رسالة من خطيب مغربي بعنوان: لله ثم للتاريخ
هوية بريس – متابعة
كوني خطيبا للجمعة بالمملكة الحبيبة المملكة المغربية، سأكتب ما أكتب عن مشاهدة ومعاينة، واحتكاك لا انفكاك، وسأستر اسمي لا خوفا على الثمن البخس الذي أقتضيه مقابل هذا العمل العظيم، فهو لا يغطي ضروريات حياتنا الشخصية فضلا عن الأسرية، ذلك الثمن الذي قد يقتضيه شخص مقابل يوم أو يومين من العمل، وإنما أخفي اسمي لأنني أعتقد أنني في عمل شريف عليّ ألا أتركه لمن لا يقدره قدره، ولا يعي حمله، أكتب ما أكتب لله تبرئة للذمة ووفاء بالعهد الذي حُملته، ثم للتاريخ بيانا للواقع.
إن الكلام عن هذه الخطبة الموحدة يُجمل في أمور منها:
أولا: حال هذه الخطبة.. إذ الناظر فيها يجدها قد كُتبت على عجل، أو أن كاتبها صاغها بعد نوم لم يستكمل حقه منه، ففيها من نازل العبارة، وضعيف الإشارة، ما لا يرتوي منه الحكيم الحذق، فكيف بالعيي الحمق، ناهيك عن برودة خطابها، وركاكة ألفاظها، فلا تكاد تحرك متحركا فضلا عن ساكن، فتسمع لها جعجعة ولا ترى طحينا، زد على ذلك مواضيعا التي لا تعالج واقع الأمة، بل لا تمت للواقع بصلة، بل لا تحقق الأهداف المرجوة منها أصلا.
ثانيا: حال الناس معها.. أي حال متلقيها قبولا وردا، وقد جربت الخطبتين معا، الخطبة الخاصة التي يعالج فيها الخطيب نقص ومشاكل جماعته، والجمعة الموحدة التي تعم ولا تخص -ولكل قطر مشاكله ونقصه- جربتهما معا فوجدت فرقا كبيرا في التلقي بين خطبتي التي أنشأتها من تعب وجهد، والأخرى التي أمليها عليهم، فتجد الناس ينظرون إليك تكاد أعينهم تخرج حَنَقا وشَرَقا، تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت، فحتى في الدعاء فتسمع دوي المصلين تأمينا إن كان دعاء من خطبة خاصة، ولا تكاد تسمع همسا بعد سرد وعرض، وهم يعلمون بل وأعينهم تقول: “ليست النائحة الثكلى، كالنائحة المستأجرة“.
ثالثا: الإحصاء الذي خرج به السيد الوزير أحمد التوفيق في كون 95% يسردون الخطبة عن طواعية دون إكراه، و5% يعتمدون خطبهم الخاصة، فعلى هذا الإحصاء علامات استفهام؟
إن سلمنا بصحته فنحن نرى أن عددا أكثر من المذكورين يعتمدون خطبهم الخاصة، فوسائل التواصل أصبحت كاشفة للمغطى، رافعة للنسيان والخطا، فإن سلمنا بصحة الإحصاء كيف يكون الخطيب يخطب عن حب وطواعية، وهو يعلم أن أعوان السلطة قد كلفوا بتسجيل الموَحَدين، والمنفردين؟
وكيف نعرف هل من ترك الاجتهاد تركه خوفا من التوقيف، أو عجزا عن الاجتهاد؟
وكيف نقول في أقوام كانوا قبل التوحيد يعتمدون الخطب المكتوبة في المواقع ينسخون ويسردون؟
بل كيف يعمد الخطيب إلى الاجتهاد وهو يعلم أن خطيبا بطنجة توقف بتهمة عدم اعتماد الخطبة الموحدة؟
وهلم جرا من الاستفهامات والعلامات؟؟؟
والعجب كل العجب أن يخرج السيد الوزير بهذا الإحصاء متوعدا بعد وعد، بل عدّ من انبرى للاجتهاد أهل مرض وعناد، مشوشين في البلاد، ولا أدري هل غاب عن السيد الوزير أن المجلس العلمي الأعلى جعل الخطبة الموحدة الإجبارية اختيارية، أيريد السيد الوزير أن يرجعها إجبارية بعد حسم المجلس العلمي الأعلى -الذي يترأسه مولانا أمير المؤمنين محمد السادس نصره الله وأيده وكثر خيره ومدده- في المسألة، ورفع الحرج عن رعيته ونوابه، أبعد كلام المجلس العلمي الأعلى كلام أو ملام؟
فهذه أحرف أكتبها لله ثم للتاريخ لعلها تلقى آذانا صاغية، وقلوبا واعية.