ردا على مقالة “لاماب”.. مسكين يكتب: عشر نقاط رئيسة (حقيقية) لفهم الحملة الرقمية ضد أخنوش
هوية بريس – يونس مسكين
تواجه حملة شعبية عبر الشبكات الاجتماعية منذ أيام، تجاهل رئيس الحكومة عزيز أخنوش ومحاولات أنصاره الهروب إلى الأمام بوسائل وإمكانات ضخمة، (ليس هو من يواجه الحملة، لأنه أصلا ما مسوقش ولا يعترف بهذه الأدوات المدنية والديمقراطية). وما تراكم حتى الآن (وهو كثير)، يتطلب تسجيل الملاحظات التالية:
1- الحملة انطلقت وانتشرت بطريقة تلقائية وطبيعية (وإن كانت الشرارة الأولى تبقى مجهولة المصدر إلا أن أهميتها قليلة مقارنة بحجم التفاعل وزخمه). وهذه الحملة جرت وتجري أساسا عبر موقع فيسبوك، وهذا الأخير يرفع منذ مدة طويلة في وجه الجميع (عبر العالم)، تحدي اختراق خواريزمياته والإقدام على عمليات الترويج أو استغلال قواعد بياناته. وبالتالي وباستثناء احتمال متناه في الصغر (لا يمكن رؤيته بالعين المجردة)، لوقوف قوة هائلة بحجم الامبراطوريات المالية والسياسية العظمى في العالم لتحقيق هذا الاختراق أو إبرام صفقة مع فيسبوك كي يتواطأ، فإن احتمال التلاعب بالحملة يبقى مستبعدا، عكس منصات أخرى بات التلاعب جزءا من نموذجها الاقتصادي، كما هو الحال مع تويتر، ويكفي تتبع تفاصيل السجال مع الملياردير الذي كان سيشتريه أخيرا؛
2- أول نقطة أثارت الجدل في موقف وتفاعل الطرف المعني بالحملة (معسكر أخنوش)، كانت التصريحات الصادرة عن الخبير البريطاني مارك أوين جونز. ولابد بداية من تسجيل نقطة نظام مفادها أن الأمر يتعلّق بباحث جاد ومشهود له بالكفاءة والمصداقية، ولا مجال لإلباسه الثياب الضيقة التي اعتدنا مشاهدتها هنا على أجساد المأجورين من مختلف الفئات. ولا توجد أية مشكلة في حديث جونز، بل العيب كله في طريقة توظيفه للإساءة إلى الحملة. الرجل اشتغل على تويتر، كما طُلب منه ربما، وقال الخلاصات التي سينتهي إليها أي باحث آخر، إلا أن الحملة التي يخوضها المغاربة لا علاقة لها بتويتر باستثناء شرارات الزخم الذي انتقل إلى الطائر الأزرق من فيسبوك. الرجل قال إن حسابات تم إحداثها خصيصا من أجل الحملة وإن التغير المفاجئ في سلوك بعض الحسابات وتغريدها الغزير يثير الريبة، وهو أمر صحيح وواقعي، وهو يشير فعلا إلى وجود تنسيق وتعبئة نتيجة للحملة الرقمية القوية. عدا ذلك، لم يقل الخبير أي شيء آخر، بل تم تقويله؛
3- لنتراجع قليلا إلى الوراء، ولنغادر المجال الرقمي، هل يخلو الواقع من الأسباب المعقولة لإثارة الاحتجاج ضد رئيس الحكومة الحالي؟ بالعكس، تكاد لا تكون العوامل المجتمعة حاليا للاحتجاج ضد رئيس الحكومة قد اجتمعت في أي وقت سابق. الرجل يتربع على موقع مهم في هرم السلطة (وفق الدستور على الأقل)، ومصادر عالية المصداقية تصفه بالرجل الأغنى في المغرب، وأخرى تربط بين ثروته هذه وبين قربه من السلطة. زد على ذلك الموقع المهيمن سياسيا الذي لم يتمتع به أي وزير أول أو رئيس حكومة في السابق، من خلال كتلة برلمانية ضخمة، مسنودة بكتلتي حزبين آخرين، أحدهما