د. هبة جمال الدين تكتب.. حذار من “السياحة الدينية”!!!
هوية بريس- هبة جمال الدين*
كتبت د. هبة جمال الدين، مدرس العلوم السياسية، بمعهد التخطيط القومي، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، مقالا بعنوان “عودة فرسان المعبد”، تحذر فيه من السياحة الدينية ومن عودة الحروب الصليبية في ثوب ديني.
وفيما يلي، نص المقال:
“شاهدنا جميعا الخبر الذي بثته القنوات الفضائية الصهيونية والعالمية عن اكتشاف اثري كبير لسيف يعود للحروب الصليبية تم خلال الخير الإشارة لفرسان المعبد ودورهم في تأمين طرق الحج المسيحي المقدس وكأنهم يذكروننا بحقبة ولت واختفت لقوي ظلامية باطشة لفظها العالم. وهذه الرسالة يمكن قراءتها بوضوح إذا نظرنا للضجة التي دارت حول الكشف الاثري المزعوم وكان العالم لأول مرة يري كشف اثري من قبل.
الأمر الذي يطرح علامة استفهام حول سبب الهالة الكبيرة وربطها بأحد سواحل الكيان الصهيوني وكأنه كان موجود وقت الفترة الزمنية تلك. فهل المقصود ربط دور تلك القوي بالكيان المحتل؟
ولماذا الان؟
تساؤلات عديدة قد نتلمس أبعادها فيما ساطرحه في الأسطر القليلة القادمة.
فقد اعتقد البعض أن المقصود منه غض الطرف عن عمليات التهويد المستمرة بالقدس الشريف. وربما يكون هذا التصور صحيحا نسبيا ولكنه بالطبع أحد الأسباب وما خفي كان اعظم.
فما وراء الخبر هو الكشف عن عودة تلك الكيانات بثوب جديد، بل وربما عودة عجلة التاريخ مرة أخري لحقبة دموية، تستخدم شعار الدين والاضطهاد المزعوم لتبرير القتل والسلب والاستعمار.
نعم انها الحروب الصليبية بطولة فرسان المعبد من جديد.
فنحن بصدد إشعال حروب صليبية مفتعلة تركب مطية طرق الحج الديني ، و السياحة الدينية.
فلتتذكروا فيلم الناصر صلاح الدين كعمل درامي له السبق في الإشارة لتنظيم فرسان المعبد، كأول وربما أخر عمل فني عربي يشير إليه.
وتعود جذور التنظيم للملك فيليب ملك فرنسا، خلال الحروب الصليبية في القرن الرابع عشر كونه من جنود مسيحين فقراء لحماية طرق الحج المسيحي المقدس من المسلمين كما أدعت الحملات الصليبية المزعومة ، ونظرا لبشاعة وعدم إنسانية الجرائم التي ارتكبها أعضاء هذا التنظيم تم حله.
إلا أن الأمر عاود للظهور مرة أخرى على السطح، فاسمحوا لي أن أعرج علي بعض الأحداث المتناثرة لوضعها معا في إطار أوضح.
فلنتذكر جميعا حادث القتل الإرهابي المروع الذي ارتكب في نيوزيلندا في مسجد النور عام 2019 ، وما سمعناه من ادعاءات للارهابي مرتكب المجزرة واصفا جريمته بجزء من “حرب صليبية ضد السباق الآثم للمسلمين”.
وأعود بأذهان القارئ لعام 2001 بعد ضرب برجي التجارة في الولايات المتحدة في 11 سبتمبر وتصريحات رئيس الولايات المتحدة آنذاك بوش الابن “أنها حروب صليبية” ، ثم اعتذر عنها لاحقا مدعيا أنه أخطأ في التعبير، إلا أن الأمر لم يكن خطأ في التعبير، وانما كانت زلة لسان كشفت الستار عن عودة التنظيم مرة أخرى.
ففي هذا العام تم تسجيل جمعيات فرسان المعبد بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالامم المتحدة تحت اسم فرسان المعبد الجيدين ترفع شعار الأخوة الإنسانية ، وفرسان المعبد الحربيين منظمة Ordo Supremus Militaris Templi Hierosolymitani ، “النظام الحربي السيادي اللاتيني لمعبد القدس” وتعطي لنفسها الحق في التدخل الحربي العسكري لنصرة أية كنيسة تتعرض للإضطهاد بغض النظر عن طائفتها في أية دولة كانت.
