رسالة إلى ملحد… “عين حمئة” أنموذجا
هوية بريس – سعيد المرواني
أتذكر يوما وانا أتصفح أحد المواقع وإذا بي بتعليق ﻷحدهم كأنه يقول “لقد وجدنا الخطأ ألا هو “تغرب في عين حمئة” كيف ستصنعون معها” ولعل تعليقه كان أكثر انتشاء من نقلي عنه، إنه كلام يتردد عندهم ومنتشر بينهم.
مقدمة
يقرر ستيفن هاوكنج في آخر كتاب كتبه ألا وهو “التصميم العظيم” أن تغير نظرتنا للكون قد يحصل في أي لحظة، حيث قال في الصفحة 63 من كتابه “داخل حوض السمك، ترى اﻷسماك شعاع الضوء ليس بالصورة اﻹقليدية”، ثم عقب في صفحة 72 من الكتاب نفسه قائلا “من الممكن أن نكون نحن بالصورة نفسها، فتصل لنا الحقائق بآلية وصولها نفسها إلى داخل حوض السمك، لا مانع من ذلك” انتهى النقل عنه.
السؤال: هل هذا التقرير يبقي أي حقيقة علمية يمكن أن يبنى عليها حول الكون؟
إذن، كيف تعتبر أن هذا الطرح أو المعلومة مغلوطة وبالتالي وهم أي خلاف ما هي عليه. فأنت مع نظرة هاوكنج في أعلى حالاتك معرفتك ظنية آنية.
طبعا المسلمون ليس هذا حالهم، فاعتقادهم أن العلي القوي الفعال لما يريد أنزل وحيا على مر العصور فيه الحقائق التي تهدي العقل البشري إلى المقدمات الصحيحة للابتعاد عن الخرافة والوهم وذلك اعتقادا وتشريعا وفهما للكون والوجود. يقول ربنا “صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون“، لاحظ أن هذه الكلمات جاءت في سورة النمل، أنت الآن تسأل ما دليلك؟
أ- قال القرطبي في تفسيره “زعموا أن الجنين يتكون من ماء الرجل وحده، ويستمد الدم من الرحم، والصحيح أن الخلق إنما يكون من ماء الرجل والمرأة لهذه اﻵية ﴿إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج﴾ فإنها نص لا يحتمل التأويل”.
فعلماء المسلمين خالفوا تصورات معاصريهم والقرآن هداهم للحق اليقين، كما قال ابن حجر في فتح الباري “وزعم أهل التشريح أن المني يقوم بعقد دم الحيض، وأحاديث الباب تبطل ذلك”.
نعم حتى السنة، وقد كان شبه اتفاق سائد في عصر أرسطو وجالين أن المرأة ليس لها أي دور فعلي في عملية اﻹنجاب.
ب– أول من اعتبر المنهج التجريبي كمعيار إضافي في صحة الحقائق هي الحضارة اﻹسلامية، يقول بريفولت في كتاب “بناء الإنسانية”: “وإن روجر بيكون درس اللغة العربية والعلم العربي في مدرسة -أكسفورد- على خلفاء معلميه العرب في الأندلس وليس لروجر بيكون ولا سميه فرنسيس بيكون الذي جاء بعده، الحق في أن ينسب إليهما الفضل في ابتكار المنهج التجريبي فلم يكن روجر بيكون إلا رسولا من رسل العلم والمنهج اﻹسلاميين إلى أروبا المسيحية”.
هل تستطيع أن تجيب ما هو الإطار التوجيهي الذي مكن الحضارة اﻹسلامية من إنتاج مثل هذه الحركة العلمية الفريدة، نعم الجواب الواضح، القرآن والدين.
عين حمئة
يقول الله عز وجل ﴿فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون﴾ ]المعارج:40]، يعلق الدكتور موريس بوكاي على الآية في كتابه “التوراة والانجيل والقرآن بمقياس العلم الحديث”: “إن المدقق لشروقات الشمس وغروباتها يعرف جيدا أن الشمس تشرق على نقاط مختلفة من المشرق، وتغرب على نقاط مختلفة في المغرب وذلك حسب خطوط الطول وحسب فصول السنة”.
فسؤالي لك هذا قسمٌ محكمٌ، وآية حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ]الكهف:86] من المتشابه، أي أن الشمس تغرب في نظر ذي القرنين في عين حمئة.
ومن القواعد في اﻹسلام إحالة المتشابه على المحكم، بل كيف تتخيل أن القرآن يقر أن الشمس تستقر إلى شروق اليوم التالي والمحكم من القرآن يقول إن الشمس تجري في فلك لا تتوقف، قال ربنا “وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون“، فالمحكم هو أن الشمس تجري في فلك بلا توقف إذن فكرة دخول الشمس داخل عين حمئة واستقرارها فيها حتى شروق اليوم التالي هذا مخالف للنص القرآني صراحة.
يقول ربنا ﴿وسخر لكم الشمس والقمر دائبين﴾ ]إبراهيم:33]، وفي تفسير اﻵية يقول ابن كثير “يسيران لا يقران ليلا ولا نهارا”، وكذلك ابن عاشور يفسرها بقوله “وتسخير الشمس والقمر خلقهما بأحوال ناسبت انتفاع البشر بضيائهما، وضبط أوقاتهم بسيرهما” فالشمس والقمر دائبان لا يتوقفان.
وفي سورة ص حكى -سبحانه- ما قاله سليمان -عليه السلام-، فقال تعالى: ﴿فقال إني أحببت حبّ الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب﴾ [ص:32]، يقول ابن عاشور في التحرير والتنوير حول تفسير اﻵية: “والكلام تمثيل لحالة غروب الشمس بتواري المرأة وراء الحجاب وكل من أجزاء هذه التمثيلية مستعار؛ فللشمس استعيرت المرأة على طريقة المكنية، ولاختفائها عن الأنظار استعير التواري، ولأُفق غروب الشمس استعير الحجاب”.
ومن قول ابن عاشور نفهم أن الشمس اختفت عن اﻷنظار أو ضياءها حجب عن مكان ما بجزء آخر من اﻷرض وهذا اﻷخير يقابل الشمس ويكون مضاءا وليس بدخول واستقرار في عين أو حتى بحر ثم الانتظار لتشرق في اليوم التالي.