ذ.درواش: ما الذي يخفيه دعاة المساواة في الإرث؟!
هوية بريس – ذ.نور الدين درواش
مرة أخرى يخرج التيار العلماني بالمغرب مطالبا بالمساواة في الإرث عبر دعوته لمراجعة أحكام مدونة الأسرة.
ومع أن القضية محسومة قِبَلًا عند كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر ويرضى بالشرع والقرآن والسنة حكما وفصلا فإن القوم لا يسأمون من التشويش والتشغيب والسباحة ضد تيار الاختيارات المغربية في التدين.
ولكي نضع القضية في نصابها الصحيح لابد من التنبيه على أن الخلاف بيننا وبين القوم ليس خلافا ضيقا منحصرا في مسألة أو اثنتين بل هو خلاف في منهج الحياة و(فلسفة الوجود).
فنحن نؤمن بأن الله هو ربنا وهذه الكلمة بما لها من الحمولة المعنوية الشرعية تعني أنه سبحانه وتعالى هو خالقنا ورازقنا ومالكنا والمدبر لأمورنا، ومادام سبحانه وتعالى كذلك؛ فنحن نأتمر بأمره وننتهي بنهيه ونقف عن حدوده ونتحاكم لشريعته، ونرى ذلك من لوازم الإيمان بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته سبحانه وتعالى.
وأننا سائرون إليه فمجاز المحسن على إحسانه والمسيء على إساءته.
ولهذا قال العلامة ابن باديس: “وَمِنْ تَوْحِيدِهِ تَعَالَى: تَوْحِيدُهُ فيِ شَرْعِهِ فَلَا حَاكِمَ وَلَا مُحَلِّلَ وَلَا مُحَرِّمَ سِوَاهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ)، (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ)، (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ)” [العقائد الإسلامية، ص:85].
فحاكمية القرآن فوق كل حاكمية وأحكامة لا تعلو عليها عند المسلمين أحكام أبدا، لأنها من عند عليم خبير سبحانه وتعالى، فهو الخالق للبشر والعليم بما يصلحهم في معاشهم ومعادهم: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك:13].
وهذا المعتقد من لوازم دستور المغرب الذي ينص على إسلامية الدولة، وقد قرره ملك البلاد حين قال يوما في افتتاح البرلمان: “إنني لا أحلل حراما ولا أحرم حلالا“.
إن الأمة المغربية أمة مسلمة لا تستطيع أن تتقدم بين يدي الله عز وجل ولا تستطيع أن تخالف أمر الله الواضح البين المحكم القطعي الذي عملت به المدونة والذي قضى بأن للذكر مثل حظ الأنثيين.
فإذا استحضرنا إسلامية الأمة المغربية ودستورها من جهة، واستحضرنا قطعية موضوع الإرث كما في الآية الكريمة؛ ما فائدة المطالبة بفتح نقاش في موضوع الإرث؟؟
فإن الشعب المغربي بكل أجياله وأطيافه قد يضعف ولكنه أبدا لا يقبل من يساومه على ديته أو يحارب شريعة ربه، ويطالب لمزيد من تغييب ما تبقى من أحكام القرآن الكريم.
فنطالب كل داع للمساواة بموقف صريح من قول الله عز وجل (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ) (النساء11).
هذه الآية التي اختتمها الله عز وجل بقوله: (فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) [النساء:11] للدلالة على أن الموضوع محسوم من قبل الله عز وجل وأنه لا يسوغ فيه اجتهاد ولا يقبل تغييرا وأنه مقترن بصفتين من صفات الله عز وجل وهو العلم والحكمة.
فتشريع الله المتعلق بالمواريث كما غيره منبعث من علم الله المطلق وحكمته البالغة، ولا يسعنا إلا أن نقول للمعترضين على هذا الحكم: أأنتم أعلم أم الله؟؟
فلله الحجة البالغة.
بل كيف تواجهون قول الله عز وجل في آية بعدها: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ , وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [النساء:13-14].
فكيف يجرأ القوم على الحكم بعد حكم الله والقضاء بعد قضاء الله والاستدراك على الله سبحانه وتعالى، بل معارضة إرادته ومعاكسة شرعه، وبحسب المرء شرا أن يكون هذا حاله!!!
وإذا كان القانون الوضعي يمنع الاعتراض على أحكام القضاء الوضعي أو معارضتها فكيف بقضاء الله الشرعي وحكمه القطعي الذي ارتضاه لعباده إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
قال العلامة محمد المكي الناصري: “وهكذا نلمس إلى أي حد بلغت عناية الحق سبحانه وتعالى بالأسرة المسلمة، فهو يصدر أوامره ووصاياه من فوق سبع سماوات لتنظيم شؤونها في الحياة وبعد الممات، مما يعطي الدليل القاطع والبرهان الساطع على أن هذا المجال الحيوي قد تفرد فيه الحق سبحانه وتعالى وحده بالاختصاص دون غيره، بحيث لا يمكن أن يتدخل فيه الغير، فضلا عن أن يدخل عليه أي تبديل أو تغيير”. [التيسير في أحاديث التفسير(1-317)].
ومما يؤكد هذا المعنى ما رواه أبو أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إنَّ الله قد أعطى كلَّ ذي حقٍّ حَقَّه، فلا وصية لوارث» [أخرجه أبو داود 2870].
فالله قد أعطى كل ذي حق حقه، وقسّم الميراث بالكمة والعدل (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ) [يونس:32].
إن المعارك الفكرية والسياسية اليوم بين العلمانيين ومن قد يوسمون بالمحافظين ممن يرفعون شعار الإسلام هي معركة واحدة تُختصر في الانتماء للإسلام والتحاكم للشريعة الإسلامية…
ولهذا فالطرف الآخر هو نفسه، سواء تعلق الأمر بقضية الدعوة لتغيير أحكام الإرث الشرعية تحت شعار المساواة، أو الدعوة لشرعنة الشذوذ والتسيب الجنسي البهيمي تحت شعار توسيع الحريات الفردية، أو الدعوة لمنع الإعدام حتى للقتلة والمجرمين بزعم الدفاع عن الحق في الحياة، أو
لكنهم لا يريدون أن يستوعبوا أن المملكة المغربية مملكة دينية تُحكم بنظام إسلامي من الفتح الإسلامي وهو نظام مؤسسة إمارة المؤمنين القائم على البيعة الشرعية.. إمارة المؤمنين التي تقوم على وراثة العرش العلوي للذكر الأكبر من ذرية الملك كما ينص عليه دستور المملكة.
ولئن كان أكثر العلمانيين المغاربة اليوم؛ يتحاشون الحديث في هذا الموضوع ففقط لأنهم يعتقدون أن الوقت لم يحن بعد لإثارته، وان إثارته ستؤثر سلبا على مشروعهم التغريبي وستحول دون تحقيق مزيد من المكاسب، وإلا فلو صدقوا وتجردوا من التقية التي لا تفارقهم لوجدنا موضوع البيعة لا يختلف عما سبقه و لوجدناهم يضيفونه لمواضيع الشذوذ وتغيير الإرث والإجهاض والإعدام والعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج و غيرها من المواضيع التي شذوا فيها عن الاختيار المغربي الشرعي والمجتمعي.