في الواقع عودة التنظيم تعود للقرن التاسع عشر بشكل جديد أكثر قبولا يرفعون شعار السلام الديني العالمي ويتعاملون مع العالم العلماني لضمان البقاء والتأثير. ورغم عدم التأكيد على أن التنظيم الجديد هو متصل بالقديم ولكن الشعارات المستخدمة في الماضي يحملونها في الحاضر ويسمون أنفسهم بفرسان هيكل سليمان او فرسان الصليب أو شاربي اللبن الرائب، ويتسم الزي الجديد برفع شعارات محببة مقبولة كمناهضة تعاطي المخدرات والكحول وحماية البيئة إلا أن ما خفي كان أعظم.
فسأعبر سريعا لمعتقدات هذا التنظيم الجديد ومساره السياحي الخطير؛
• يؤمن فرسان المعبد بالتراث السولوموني القديم للنظام الذي يجسد الأسس الخالدة الكامنة وراء كل الاديان الروحية، ويوحد كل الطوائف المسيحية في كنيسة واحدة.
• يؤمن بشمولية الاديان التي تسمح للأتباع من اختيار المسار الديني
• يؤمنون بالشمولية الدينية التي تتضمن المسيحين من اية طوائف واليهود ايضا، أو أي سلتيك أو تقليد غنوصي ، أو دين شرقي أو روحاني قديم .
• يؤمن الفرسان بالولاية التوراتية التي تعني استعادة وتجديد التاريخ الضائع من السجل التاريخي لاعادة التراث الجماعي للبشرية كما يدعون
• الاستعادة الكاملة للكنيسة الكاثوليكية القديمة في القرن الثاني عشر ، ويذكر أنها
وقد وجهت رسالة لجميع فرسان الهيكل للدعوة للانضمام إلى الكنيسة الكاثوليكية القديمة سواء كانوا مؤمنين أو اكلريوس،
حيث تسعي لوحدة الطوائف المسيحية في الكنيسة. الكاثوليكية الأمر الذي ترفضه الكنائس العربية تماما والكنيسة الأرثوذكسية بمصر.
• يرتبط فرسان المعبد بالتنظيم الماسوني العالمي، فقد أدمجت الماسونية رموز وطقوس العديد من الأوامر العسكرية لفرسان الهيكل في العصور الوسطى في عدد من الهيئات الماسونية منذ القرن الثامن عشر على الأقل. ويمكن رؤية ذلك في “الصليب الأحمر في قسنطينة” المستوحى من الأمر العسكري القسطنطيني. “منظمة فرسان مالطا” المستوحاة من فرسان الأستراليين ؛ و “وسام الهيكل”، مستوحاة من فرسان الهيكل.
تتميز أطباق مالطا والمعبد ببروزها بإحدى النظريات عن أصل الماسونية تدعي أصلًا مباشرًا من فرسان الهيكل.
هذا وتظهر عدد من الأفلام الحديثة التي تشير لارتباط فرسان الهيكل بالموسونية كفيلم الكنز الوطني، و Last Templar ، وإنديانا. جونز والحملة الصليبية الأخيرة ، فضلا عن ألعاب الفيديو مثل , Broken Sword و Assassin’s Creed.
قد يمل القارئ من هذا السرد التاريخي، ولكن علينا أن نقف ونتسأل، ما علاقة مشروعات الحج الديني أو السياحة الدينية باتباع هذا الفكر الظلامي؟
هنا لابد من الإشارة إلى خطر مسار فرسان المعبد رافع شعار وراية السلام الديني العالمي، الذي تم تأسيسه عام 2006 بفرنسا برعاية أمريكية، ويمر بأحدي عشر دولة والغريب أنه يشبه الطريق الذي اتبع خلال الحملات الصليبية الأولى في 1096 من قبل غودفري دي بوالون و 40 الف جندي من فرنسا لتحرير مدينة القدس(كما يزعمون) حيث امتد أيضا عبر 11 دولة وقارتين. ويذكر براندون ويلسون مؤسس المسار في كتابه عن المسار أن الهدف منه “السير من أجل السلام وتذكير الناس بضرورة اختيار طرق غير عنيفة لتسوية خلافاتنا”. ويستغرق المسار إجمالي 160 يومًا عبر إحدى عشرة دولة: فرنسا ، سويسرا ، ألمانيا ، النمسا ، المجر ، سلوفاكيا ، صربيا ، بلغاريا ، تركيا ، قبرص وإسرائيل. فلا يعترف بفلسطين وأنما اسرائيل رغم ان المقدسات المسيحية بالقدس الشرقية.
