رئيس جامعة الزيتونة هشام قريسة يكتب: إفلاس الثقافـــــة في تونــــس
هوية بريس – هشام قريسة
تناقلت بعض الصحف التونسية، يوم الخميس، الخامس عشر من مارس 2018 خبرا يعتبر صيحة مفزعة في مجال المسلسلات التلفزية مفاده أن قناة التاسعة التونسية ستعرض في رمضان مسلسلا حول حياة “علي شُورّبْ” الذي عاش بمنطقة “الحلفاوين” بتونس العاصمة ما بين سنة 1930 م إلى سنة 1972 م ليموت مقتولا بعد حياة مليئة بالصعلكة والإجرام والسكر والعربدة، فقد كان يسجن ليخرج من السجن، ثم يدخل إليه من جديد بتهم العنف والتشويش وإرهاب الناس وإرعابهم في ظلمة أزقة المدينة العتيقة.
وتحدث المفصحون عن هذا النبأ المقرف أن ثلة من نجوم السينما والدراما التونسية، والأولى أن يعبر عن “الدراما” بكلمة المأساة كما هي ترجمتها باللغة العربية ليكون الأثر أوقعَ، ستشارك في هذا العمل، وقد ذكرت الصحيفة بعض الأسماء، منهم من أستنكِفُ عن ذكره، والأعجب من كل هذا هو تحضير هذا المسلسل ليعرض في شهر رمضان، شهر العبادة والإخبات، وشهر كف اللسان واليد عن إذاية الخلق وأسوأ من هذا كله، أن تكون أموال الأمة، ممولة لمثل هذه “المشاريع الوطنية” وأن يكون القائمون على الثقافة في بلادنا وكذلك مؤسسة “الهايكا” المانحة لرخص النشر والإعلام في بلادنا والمراقبة للأنشطة الثقافية، داعمة أو صامتة عن هذه الأعمال السافلة، المقدمة تحت شعار “الفن والسينما” والأولى أن يكون هؤلاء الذين عاشوا صعاليك، الذين أرهقوا الأمة وأضنوها أن يكونوا نسيا منسيا، وأن يُلفوا في قمامات الحضارة بعد انزياح الغمة عن الناس بنفوقهم [موتهم] أن يكون القتل، مصيرهم المحتوم وقدرهم المقدور، قتل واحد منهم بساطور على قارعة الطريق، مهشم الرأس، مثقل الجراح، وهو مثمول، قد لفه البول من فخذيه إلى أعقابه، كما وقع لعلي شورب.
والأدهى أن تمر هذه الأنباء على مسامع الناس ومرائيهم من دون نكير أو حتى من دون توقف أو تعجب مما ينشر وما أصاب الناس من بلادة العقول، ومن هذه اللامبالاة وعدم الاهتمام، أو عدم الاعتراض على مثل هذه الأعمال الموسومة بـ”الدرامية” و “الثقافية”.
إنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تخرج هذه الأعمال على معنى الدراما، لأنها “رجس” الحضارة، وما كان كذلك يجب أن يُغطَّى كما يُغطِّي السنور خرءه.
لقد أجدبت هذه البلاد، وهي بلاد الحضارة والتاريخ التليد وبلاد الأعلام في شتى العلوم والفنون، أن لا يكون فيها من يستحق أن يُعدَّ له برنامج أو مسلسل تاريخي أو ثقافي حتى تكتب عن علي شورب، وإنه لعار وشنار أن نصل إلى هذا الحد من الإسفاف والترذّل.
د. هشـــــــــام قريســــــــة
رئيس جامعة الزّيتونة