يعتبر أخا شقيقا في المنشأ السلطوي، في مقابل معارضة شبه كسيحة تضم ما تبقى من أحزاب الشعب التي عبرت مرحلة الكوليماتور. فوق كل ذلك، موجة غلاء غير مسبوقة، ترتبط في جزء منها بمنتوج يتمتع رئيس الحكومة نفسه بموقع مهيمن داخل سوقه الاقتصادي (المحروقات)، وسلوك سياسي مغرق في الازدراء والإهانة للمغاربة، حيث اختفت فجأة قوافل المائة مدينة ومسار الثقة والتواصل المكثف، ليعوضه قدر هائل من “النخال”؛
4- لنصل الآن إلى متن الشعار المرفوع. الوسم الثلاثي يتضمن شعارين لا يبدو أنهما يثيران أي إزعاج، وهما اللذان يطالبان بخفض سعر كل من البنزين والغازوال، إلى 8 و7 دراهم تواليا، لكن الوسم الثالث هو الذي يثير حالة “الإمساك” (la constipation)، وهو الذي يدعو إلى رحيل رئيس الحكومة. بعض الكتابات والتحليلات والمواقف، سواء المأجور منها أو العفوي، تثير الضحك حد استلقاء المرء على ظهره. هذه الكتابات التي انتقلت بمفعول العدوى، راحت تشكك في شرعية مطلب الرحيل، وانغمس البعض في مقاربته بأدوات تقنية كما يقارب الميكانيكي خيوط محرك السيارة، على اعتبار أن الديمقراطية تعني مجيء ورحيل المسؤولين بالانتخابات. المضحك في الامر هو أن هذا التفسير جاء متزامنا مع استقالة رئيس الوزراء البريطاني (مهد الديمقرطية في شكلها التمثيلي البرلماني على الأقل)، وكأننا (بسلامتنا) أصبحنا أكثر ديمقراطية من هذه الدول التي يتجاوب فيها المسؤولون مع مواقف ومطالب الرأي العام. من يقارب شعار “ارحل” بادوات اللغة والاصطلاح والمساطر الدستورية، عليه أن يراجع أدبيات ونظريات الفعل الجماهيري والاحتجاجي، ويقرأ سطرا او سطرين عن وظائف وخصائص الشعارات. “ارحل” هي كلمة تعبر عن موقف ومزاج، وليست تحركا عمليا يحل محل رئيس الدولة أو البرلمان او الانتخابات. الناس تعبر يا عاااالم، تعبّر، والتعبير حق مشروع (وبنادم مالو مخلوع، للضرورة الشعرية)؛
5- لماذا الاحتجاج رقميا وليس في الشارع؟ يعود ذلك إلى الفعالية الكبيرة التي يحققها هذا النمط من الاحتجاج، من حيث الانتشار الواسع للمطالب والشعارات، وشعور المواطن بتأثيره المباشر في هذا الانتشار دون حاجة إلى وساطات. زيادة على حجم هذا الاحتجاج القابل للقياس من طرف المواطن نفسه بواسطة الأرقام والإحصائيات التي توفرها المنصات الرقمية… كل هذا يمنح شعورا خاصا بالرضا وتحقيق الغاية الأولى من الاحتجاج وهي إسماع الصوت. ثم هناك هذا الخوف من تبعات الاحتجاج في الشارع بعد حالات المواجهة العنيفة التي حصلت في السنوات الأخيرة من جانب السلطات، سواء من خلال التدخل لمنع أو تفريق الاحتجاجات باستعمال القوة المفرطة، أو من خلال الاعتقالات والمحاكمات التي وقعت. زيادة على هذا الوعي الكبير لدى المواطن بخطر انزياح الاحتجاجات الميدانية عن مسارها وتحوّلها إلى فوضى، وهو ما يعكس الحس المدني الكبير لدى المواطن المغربي، وحرصه على ممارسة الاحتجاج دون السقوط في سيناريوهات الفوضى التي يشاهدها في بعض الدول التي خرج فيها الاحتجاج الاجتماعي عن السيطرة.