المسار يستهدف حماية جميع الكنائس التي تتعرض للاعتداء او الاضطهاد، فرغم رفعه شعارات ترفض العنف وتسعين السلام كما يدعون، الا ان المسار والتنظيم يمتلك لتنظيم الحربي الديني لا يوجه للاعتداء وأنما للدفاع عن أي كنس مسيحي بغض النظر عن الطائفة الدينية التي يتبعها حال تعرضها للاضطهاد وفقا لتقيمهم كعودة لحماية طرق الحج الديني المقدس كما كان في الحقبة الصليبية.
ويبرر فرسان المعبد استخدام القوة كرد فعل على الاعتداء بأنها امر ديني مقدس نابع من الإنجيل (عبر إعادة قراءة النص الديني مبررين أن عبارات التسامح والتغاضي عن الاعتداء ليست من المسيحية فهي سوء تفسير للنص كما يزعمون خطأ). ويذكرون أن العقائد المسيحية تؤكد على أهمية “الدفاع عن النفس” فعندما تكون القوة المسلحة مبررة على الصعيد العالمي، من المؤكد أن النشاط الاجتماعي أو السياسي أو القانوني (بكل بساطة حرية تعبير) له ما يبرره ، ولا يمكن انتقاده.
الأمر الذي يحتاج لإمعان النظر في عودة السياحة الدينية، خاصه أن المسار ذكر سعيه التخطيط لضم بعض المسارات الأخري بالمنطقة كمسار العائلة المقدسة هذا المشروع المصري النبيل.
الذي أؤمن أن الحكومة المصرية لن تقبل بهذا الأمر ولكن هنا يأتي السؤال:
هل سيحترم التنظيم سيادة الدول ورفضها للانضمام لهذا المسار؟
ام سيمارسون ضغوطا ؟ وماذا ستكون نوعية هذه الضغوط؟.
وما يمكن تأكيده بغض النظر عن أية تكهنات
أن فرسان المعبد وأنصارهم سياتون للحج علي أراضينا، ضمن طرق الحج المسيحي المقدس.
سواء كانوا موتورين أو عفوين فهم متطرفون فكريا ماسونينن منحلين سيفتعلون أو سيقومون بمشاكل كبيرة مقصودة أو غير مقصودة ومدبرة فمن سيكون في المواجهه معهم هل رجل الشرطة، أم الدبلوماسي، أم رجل الدين المسيحي الذي لا يتعترفون به من الأساس؟
وكيف سندير هذا الصدام المؤكد، وما نوعية الضغوط التي ستمارس بعد فشل الغرب اشعال الفتنة الطائفية بالوطن، فسيأتون بمتطرفيهم عبر المسار بهدف الحج والعبادة وما خفي كان أعظم؟
هل يمكن أن نجد أنفسنا أمام تنظيم حربي متطرف يتدخل في شؤوونا بحجة حماية مسار الحج المسيحي من بطش المسلمين المتطرفين كما حدث في الحروب الصليبية في القرون الماضية؟ هل يمكن أن يقود الغرب حملات صليبية جديدة بأدوات جديدة قديمة خاصة في ظل حملة الرسوم المسيئة ضد الرسول بين حين وآخر في ظل دعم الرئيس الفرنسي لها بقوة رغم علمانية الدولة ولكنه يلقبه الفاتيكان بكاهن كاتدرائية القديس يوحنا الأتراني فهل يمكن؟
أن تلك القوى مريضة بهوس التطرف الفكري والاستعلاء والسيطرة بدعاوي دينية مغلوطة وتحلم بهرمجدون، وجبل الهيكل ونهاية العالم ليشع السلام الديني العالمي والأخوة الإنسانية.
وتتفرع عن مسار ابراهيم السياحي الذي تسعى جامعة هارفارد لتدويله بمجرد اكتماله لتحقيق السلام الديني العالمي كما يدعون.
في النهاية علينا التدبر بشأن مشروعات السياحة الدينية والتأهب للمخاطر الكامنة. حمي الله مصر وسيادة الرئيس وكافة الدول العربية والإسلامية”.
انتهى المقال..
*مدرس العلوم السياسية، بمعهد التخطيط القومي، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية.