د.محمد عوام يكتب عن خطط إلهاء المجتمع عن قضاياه الكبرى
هوية بريس – د.محمد عوام
منذ أمد غير يسير وأنا أرى وأسمع، بل عشت صراعا حادا إيديولوجيا حول هذه الموضوعات المتعلقة بالأسرة، ويبدو أن دهاقنة السياسة، والماسكين بخيوطها يلقون بها إلى المجتمع لإلهائه عن قضاياه المصيرية والمهمة مثل التنمية الاجتماعية الحقيقية، لا الكاذبة والبراقة، التي تنقذ المجتمع والأسرة من الفقر المدقع، والعوز المميت. والعدالة الاجتماعية المنصفة التي ترد الحقوق للناس، وتنصفهم، وترفع الظلم عنهم، والشورى الحقيقية البعيدة عن الاستبداد في القرار، والشطط في السلطة، والتناوب والتداول على السلطة بنزاهة وشفافية، وتقسيم الثروة بالعدل على أبناء المجتمع، وتوفير الصحة والتعليم ورفع مستواهما ….إلخ من القضايا المهمة والنافعة للمجتمع والدولة.
نعم يلقى بها فتصطف حولها أقطاب: العلمانيون من جهة، أتباع الغرب، والإسلاميون من جهة أخرى، يقع الاصطفاف، ويشتد العراك، وتمتد الخصومة بين الطرفين ويبقى الحال هو الحال، مأساة الأسر لا تنتهي، حال المرأة هو هو، معاناة مستمرة، واستغلال فاحش في المصانع والمزارع، وحال الرجل لا يبعد عنها، بطالة وعوز ومعاناة أيضا، وليس هناك أي تغيير حقيقي يخرج المرأة والرجل من الاعتساف والظلم الذي استفحل.
الحرب تشتد على تزويج القاصر، وإن كانت مدونة الأسرة قد منعت من ذلك، واحتفظت للقاضي بالصلاحية، إن رأى في ذلك مصلحة، بحسب الظروف والأعراف، المهم هو من يقدر مصلحة زواج القاصر، فإما أن يقبلها أو يرفضها.
طيب يرفضون زواج القاصر، ويحاربونه، ويغضبون من أجله غضبة مضرية، لكنهم جميعا ما سمعنا منهم غضبة من أجل تولية القاصرين الولاية العامة، والتي مع الأسف سادت في تراثنا السياسي، حتى كتب عنها لسان الدين ابن الخطيب كتابه الموسوم (أعلام الأعلام بمن بويع بالخلافة قبل الاحتلام)، ولا سمعنا منهم قولا فصلا في حق الأمة في اختيار من يحكمها أو ينوب عنها اختيارا نزيها وحرا وبإرادتها، او يقفون في وجه الانقلابات على إرادة الشعوب، من أولى بالنضال من أجله زواج القاصر أم حكم القاصر؟!!
من اولى بالرفض والحرب الإباحية الجنسية التي تهدد المجتمعات، والشذوذ الجنسي الذي يراد له، أن يستتب كقناعة في نفوس الأجيال، ويصير مقبولا بالرغم من خسته ودناءته أم زواج القاصر إن كانت فيه مصلحة، وأجازه القاضي؟!!
وأما قضية تعدد الزوجات فيصورونها كأنها الظاهرة المهيمنة على المجتمع، بحيث تتخيل كأن كل أسرة عندها مشكلة التعدد، وهذا من التدليس والتلبيس الممسوخ، مع السكوت المطبق عن الدعارة ودور الزنا والكازنوهات والعلب الليلية، وعن ظاهرة أبناء الزنا المتخلى عنهم، واختراع لهم مصطلح أم عازبة، يعجز حتى الشيطان عن ابتكاره.
هل فعلا التعدد مشكلة في مجتمعنا أم أن الجنسانية الخبيثة تشن عليه حربا، لتفسح المجال عن المسكوت عنه وهو الدعوة إلى الزنا باسم العلاقات الرضائية؟!
لا ينقضي عجبي من مثل هذا المسخ المشوه، حرب على الأسرة، وعلى قيمها، وعلى ثوابتها، والمزيد من بث سموم الفرقة والصراع بين الرجل والمرأة، يستفيد من ذلك أعداء الأمة الإسلامية، بتفكيك وحدتها الأسرية. أما هذا العويل والنهيق الذي نسمعه، من حين لآخر حول التعدد فيصدق عليه المثل المغربي: المندبة كبيرة، والميت فأر. ومن أراد أن يعرف ذلك فليرجع إلى الإحصائيات الرسمية، فلا يمثل حتى 1%
مع الأسف بعضهم يبيح ما حرم الله، ويحلل ما حرم الله، ولا ينتج عن ذلك إلا الدمار والخراب، وتفكيك الأسر، وإحداث صراع لا ينتهي بين الرجل والمرأة.
إن أكثر القضايا حلها لا يحسمه القضاء، وإنما مرده إلى التربية الإيمانية، وزرع الأخلاق الإسلامية، وبث المحبة بين أفراد الأسرة والمجتمع، فالمحبة والوفاء والإخلاص كل ذلك وغيره يعطي ما لا يعطيه القضاء، بل كثير من الملفات كان عرضها على القضاء بداية الجناية عليها.
و قصارى ما يفعلون نوع من المكياج لتزيين العروس القبيحة الوجه.
إن المشكلة الحقيقية لا تكمن إلى حد ما في مشاكل الأسرة، ولا حتى في مثل القضايا التي يوهموننا بها، وإنما في غياب إرادة سياسية حقيقية للإصلاح، الإصلاح الشامل، الذي يبني الحاضر، ويستشرف المستقبل، ولا إصلاح، ولا فلاح، ولا فوز إلا بشرع الله تعالى، مع فهم روح العصر ومستجدات الواقع.
مع الأسف أن السياسيين يعتبروننا مثل فئران السرك، لا بد من تحريكها، وهي مذعورة خائفة، لا يتركونها تستقر، أو تركن في مكان معين من الصناديق المصنوعة لها، حتى إذا ما دخلت رقما من تلك الصناديق رفعوا أصواتهم بفوز صاحب الرقم، والمسكين البليد لا يدري أن فوزه كان على حساب إرهاب آخرين، ولا يدري تحت شدة التخدير والبلادة أنه دفع لهم أضعاف ما أخذ.
متى ننهض من سباتنا، ونستفيق من غفلتنا ونرى الحقائق كما هي، لا بمكياج وتزيين السياسة الخادعة؟ هذا موكول لمدى فقهنا لسنن الله تعالى في الحياة، وهي لا تحابي أحدا، وما وعد الله الكسالى بخير.