ذ. طارق الحمودي يكتب عن: عبادة الشيطان
هوية بريس – ذ. طارق الحمودي
قال الله تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ).
ذهب كثير من المفسرين المتقدمين إلى تفسير العبادة في قوله تعالى «لا تعبدوا الشيطان» بالتوجه بالعبادة إلى غير الله من شجر وحجر وغير ذلك، وأن نسبة التعبد العملي إلى الشيطان نسبة مجازية باعتباره سببا في ذلك.
ولاحظ بعضهم أن الآية تستغرق كون التعبد العملي حقيقيا ومجازيا معا، وسر هذا أن عبادة الشيطان طاعته، وتكون بالصفتين، ومن الأحاديث النبوية المثيرة ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب…»، والمقصود بالمصلين المسلمين، وسواء كانت العبادة المقصودة عبادة مباشرة أو بعبادة غير الله تعالى بإغواء من الشيطان، فالآية والحديث دالان على أن فكرة قصد الشيطان بطقوس العبادة من دون الله ممكنة، فإن كان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب، فقد لا ييأس أن يعبد في غيرها.
ينبه العلماء على أن الشياطين كانت تعبد متسترة بالأصنام، فتتكلم عبرها وتخاطب عبادها، ولذلك شواهد، منها قصة هدم سعد بن زيد الأشهلي لمناة في رمضان من السنة الثامنة، والتي ظهرت له شيطانتها في صورة امرأة سوداء ثائرة الرأس، وكان السادن يعرف ذلك، ولذلك قال لها: «مناة، دونك بعض عصاتك».
ومثلها قصة خالد بن الوليد مع صنم العزى، فإنه خرجت له حبشية نافشة شعرها واضعة يديها على عاتقها تصرف بأنيابها، وخلفها دبية بن حرمي الشيباني ثم السلمي وكان سادنها، وهذا واضح في أنه عبادة لشيطانتين…!
لم يكن من الصعب ملاحظة علاقة التعبد للشيطان بالفكر الباطني، فهي أولا ملازمة للفكر الغنوصي في كثير من الدراسات، ولذلك قرن بينهما René Schwaeblé في كتابه “Sataniste Flagellé” ويعني “الشيطاني المجلود”.
وذهب عبد الوهاب المسيري -رحمه الله- إلى أن الغنوصيين عبدوا الشيطان بسبب ميلهم إلى رفض الشرائع وتقديسهم للشخصيات الملعونة، وكأنه نوع من الثورة على المعهود السائد، وإعلان التمرد على الله والكون والسلطة والمجتمع، وهي ثانيا فكر وممارسة باطنيين، فهي فكر قائم على نظريات باطنية ومجموعة من الممارسات السرية، ومنها طقوس عبادة وسحر، بل واغتيال وقتل، ولعبادة الشيطان على هذا أصول قديمة وامتدادات حديثة مشهورة.
كان للشيطان أو “إبليس” على وجه التحقيق مكانة كبيرة في الفكر الوثني القديم، فقد كان الإله “ست،ستان” عند الفراعنة، و”أهرمن” عند الزرادشتية و”شِو” عند الهندوس وهلم جرا، وكان لعبادته أساس فلسفي قائم على العقيدة الثنوية، وعلى مفهوم الخير والشر وطبيعة العلاقة بينهما، وقد اتخذت طائفة “اليزيدية” الشيطان إلاها معبودا وسمته “طاووس ملك”، ولهم وجود في العراق وسوريا وإيران إلى الآن.
قد يكون هذا كافيا لتصنيف هذا الفكر في خانة الباطنية، وعده فلسفة دينية، ولكن ثم معلومات أخرى تتكشف يوما بعض يوم تؤكد ذلك بالأدلة والشواهد، ومن ذلك أن هذه المجموعات تعتمد في فكرها النظري على مجموعة من الأدبيات والتنظيرات الفلسفية، ومن ذلك أنهم يعتمدون على فلسفة “نيتشه”، ونظرية التطور الداروينية وغيرها من أدبيات الفكر العلماني الداعية إلى الحرية في أعلى درجاتها.
