ذ.بنطاهر.. استسلام “الفقيه” للضغط العلماني تدمير للأسرة المسلمة
هوية بريس – إبراهيم الطالب
تعتبر الأسرة في المجتمعات التي تؤمن بالدين -سواء اليهودية أو النصرانية أو الإسلامية- مكونا أساسيًا لهويتها، ودعامة رئيسة في كينونتها، فكل مقومات الهوية والدين وكذا كل الأعراف الصالحة هي من يؤسس لدى الأجيال التصور الجمعي للكون والإنسان والحياة، وبهذا وعلى وفقه ينبغي أن تصنع كل ميولات هذا الإنسان وقناعاته ومبادئه ومعتقداته، فلا يمكن تمرير هذا كله من جيل إلى جيل إلا عبر مسالك الأسرة، فالأسرة ليست مجموعة أفراد وإنما هي الأساس الذي يبني عليه المجتمع هوية أبنائه ودينه و”ضميره الجمعي”.
ولقد عاشت الأسرة المغربية تحولات جسيمة، في سيرورة تاريخية عرفتها البلاد تعطلت فيها أحكام الشريعة في أغلب مناحي الحياة، وحاول علماؤنا رحمهم الله أن ينقذوا الأسرة من تغول الدولة الحديثة التي أنشأها ليوطي ومن بعدَه من رؤساء الاحتلال الفرنسي العلماني. فأخرجوا للمغاربة مدونة الأحوال الشخصية كما كانت تسمى حينها، وعجزوا لأسباب يعرفها المهتمون عن أن يلائموا باقي القوانين مع الشريعة الإسلامية بُعيد الاستقلال، لذا لا تزال الأسرة تعيش التحديات تلو التحديات، وتقاوم الهدم الذي يهدد أطرافها ويفتت ركائز القوة فيها.
فما تعيشه الأسرة من ضنك هو غير ناتج عن قصور المدونة وأحكام الشريعة عن التطور الاجتماعي والحضاري، ولكن سببه تغول السياسات العلمانية في كثير من مناحي الحياة في المغرب، وتفتيتها للنسيج الاجتماعي المسلم.
فالعلمانية لا مكان فيها للأسرة الممتدة، فهي تبني كل تصوراتها على الفردانية، لتستفرد بالفرد وتجعل فيه القابلية للاستعباد الرأسمالي، الذي استبدل العبد المستخدم (الموظف والعامل) بالقن الذي كان تابعا للأرض، يشتريه النبيل زمن الإقطاع مع الأرض التي يشتريها تماما كما يشتري الفأس والحمار والمحراث.
فالرأسمالية وسياسات التجويع والمالية العامة المؤطرة بالنظام الليبرالي أضعفت قوامة الرجل وأنهكت قدرته على تدبير شأن أسرته، فاحتاجت الأم والبنت إلا العمل، ورغم ذلك لم يستطع الجميع الوصول إلى العيش الكريم، هنا تظهر المشاكل على مستوى تقسيم التركة بعد موت الأب وتختل القيم والشرائع.
فطبيعي في ظل هذا الواقع أن يضعف دور العم، فيطالب العلماني بحرمانه من الميراث، ليس حماية للمرأة بل لأن مفهوم الأسرة الممتدة ينبغي أن يحارب ويفتت لصالح النظرة الفردانية الليبرالية، فإذا جاء فقيه ودخل من باب الاجتهاد لإلغاء التعصيب فإنه بهذا يكون قنطرة للعلمانية لهدم الأسرة.
الأمر نفسه نقوله في أي اجتهاد لا يأخذ بعين الاعتبار استهداف العلمانية الدولية للأسرة المسلمة؛ سواء كان في الطلاق أم الزواج أم التعدد أم الحضانة أم الإرث أم الإلحاق.. فالاجتهاد هو آلية للمزيد من التمكين للدين، فلا ينبغي أن نجعلها وسيلة لتطويع الدين للمفاهيم العلمانية.
إن على العلماء والفقهاء بيان رأي الشرع وحكمه في الوقائع والمستجدات، وأن يدخلوا في شرائع الإسلام كله، فلا ينبغي أن نفصل أحكام الأسرة عن الواقع وامتداداته، فالأسرة تتأثر بالقوانين الأخرى المختلفة والسياسات الحكومية التي تحكم حياة الفرد، وتجعل امتثاله لأحكام الدين صعبا بل مستحيلا في بعض الحالات.
فبدل أن نحرم الورثة من حقهم الشرعي ينبغي للفقيه والعالم أن يوجه الخطاب إلى الوزارات التي ينبغي أن تحقق للمرأة دخلا يكفيها للعيش الكريم.
فهل يليق بالعالم أن يجعل الشرع قابلا للتطويع نظرا لاستفحال الانحراف على مستوى السياسات العمومية؟؟
إن حل مشاكل المرأة الأرملة ليست في شطب العم من الإرث بعد أن شطبنا الأب من عقد الزواج؛ بل حل مشاكلها في الضغط على الحكومة لتوفير العطاء المادي للمرأة الفقيرة في حالة اقتسام التركة، وفقدانها للسكن الرئيسي، لا في تعديل المدونة وملاءمتها مع النظرة العلمانية للكون والإنسان والحياة.
