبواب متفرقة..
هوية بريس د.زهير لهنا
ابتدأ سعيد المسوسي رحلته في عمل الخير ومساعدة الضعفاء والمرضى وهو طالب في فرنسا. طلب منه أحدهم أن يتدخل لإجراء عملية جراحية في القلب لطفل، بحث ووجد الجراح والمستشفى وبدأ في جمع التبرعات حتى تمكن من إنجاز 28 عملية عوض الواحدة. وكانت الانطلاقة. لما عاد للمغرب بعد تعيينه أستاذا في جامعة القاضي عياض بمراكش، بدأ بالعمل على التكفل باليتامى. التقيت به أول مرة من عشرين عاما في أحد المساجد بفرنسا في رمضان ليجمع التبرعات من أجل الأيتام و الأرامل بمراكش.
والتقينا بعدها بعد عشر سنوات لنتعاون في الحملات الطبية بجبال الأطلس الكبير.
يحكي لي مرة وأنا ذاهب معه لبيته في حي المسيرة الشعبي بمراكش: “لما قدمت لهاته المدينة و عينت فيها أشار علي رجل أعمى بهذا البيت، اشتريته و قلت لنفسي لماذا اشتريت بيتا يبعد ب ثمان كيلومترات من كلية العلوم السملالية، و لما أنجبت الأبناء و جدت أنه يتوسط المدارس، الإعدادية ثم الثانوي فعلمت أن المشورة كانت ربانية”.
أقول ان من كانت خدمة الناس همه، يعينه الله سبحانه و تعالى و يسهل له الأسباب.
في يوم من الأيام أتاه طبيب شاب مختص في جراحة العظام يشتكي أنه عين أستاذا في كلية الطب و ان المستشفى لم يتم بناؤه بعد و لا يوجد في مستشفى ابن طفيل إلا أربع قاعات جراحة غير كافية لكل الجراحين و التخصصات مع الكم الهائل للمرضى المحتاجين للعمليات. فقال له سعيد نبحث ان شاء الله على من يساعدنا لانشاء قاعتين للجراحة على ان تعاهدنا ان نعمل 1000 عملية جراحية مجانية للمعوزين. فكانت انطلاق جمعية أصدقاء المستشفى الجامعي. محمد السادس. فمن قاعتين، صاروا أربعة ثم لقسم الأطفال و امراض الكلي، أعمال أخرى لا أعلمها. فلما دخل المستشفى الجامعي في الخدمة، انطلقت الجمعية للعمل في إقليم الحوز لمساعدة ساكنته المعوزة و المحرومة.
قال لي يوما المرحوم بإذن الله سعيد المسوسي: “إن في استغناء المستشفى الجامعي لخدمات الجمعية خير، لولا ذلك لما علمنا حجم مأساة و معاناة الساكنة بجبال الأطلس الكبير”. إن للخير و العمل في سبيل الله أبواب عديدة و متفرقة، و ما أمر يعقوب أبناءه ليدخلوا من أبواب متفرقة إلا ليعلمنا الله سبحانه و تعالى في سياق الآية ان السبل عديدة لمبلغ الغاية و ما علينا إلا العمل و الاخد بالأسباب مع التوكل على الله عز و جل. و سعيد المسوسي رحمه الله، كان مدرسة في هذا الصدد.
فهو الأستاذ الجامعي كثيف اللحية و لا يلبس إلا القميص أو الجلباب المغربي، منظره لوحده كان يسبب له عدد كبير من المصاعب نظرا لما ترسخ في ذهن كثير من الناس من صور نمطية و الحكم على المظهر. فكان رحمه الله لا يحفل بهذا ظاهرا و لو أنه كان يتضايق في بعض الأحيان.
عمله في الأطلس الكبير بدأ مع الأرامل و الأيتام إلى إدخال الماء للدواوير و تشجير القرى حتى يكون ل لناس دخل. و لاحظ و هو الأستاذ المربي هدرا مدرسيا كبيرا نتيجة بعد المدارس عن الساكنة فجاءت فكرة إنشاء مركز تربوي لتمكين التلاميذ من الإقامة مع الاكل و الشرب. فأنشأ المركز رغم كل المتشائمين و المحبطين وهو اليوم يأوي ويدرس فيها 400 تلميذ وتلميذة والشطر الثاني الذي سيأوي نفس العدد في طور الإنجاز بفضل الله…
وباب آخر هو إطعام المسنين في المدينة العتيقة. زرته يوما برفقة صديقي رشيد جنكاري المزداد بالمدينة و اقترح علينا أن نزور مقر إطعام الطعام للمسنين، فكانت المفاجأة. إنها عبارة عن ورشة صغيرة في قلب المدينة، آثر صاحبها ان يطبخ في الليل، يعمل في ورشته و ساعة الظهر يطعم بعض المسنين الفقراء. ابتدأ الأمر بستة أشخاص إلى أن صار عددهم يفوق المئة بمساعدة أهل الفضل.
إن العمل الطيب يرفع صاحبه و الخير يجلب الخير، ومن خيرة الأشياء التي صادفتني في حياتي هو لقاء وصحبة سعيد المسوسي المبارك. لقد زرع زرعا طيبا في نفوس عدد كبير من الناس، أحبه الكثير و احترمه الكبير و الصغير.
نطلب من الله أن يبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله. ويبارك في زوجه وأبنائه البررة..
الأمة ولود بحمد الله وسيخلف سعيد ويخلفنا من ينشر الخير ويسعى لإسعاد الناس، وهناك بحمد الله نماذج كثيرة في شبابنا وشاباتنا. والحمد لله رب العالمين.