فالإنسان في الفكر الشيطاني كائن قوي ثائر ومتعال، يمتلك الحرية لفعل ما يريد كما يريد، كما يعتمد الفكر على تنظيرات باطنية كما هو حال أدبيات «l’Ordre Hermétique»، وهذا أمر يذكرني بمن ذهب إلى التأكيد على أن هرمس كان هو الشيطان نفسه!
سيتخذ هذا الأمر صورا أكثر تطورا، وأكثر شذوذا، فيتحول الفكر الشيطاني إلى العمل المؤسسي، أي يتخذ الشيطان شكل أشخاص معنويين في حالة مؤسسات، فيقيم «Anton Lavey» اليهودي الأصل كنيسة الشيطان سنة 1966، ثم يؤسس الجنرال الأمريكي «Michael Aquino» وهو عسكري سابق “معبد ست” سنة 1974، وتنتشر مراسيم المائدة السوداء المثيرة، والتي تقوم على طقوس التقرب إلى الشيطان، وربما كان ذلك بالتضحية بفتاة أو طفل أو حيوان، وشرب الدماء وتكون الممارسات الجنسية العنيفة أحيانا أسا فيها.
ويؤلف لهذا الفكر كتب مثل “إنجيل الشيطان” و”القانون”، ومع الانتشار الواسع للممارسات الطقسية الشيطانية، واتخاذ المجموعات الشيطانية محلا اجتماعيا في العالم، مثل فرنسا التي أسس بها “la Federation Satanique de France”، وجدت الحركات الشيطانية قدما راسخة في الفكر والمجتمع، وربما السياسة والاقتصاد، وهذا يعني أن الأمر صار جديا، إذ بلغ أتباع هذه الفرقة الآلاف.
وستنتبه السلطات والمؤسسات السياسية والتربوية إلى خطورة هذه الظاهرة، وتنشئ لها هيئات متابعة، كما في روسيا وفرنسا وغيرهما، وتصدر للتنبيه على ذلك إصدارات ومنشورات تحللها وتنبه إلى أهمية متابعتها، وتقترح لذلك حلولا على مختلف المستويات.
وغير بعيد عن فرنسا، يتعرف الوسط العلمي الإسباني على وجود لافت للنظر لممارسات طقسية شيطانية في إسبانيا، وتصرح دراسة عن هذه الظاهرة بقلم «Vicente Jara Vera» والصادرة عن «Red Iberoamericana de Estudio de las Sectas» بوجود نحو ستين مجموعة شيطانية إلى حدود سنة 2010م.
يعد الفكر الشيطاني فكرا تبشيريا، يستعمل كثيرا من وسائل الدعوة والدعاية السرية الماكرة غالبا، خاصة أعلام موسيقى الهارد ميطال ومهرجاناتها، ولهم طرق إغواء شبيهة بتلك التي حكاها البغدادي عن الباطنية، ويمارسون ذلك في سرية، وتعتمد هذه المجموعات على تراتبية ومستويات في الانتساب، ويمر المنتسب عبر اختبارات قبول تذكر باختبارات المدرسة الفيثاغورية والكهنوتية الفرعونية ثم الحركات الماسونية، ويمارس على الأتباع نوع من غسيل الدماغ يصل إلى أن يؤمر الشيطاني بقتل غيره فيفعل، على طريقة الحشاشين الشيعة!
كان لإبليس حضور غريب في بعض الأدبيات العربية، خصوصا الصوفية منها، فقد عرف عن بعضهم تصريحهم بالدفاع عن إبليس، وتابعهم على ذلك بعض منظري الفكر العلماني مثل صادق جلال العظم، الذي رأى في إبليس نوعا من العظمة، وقدم قصته في صورة مأساة وقع فيه الظلم الكبير عليهم، وعالج ذلك في خمسة أقسام من مبحثه تحت عنوان “مأساة إبليس”.
