ذ. إبراهيم الطالب يكتب: شبابنا وضيق العطن
هوية بريس – عبد الله المصمودي
كتب ذ. إبراهيم الطالب مدير “مؤسسة السبيل للإعلام والنشر”، تدوينة على حائط حسابه في “فيسبوك”، وصف فيها حال أغلب الشباب في مواقع التواصل الاجتماعي، منتقدا كثرتهم الغثائية، وتأثيرها على شكل إنتاج الخطاب الشرعي الفكري الإصلاحي، وهذا نصها الكامل:
“كثيرة هي الأسباب التي تفسر الضعف في التكوين الفكري، والخلل في البناء المعرفي لدى أغلب شبابنا في الوقت الحاضر.
ولعل أهمها: قلة الصبر لديهم على المطالعة، والانقطاع السريع عن طلب المعرفة.
تراهم دائمي الشكوى من المقالة الرصينة عندما تربو على الأربع فقرات، يستثقلون البحث معدود الأوراق، لكنهم بالمقابل يستعذبون الخربشات على الجُدر الزرقاء أو الحُفر السماوية اللون يمكثون فيها الليالي ذوات العدد دون تحنث ولا تبتل.
ينفقون الأعمار في شيء سموه لهم “تدوينة”، ويستهلكون شبابهم في “التغريدة” تلو “التغريدة”، غارقون في قيل وقال؛ وكثرة السؤال، تستهويهم الخلافات، وتشد انتباههم المعارك الشخصية، تطربهم الكلمات الفارغات.
لكنك تراهم وكأنهم تحت العذاب إذا أطال خطيب أو أطنب محاضر، أو توسع كاتب.
المكتوب الطويل كالسوط على عقولهم، والمسموع الرصين المستوفي للغرض يخنق مجرى الهواء من أعناقهم.
هذا الوصف وتلك الأعراض انتشرت حتى أصبحت مطلبا مشروعا تواطأ عليه البر والفاجر، ولشدة انتشاره أصبح ينعكس على مردود النخبة ممن ينتجون الخطاب الفكري أو العلمي، فصار يتحدث المُحاضر وهو خائف أن يُمِلَّهم، متوجسا من ألا يعودوا إلى مجلسه.
فتراه يشذب أفكاره دون داعٍ، ويهذب كلماته دون حاجة، ويختصر جمله اختصارا، ويستعجل خروج الحرف من فيه استعجالا إذا كان محاضرا، ويقتر في الحبر النازل من سن قلمه إذا كان كاتبا، ذلك كله حتى تخف مقالته فتُقبل.
لكنها -وهذا واقع في الكثير من المؤتمرات والندوات- تخرج منه عرجاء عجفاء، فلا تصلح لطِب العي، ولا تنفع لبث العلم.
تفاقم هذا الوضع وتطور، في زمن عجيب غريب، كل شاب صار فيه كاتبا والكل قارئا، والجميع بين منتقد ومعارض، فالسوق رائجة لكن لا أحد يربح، والعمل كبير لكن لا أحد يفلح.
يتعاملون مع العلم والمعرفة بالذوق واللذة، فكما يحبون أكلات سريعات رغم أنها تورث سوء التغذية، يطالبون بالمقالات “السريعة” رغم أنها تورث سوء الفهم الناتج عن طبيعة الاختزال المخل للقضايا الكبار.
لكنك بالمقابل ورغم حبهم للاختصار، لو تتبعتَ عدد الكلمات التي يكتبونها في حيطانهم، لعددت الملايير في اليوم الواحد ودون مبالغة، ولو أنك صففت حروفها أفقيا لدُرْتَ الكوكب الأرضي مرتين، وإن فعلت ذلك عموديا لارتقيت عاليا في جو السماء ولمست بيديك الجوزاء، ولو رمت إحصاء القضايا التي يطرقونها لتجاوزت في العد عدد آهات الثكالى في يمن الحكمة وشام العزة.
لكنك إن أردت اقتفاء أثر كل ذلك على الأرض وتحصيل ناتج عملها في مضمار التدافع، لاستحالت بين يديك مجرد صيحات في مغارات الهوى والتنطع ينقطع الصوت ولا ينقطع الصدى.
هكذا حال أغلب شبابنا تعطي أصدق التفاسير لكل ما نعيشه من صنوف الذل والهوان.
لست متشائما ولا أعمم، وأعترف أنك بين الفينة والعشرات من أخواتها وبين الصفحة والمئات من نظيراتها تجد هناك بعد لَأْيٍ، بين الركام المتلاشي، بعضَ الدرر، لكنها قليلة ككبريت أحمر”.