هذا ما ينبغي على الفقيه الفاضل سي بنطاهر وكل علمائنا أن يقوموا به.
وللأسف فأغلب من يعتلي المنصات ويحاضر في المدونة، يبدو من خلال استدلالاته أنه لا علاقة له بالسياق الذي عاشته وتمخضت عنه التعديلات الأولى التي طالت مدونة الأحوال الشخصية فأصبح اسمها مدونة الأسرة.
كما أن كثيرا ممن انتصر للسيد بنطاهر إنما أخذته الحمية ولم يفطن إلى أن الإشكالات والمشاكل بخصوص الواقع الذي تعيشه المرأة المغربية والبنات المتوفى عنهن الأب أو الزوج هي نتاج وحصيلة تطبيقات السياسات العلمانية، لذا فعلينا أن نطرحها على وزير الأسرة والتضامن ليجد لها حلا مع وزير المالية ورئيس الحكومة، لا أن نقتحم المدونة لنبحث في الاجتهاد الفقهي على المزيد من الآراء الخادمة للتغول العلماني والمساعدة له في حربه على الأسرة المغربية الممتدة.
إن المدونة هي حلبة صراع بين مرجعية علمانية تجعل من المرجعية الدولية التي تتخذ حقوق الإنسان كما صاغها فلاسفة الثورة الفرنسية شريعة، وبين مرجعية إسلامية تتخذ الشريعة الإسلامية أساسا ومنطلقا في صياغة الأحكام.
فإذا علم هذا فينبغي أن يعلم أيضا أن أي فقيه مهما بلغ علمه إذا حاول أن يحل مشاكل التطبيقات العلمانية في السياسات العمومية في المجتمع المغربي المسلم من خلال الاستنجاد بالفقه وآراء المذاهب، فسيكون بهذا يساهم في تذليل الطريق ومد الجسور إلى ما تبقى في المدونة من شريعة الإسلام.
فعندما ضغطت العلمانية الدولية في سياق 11 من شتنبر و16 ماي، قام الجميع بالتصويت على التعديلات التي أدخلت على المدونة، وتوارت العلمانية ومن يفرضها على الأمة المغربية، وراء الانفتاح على بعض الأقوال في المذهب الحنفي، وذلك لإلغاء شرط الولي من عقد الزواج خلافا للمالكية ولِما جرى به العمل في المغرب منذ قرون عديدة مديدة.
وهذا من الاستغفال والعبث الماكر.
ينبغي علينا أن نعترف بأن المدونة وما يطرح عليها من إشكالات ومطالب لا علاقة لها بالحاجة إلى الاجتهاد الفقهي، إذ كل فقيه يدعي الاجتهاد الفقهي في ظل الاستهداف العلماني الداخلي والدولي للمدونة، فهو يعطي العلمانيين الرخصة لتبديل الشريعة.
ما علينا جميعا أن نستوعبه مفكرين وفقهاء وعلماء ومسؤولين إن كنا فعلا مسلمين مؤمنين غير علمانيين ولا عابثين، هو أن مدونة الأسرة هي تشريع لمؤسسة الأسرة في الإسلام، وأن الأسرة في المغرب تتعرض لغارة بل لحرب ضروس، اقتصادية واجتماعية، تُحدث فيها من الخلل أنواعا كثيرة ومختلفة، السبب فيها هو استحكام التطبيقات العلمانية على واقع المغاربة، والخضوع للتصور العلماني الدولي للإنسان وحقوقه والذي لا يرفع رأسا بالأسرة ومصالحها، حيث يجعل الفرد هو أساس المجتمع، لذا كل المذاهب الفلسفية المؤطرة والمنتجة لحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها في دول الغرب هي مذاهب فردانية، وقد رأيناها تتطور فاستحلت اللواط والشذوذ وجعلت الأسرة ممكنة بين ذكرين وأنثيين تقبل التقنين.
فإذا كانت هذه هي حقيقة الخلاف حول المدونة، فإن منطلق الحوار حولها يجب أن تحدد فيه المرجعية التي ينبغي أن ننطلق منها في أي نقاش يروم تعديل المدونة، وإذا تحددت المرجعية فلن يبقى للعلمانية ولا العلمانيين مجال لمناقشتها، ولا حق لهم في المشاركة في تعديلها لأن مرجعيتهم لا تخرج عما سطره الفرنسيون والألمان والإسبان لشعوبهم، فهل سنشرع للأسرة المسلمة في المغرب ما شرعه الكفار لشعوبهم في بلدانهم، حيث استحلوا ما حرم الله عليهم في التوراة والإنجيل باتباعهم لما وضعه لهم فلاسفة الثورة ومفكرو الحركة الإنسية ومفسدو الديانة النصرانية فيما سمي بالإصلاح الديني في أوروبا والذي تطور اليوم فرأينا الكنيسة تقر بزواج اللواطيين، وسمعنا “باباهم” يقول: “إن المثليين أبناء الله”، ففي مثل هذا السياق قال ربنا في محكم كتابه: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا”. النساء.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.