وكان من غريب آرائه تبعا لبعض الصوفية أن إبليس نجح في الاختبار إذ لم يسجد لآدم حرصا على توحيده لله تعالى، لكنه لم ينتبه كما لم ينتبهوا إلى أن السجود الذي أمر به إبليس كان سجود تحية، وأن المانع من سجوده لم يكن حرصه على التوحيد بل كبره وإباءه وكفره.
مع كل هذا، ومع استحضار وجود الأجنبي السائح في البلاد الإسلامية طوال العام، وعكوف كثير من الشباب على مطالعة بعض الكتب التي تنظر لهذا الفكر من قريب أو من بعيد، وبوجود المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي..
ومع اختلاط أبناء الجاليات الإسلامية في الغالب مع هذه المجموعات، ولأسباب اجتماعية ونفسية، وبسبب جهل الشباب بدينهم وضعف الوعي واهتزاز مقومات الأسرة الصحيحة تسرب الفكر الشيطاني إلى العالم الإسلامي، وإلى المغرب خاصة، وسجلت مظاهر ممارسات طقسية متفاوتة المستويات في مدن مغربية كبيرة كالدار البيضاء والقنيطرة والصويرة وتطوان ثم أصيلة وغيرها، وحوكمت بعض فرق الهارد في الدار البيضاء سنة 2003، وحكم على بعض أفرادها بالسجن بتهم أعلاها زعزعة عقيدة المسلمين.
والذي يلاحظ على هذه المتابعات أنها تهتم بالطبقة الأولى من الهواة، وتنصرف عن الكشف الحقيقي عن المرتبة الثانية والثالثة على وجه الخصوص، وهي المرتبة الأكثر تطرفا وسرية وتنظيما، ويجعلها آخرون أربعة أقسام، أخطرها القسم الرابع الذي يقوم على تنظيم سري بالغ التعقيد يفوق تنظيم المافيا، وينتشر في معظم أنحاء العالم، وقد تخصص في القتل والاختطاف، وهذا يحتاج إلى تكاثف جهود المؤسسات السياسية والأمنية والمدنية والأكاديمية الوطنية للكشف عن هذه الظاهرة ومتابعتها فكريا وتربويا وأمنيا.
لا تزال محافل الفكر الشيطاني محاطة بالسرية، ولذلك فالمعلومات عنها قليلة، والدراسات غير وافية ولا مستوفية، وكثير من الأحداث العالمية يشوبها ما يرشحها لأن تكون من فعل الشيطانيين، والذي يبدو أنهم تحولوا إلى مؤسسات أكثر قوة وتنظيما وانتشارا.
وهل توقف الأمر عند ذلك؟ حتى الأنمي اهتمت بالشيطان وجعلت منه شخصية، أذكر على سبيل المثال: hataraku maou sama (the devil is a part timer)
لم أشاهده، لكن انظروا إلى الملخص في ويكيبيديا:
The Demon Lord Satan and one of his generals, Alciel, escape the world of Ente Isla through a gate to modern Tokyo, Japan after being confronted by the Hero Emilia and her companions. However, due to the lack of magic in the modern contemporary world, both Satan and Alciel change into forms representing what they would look like if they were human. In order to survive, Satan takes a part-time job in a fast food restaurant…
حتى الشخصية اسمها satan، ومهما كان المراد من هذا الأنمي (الموجه للأطفال والشباب والفتيان في سن المراهقة)، فهو يصور الشيطان على أنه شخصية جميلة، مما يخالف ما أمرنا به كتاب الله تعالى من جعل الشيطان عدوا لنا. وشيئا فشيئا ستترسخ مثل هذه المفاهيم في عقول المشاهدين.
-كان لإبليس حضور غريب في بعض الأدبيات العربية، خصوصا الصوفية منها، فقد عرف عن بعضهم تصريحهم بالدفاع عن إبليس،وكان من -غريب آرائه تبعا لبعض الصوفية أن إبليس نجح في الاختبار إذ لم يسجد لآدم حرصا على توحيده لله تعالى
ما هذا الهراء فالسادة الصوفية بريئون من ادعاءاتك
هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66 صدق الله العظيم
–