6- هل أفق الحملة هو سقوط رئيس الحكومة؟ من حق بعض الذين ينخرطون أو يساندون الحملة أن يكون هذا هو أفقهم، لا شيء في ذلك حرام او ممنوع. من يعتقد أن هذا الرجل لا يستحق أن يكون في هذا الموقع حاليا، من حقه في كل وقت وحين وبجميع الطرق القانونية والسلمية أن يعبر عن ذلك ويدعو ويعمل على الإقناع بموقفه… هذا من جهة، يعني لا داعي لبعث بعض أساليب الترهيب العتيقة في وجه المغاربة، وإلباسهم تهمة تهديد الاستقرار وهلم فدلكة. لكن، أنا شخصيا لا أعتقد أن أفق الحملة (بمعنى متى نقول إنها نجحت)، هو سقوط رئيس الحكومة. لسنا في بريطانيا، هذا أمر واضح وضوح الشمس فنهار جميل، ومزاج السلطة عندنا في السنوات الأخيرة يميل إلى معاكسة الرأي العام، وآخر ما يمكن أن تقدم عليه السلطة هو منح الكبرياء الشعبي هدية من حجم إسقاط حكومة. الأفق الوحيد بالنسبة إلي هو استعادة قدر بسيط من التوازن مجتمع-دولة، ليس بمعناه الديمقراطي، بل فقط بمعناه المغربي المحلي الذي يفيد “ضرب وقيّس”، أو “تكايسو راها وصلت للعظم”، فقط لا أكثر. أما نجاح الحملة من عدمه، ففي تقديري الشخصي الحملة نجحت، ونجاحها هذا أصبح خلفها، وكل ما يحصل بعد الأيام الثلاثة الأولى ورد الفعل القوي ضد توظيف ملاحظات “الخبير”، هو “فضل فوق راس المال”؛
7- هل يجب أن تستمر الحملة؟ هناك من دعاة “الصمت اللمط” وحاملي الكمامات من وجد مدخله لمهاجمة الحملة في استمرارها لفترة أطول من المتوسط الاعتيادي لمثل هذه الحملات الرقمية. ووجد هذا البعض ضالته في هذا الاستمرار لشرعنة الحديث عن التلاعب والتوظيف وتهديد استقرار الدولة وبلا بلا. ما ينساه هذا البعض هو أن الذين يقدمون أنفسهم كمدافعين عن أخنوش، هم سبب طول أمد الحملة واستمرارها، ويكفي العودة إلى بعض التحليلات البيانية التي توفرها بعض الأدوات الرقمية (لبيانات تويتر وتيك توك وليس فيسبوك لان هذا الأخير لا يسمح)، لملاحظة القفزة التي حصلت في مسار الحملة بعد نشر الاستفزازات إياها التي حاولت توظيف رأي متخصص أجنبي. بالنسبة إلي الحملة يجب ان تستمر وتتواصل أقصى ما يمكن، ليس لأنها ستحقق نجاحا آخر، بل لسبب واحد: كونها حملة سلمية مدنية راقية، ويهمني كثيرا عودة او استمرار شعور المغاربة بالأمل وبجدوى الفعل المدني السلمي، فما يجري في السياسة والاقتصاد يثير الخوف الشديد من يأس المغاربة من هذه الوسائل وبالتالي حدوث انحراف او انزياح عنيف هنا أو هناك. دعوا الناس تتذوق حلاوة المواطنة ولو في هذا الهامش الرقمي-الافتراضي الصغير، ولا تدفعوهم إلى الكفر بها؛
8- أرا لنا آ سيدي الآن ربط بعض القراءات والتحليلات بين الحملة الرقمية ضد رئيس الحكومة وبين الانتخابات الجزئية التي جرت في كل من الحسيمة ومكناس. هل يمكن الربط بين الأمرين؟ أبدا، لأن الحملة الرقمية هي كما قلنا سابقا تعبير عن سلوك سياسي مدني، والانتخابات الجزئية في المغرب يمكن ان تكون أي شيء إلا انتخابات سياسية. طلبة الإجازة في القانون العام يعلمون ان التصويت السياسي يغيب في مثل هذه الانتخابات، ويحضر في المقابل التصويت المدفوع بعوامل أخرى على رأسها البعد المنفعي. زد على ذلك أن شيئا لم يتغير في الواقع حتى تتغير نتيجة الانتخابات التشريعية، فكما يعلم الجميع جرت هذه الانتخابات في 8 شتنبر تحت تأثير “الإدغام” الذي طالها في الانتخابات الجماعية المرتبطة بعوامل تقليدية تتحكم فيها الإدارة وأحزابها، والانتخابات الجزئية تجرى في ظل نتائج الانتخابات الجماعية الأخيرة، أي وجود خزان من الأعيان (القرويين خصوصا) الدين ينقلون كتلتهم الناخبة إلى مكتتب التصويت، في مقابل غياب تام للتصويت السياسي. أكثر من هذا، أعتقد اننا إذا ذهبنا إلى انتخابات 2026 التشريعية في غياب تغيير فعلي في الهندسة القائمة حاليا، فإن أخنوش يستطيع الفوز بولاية ثانية بسهولة؛
9- المضحك في هذا الربط بين الحملة الرقمية والانتخابات الجزئية، عودة التركيز على حزب العدالة والتنمية وهزيمته المدوية فيه. حاولت تقليب الامر من كل جوانبه لكنني لم أجد سببا وجيها لتفسير هذه المركزية التي يصر البعض على منحها لحزب العدالة والتنمية. ما الذي قدمه هذا الأخير من عرض سياسي جديد حتى يصوت عليه الناخبون في مكناس والحسيمة؟ هل يعقل أن نراهن على الأثر العاطفي لحملة رقمية تطالب برحيل أخنوش كي يصعد حزب العدالة والتنمية من جديد؟ هل يعقل أن يكون هناك من ينظر إلى المغاربة بهذا الاستصغار؟ واش المغاربة خفاف لهذه الدرجة؟ ثم دعونا نساير هواة إقحام حزب المصباح في كل شيء، ألم تقولوا أو تلمحوا إلى أن الحملة الرقمية هي من تدبير حزب العدالة والتنمية؟ كيف يعقل أن الحزب الذي عبأ أكثر من مليون مغربي في هذه الحملة لم يقو على تعبئة ألف ناخب؟ شخصيا لست ضد استمرار حزب العدالة والتنمية ولا ضد حقه في التعبير عن اختياراته ومواقفه، لكنني لا أرى أنه قدّم بعد 8 شتنبر مجرد بوادر أو بدايات لما يمكن ان يشكل بديلا أو مشروعا جديدا يعبئ التصويت السياسي؛
10- هل من خلاصة أساسية؟ نعم، وهي أن ما يحصل يؤكد كل ما تردد قبل الانتخابات الأخيرة وبعدها من تحذيرات تهم الخطر الذي يشكّله وضع رجل يرمز إلى زواج المال بالسلطة في موقع المسؤولية السياسية الأولى. لا يمكن أن تمر علينا هذه التجربة دون ان نقرأ هذا التحريض العلني والمباشر الذي تخلل فقرات المنشور الصادر عن وكالة المغرب العربي للأنباء، ضد الدولة نفسها في سياق الدفاع عن الشخص. لا يمكن ألا نكون قد قرأنا وفهمنا كيف يسارع هذا المركب المصلحي إلى الوقيعة المباشرة بين الدولة والمجتمع، حين يقول للمواطنين (كذبا وبهتانا) إن الضرائب التي تحصلها الدولة هي (وحدها) السبب في الغلاء، وحين يصبح رجل، مجرد رجل مغربي، يتجاوز في قداسته ما كانت الدساتير والأعراف السابقة تمنحه للملك نفسه، ويصبح بالتالي انتقاده استهدافا للدولة وتهديدا للاستقرار وتحريضا على العنف والكراهية. فبصرف النظر عن نقاش شكل الملكية التي يريدها المغاربة، فإن الشخص الثابت والدائم الوحيد هو الملك، وهذا الأخير هو ضمانة للمضي أكثر في الديمقراطية، عكس ما يقوم به البعض من تلبيس على المغاربة لجعلهم يعتقدون ان المطالبة بالديمقراطية استهداف للملكية. وجود المؤسسة الملكية في المغرب فرصة وضمانة للتقدم أكثر في المسار الديمقراطي، لأنها تجسد ما حوله إجماع وتضمن حمايته، ليكون ما تبقى كله في دائرة الاختلاف والتداول والصراع الديمقراطي؛