رسالة من رجل تعليم إلى وزير الأوقاف أحمد التوفيق
هوية بريس – متابعة
تحت عنوان “معاناة العاملين بقطاع التعليم العتيق وضرورة الإنصاف وتحديث النظام” كتب أحد أطر التعليق العتيق رسالة وجهها إلى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق.
وتناول في رسالته مجموعة محاور: تجديد العقود السنوية ووثائق العبودية، وضعف الشفافية في نتائج التلاميذ وتشتت الإدارات، وغياب التغطية الصحية والضمان الاجتماعي، والأجور المتدنية وتأخر صرفها.
بالإضافة للحديث عن سوء معاملة العاملين من طرف بعض موظفي المندوبيات الإقليمية والجهوية، وتأخر صرف المكافآت في أوقات حرجة.
وهذا نص الرسالة كما توصلت بها “هوية بريس”:
“من: رجل تعليم إلى السيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
*الموضوع: معاناة العاملين بقطاع التعليم العتيق وضرورة الإنصاف وتحديث النظام*
أتوجه إليكم اليوم بملفٍ مستعجل يعكس مظاهر من المعاناة والتهميش التي يتجرعها يوميًا العاملون في قطاع التعليم العتيق بالمغرب، هؤلاء الذين يحملون على عاتقهم مسؤولية تكوين جيل واعد، تحت إشراف وزارتكم الموقرة. هذه الفئة التي يفترض أن تتمتع بأبسط مقومات العيش الكريم والاستقرار، تجد نفسها محاطة بظروف عمل مرهقة، وإدارة عفا عنها الزمن، وممارسات لا تليق بدولة تطمح لمواكبة العصر.
إن معاناة العاملين في التعليم العتيق تجاوزت حدود الصبر؛ فقد فضحت جائحة كورونا سابقا هشاشة وضعهم، وأكدت افتقارهم لحقوقهم الأساسية، بدايةً من انعدام الضمان الاجتماعي وعدم الانتظام في صرف أجورهم المتواضعة، وصولًا إلى ضعف الإشراف الإداري ونظام النقاط، ما يُظهر حاجة ملحة لإصلاح جذري. فيما يلي أبرز نقاط المعاناة التي يتعين النظر فيها بجدية وشفافية:
1. *تجديد العقود السنوية ووثائق العبودية*
تتطلب الإدارة الحالية من العاملين تجديد عقودهم سنويًا، وسط روتين بيروقراطي معيب لا يتناسب مع كرامة الإنسان. يُطلب منهم كل عام تقديم مستندات مكررة كالسجل العدلي وأوراق أخرى، وكأنهم غير أهل للثقة، حتى وإن كانوا قد أفنوا سنوات من أعمارهم في هذه الخدمة. ويأتي بعد ذلك اجتماع لجان جهوية بدعوى تقييم كفاءتهم وتقرير تجديد عقودهم، فيما هذه اللجان لا تقدم إلا عبئًا إداريًا ومضيعة للمال العام، إذ إن هؤلاء العاملين يعرفهم الجميع ولا جديد في ملفاتهم الوظيفية.
2. *ضعف الشفافية في نتائج التلاميذ وتشتت الإدارات*
يُحرم تلاميذ التعليم العتيق من معرفة نتائجهم بوضوح في مراحل هامة مثل السنة السادسة، الرابعة إعدادي، والبكالوريا. وحتى من ينجح في البكالوريا، يجد نفسه في مواجهة بيروقراطية معقدة للوصول إلى نتائجه، بين الحارس العام والمندوبية الإقليمية، ثم الجهوية، وأخيرًا الوزارة، في مشهد يعكس استهتارًا واضحًا بزمن التلاميذ وحقهم في الشفافية.
3. *غياب التغطية الصحية والضمان الاجتماعي*
إن انعدام التغطية الصحية والضمان الاجتماعي للعاملين في التعليم العتيق ليس فقط انتقاصًا من حقوقهم الأساسية، بل هو إهمال متعمد يضعهم في دوامة من القلق والفقر، على الرغم من أن العاملين في قطاعات أخرى يتمتعون بهذه الحقوق التي تحفظ لهم كرامتهم الإنسانية.
4. *الأجور المتدنية وتأخر صرفها*
يتقاضى العاملون في التعليم العتيق أجورًا متواضعة لا تتناسب مع متطلبات العيش، تتراوح بين 2500 درهم و4000 درهم، وهي أجور بالكاد تكفي لسد الرمق. والأسوأ من ذلك، أن هذه الرواتب تصرف غالبًا بعد تأخير يصل لأشهر، مما يفاقم من معاناتهم ويتركهم تحت ضغوط مالية غير محتملة.
5. *سوء معاملة العاملين من طرف بعض موظفي المندوبيات الإقليمية والجهوية*
لا يتوقف الأمر عند الحرمان من الحقوق المالية والاجتماعية، بل يتعداه إلى أسلوب تعامل بعيد عن الاحترام من بعض موظفي المندوبيات الإقليمية والجهوية، ما يزيد من إحساس العاملين بالتهميش والقهر.
6. *تأخر صرف المكافآت في أوقات حرجة*
تُصرف المكافآت للعاملين بتأخير يصل لأشهر، وغالبًا ما يتزامن هذا التأخير مع مناسبات تتطلب نفقات إضافية مثل الأعياد، مما يجعلهم في مواجهة أعباء مالية خانقة بلا أي سند، كأنَّ الوزارة اختارت عمداً تجاهل احتياجاتهم الإنسانية.
الوزارة تحول المكافآت لعام كامل إلى المندوبيات الجهوية لتتكفل هذه الأخيرة بصرفها للعاملين شهرًا بشهر، لكن هذه المندوبيات تتلكأ وتتعمد التأخر في صرفها أحيانًا لأزيد من ثلاثة أشهر، ولا نعلم لماذا ذلك ولا نجد له تفسيرا إلا أمرا واحدا: عدم خوف الله تعالى وعدم الشعور بمعاناتنا.
المؤلم أن هذه التصرفات اللا إنسانية عديمة الرحمة تتكرر باستمرار ولا من يحرك ساكنًا من هؤلاء الموظفين المسؤولين عن هذه العملية التي لا تتطلب سوى ضمير حي ونقرة على زر حاسوب؛ وهذه حقيقة لا نجد لها تفسيرا إلا أنه عندما لا يكون المسؤول إنسانًا، فانتظر منه أكثر.
وبما أن الآذان عمداً صمت والأبصار عن هذه المعاناة الخاصة بأساتذة العتيق عميت، فإننا إلى الله نرفع الدعاء بأخذ حقوقنا من صحة ومال من يقوم بهذا التأخر المتعمد، وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله.
*السيد الوزير*
إن العاملين في مدارس التعليم العتيق يحملون على عاتقهم أمانة بناء أجيال من طلبة العلم، وهم جزء لا يتجزأ من المنظومة التعليمية في بلادنا، ويستحقون الكرامة وحقوقهم كاملة. إن تجاهل معاناتهم لم يعد مقبولًا، وإن الحاجة إلى الإصلاح العاجل باتت ملحة، ويجب أن تخرج وزارتكم الموقرة من حالة الجمود الإداري لمد يد العون لهؤلاء الجنود المجهولين.
وعليه، نقترح الآتي:
1. توفير التغطية الصحية والضمان الاجتماعي للعاملين فورًا.
2. تحسين الأجور بما يتناسب مع كرامة العاملين وجهودهم.
3. صرف المكافآت في مواعيدها المحددة وبدون تأخير.
4. ضمان الاستقرار الوظيفي عبر عقود دائمة ترفع عنهم شبح التهميش.
5. تفعيل الشفافية في نتائج التلاميذ، والاعتماد على نظام رقمي يتيح لهم الوصول إلى نتائجهم بسهولة.
ختامًا،
إنني أوجه نداءً عاجلًا لوزارتكم من أجل اتخاذ إجراءات عملية وعاجلة تنهي معاناة العاملين في التعليم العتيق، وتعيد لهم حقوقهم وكرامتهم، وتدفع بالمؤسسات التعليمية نحو الحداثة التي يتطلع إليها كل مغربي. إن تجاهل هذه الحقوق ليس فقط ظلمًا لهؤلاء العاملين، بل ينعكس سلبًا على طلابهم الذين يثقون في وزارتكم لبناء مستقبل مشرق لهم.