ذ.محمد بنعلي يكتب: هل لصلاة الجمعة لباسٌ خاصّ؟

16 أغسطس 2025 12:59

ذ.محمد بنعلي يكتب: هل لصلاة الجمعة لباسٌ خاصّ؟

هوية بريس – ذ.محمد بنعلي

خالجني هذا السؤال وأنا أستنكر بيني وبين نفسي حين رأيتُ أمامي بالمسجد أحد الشباب يصلي بسروالٍ قصير وقميص “تي شيرْت”، فتساءلْتُ: أين أدبُ العبوديّةِ لله في هذا المشهد؟! وأين هديُ النبي الكريمِ في تعظيم الجمعة؟! وأظن أن هذا الشاب لو وقف بين يديْ والده أو أيِّ مسؤولٍ ما تجرّأَ على فعل ذلك، فكيف يتجرّأُ على الله؟! فما غرّكَ بربك الكريمِ يا فتى حتى تجعلَه أهونَ الناظرين إليْك؟!

ما من شكٍّ في أن صلاة هذا الشابِّ صحيحةٌ لأنه تجاوز حدَّ العورةِ، وما من شك في أن ما فعله جائزٌ، وأنه لا يوجدُ في الإسلامِ زيٌّ خاصٌّ بالجمعة، ولكن هلْ كلُّ جائزٍ يُفعلُ؟! تصوّرْ أن الناسَ في مسجدٍ ما ينتظرون مجيء الخطيب، فإذا به يَخترق الصفوفَ على تلك الهيئة السابقةِ، وزاد عليها نظارةً سميكة، وقبّعةً شبابيّةً مثيرةً، وسلسلةً ذهبيّةً أو فضّيّةً تتدلّى من رقبتِه، هل تظنون أنه سيصلُ إلى المنبر، أو ستتلقف الألسُنُ والأيدي قبل أن يصلَ.

نعمْ، ستتلقّفُه الألسُن والأيدي قبل أن يصلَ؛ لأن هناك أعرافاً ومواضعاتٍ اجتماعيّةً وثقافيّةً ينبغي أن تُحتَرَم، وإن لم تُعْرفْ التوجيهاتُ الإسلاميّة الخاصّة بالجمعةِ، وهي – كما تعلمون – توجيهاتٌ عظيمةٌ تتحد تفاصيلُها وتتجمَّعُ لتجعل من المصلي إنساناً في كاملِ أناقته وروحانيّتِه، وكيف لا وهو سيقف بين يديْ مولاه، في يومٍ عظمه مولاه وبجّلَه؟!

ولما كان حديثُنا عن اللباس دون الغسل والتطيُّب والتبكير، فمن واجبي أن أذكِّرَ أخي الشّابَّ أن للرسول عليه السلام توجيهاتٍ يجبُ أن تُتّبَع في صلاةِ الجمعة، فعن عائشةَ أمِّ المومنين أن الرسول عليه السلام خطَبَ النَّاسَ يومَ الجمعةِ فرأى عليهِم ثِيابَ النِّمارِ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ما علَى أحدِكُم إن وجَدَ سَعةً أن يتَّخِذَ ثوبيْنِ لِجُمعتِه سوى ثوبي مِهنتِه” [صحيح ابن ماجه 1096]، بل كان له عليه السلام لباسٌ خاصٌّ يليق بالموقفِ المشهودِ يومَ الجمعة، واللهُ أحقُّ مَنْ يُزيّنُ له.

ومما يحزنُني حقّاً أن استهانةَ بعض الناس بيومِ الجمعةِ قد بلغَ حدوداً مرذولةً لا يُقِرُّها الشرع أبداً، فإذا كان الفقيرُ معذوراً لكونه لا يجد له لباساً يليقُ بمقام الجمعةِ ومنزلتِها عند الله، فما بالُ الموظف والأستاذ والمهندس ورجل الأعمال وغيرهم من الموسرين يأتون إلى الصلاةِ بلباسٍ لا يُحْمدون عليه، وكأنهم لا يجدون ما يُنفقون؟!

إن تصرفاتِ هؤلاء لا تتعلّقُ بالمظهرِ فقط، بل هي تعكِسُ مقدارَ تعظيم شعائِرِ الله، لأن التجمُّلَ لله ليس ترَفاً وليس طقوساً شكليّة، وإنما هو من علاماتِ محبّةِ الله وتوقيره وتعظيمِ دينِه، ومن علاماتِ شكره على نعمِه التي أسبغَها عليك وصدق ربُّنا عزَّ وجلَّ إذ يقول: “ذلك ومن يعظم شعائرَ الله فإنها من تقوى القلوب” [سورة الحج: 30]

فاشكرْ ربّكَ يا من وسّعَ الله له في رزقِه، وخصِّصْ لنفسِك ثوباً أنيقاً نظيفاً لائقاً بمقامِ ربِّك، وارتَقِ في مقامِ الشكرِ بشراءِ لباسٍ مثلِه للفقراء، فإن فيهم كثيراً ممن يتوقون إلى ثوْبٍ جديدٍ يقابلون به ربهم لكنهم لا يجدونه. ورُبَّ فقيرٍ أحرَصُ من غنيٍّ على الوقوفِ بين يدي اللهِ ومناجاتِه في أحسنِ هيْأَةٍ لو يجِدُه.

أما أنت أخي الشاب فَكن حريصاً على التصرفِ مع اللهِ بما يليق مع عظمتِه وجلالته وقدسيّتِه في هذا اليوم الذي هو خيرُ يومٍ طلعتْ عليه الشمس. ولْيكنُ حرصُك على نفس الشاكلةِ كلّما وقفتَ بين يدي الله في فجرٍ وظهرٍ وعصرٍ ومغربٍ وعشاءٍ ونافلةٍ. وإياك أن تواجه ربّكَ بمظهرٍ لا يليقُ، أقول هذا لأني رأيت بأم عيني شباباً يدخلون المساجدَ، ويقفون بين يدي ربهم بأشكالٍ يمجُّها الذوقُ والعرفُ والشرعُ، مع أن الله أحقُّ وأوْلى أن يُتَجمّلَ له.

وأعتقد أن هذا الموضوعَ وأمثالَه من الظواهر المذمومةِ في يومِ الجمعة خاصّة والصلاة عامّة يجب أن تُطرَحَ بقوّةٍ في خُطبِ الجمعةِ؛ لأن ما نراه ونلمسُه في كلِّ مرّةٍ يدعو إلى التعجيلِ بذلك.

والله يدعو إلى الجنة والمغفرةِ بإذنه، ويهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
18°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة