رفقا بالدعاة
هوية بريس – محمد شعراوي
يذكر ان أحد المشائخ في مملكتنا الحبيبة كان له مجلس أسبوعي في المسجد وكان يتناول في درسه أحوال الأمة وأسباب نهضتها وعوامل تقهقرها ويعرج على الاستعمار الأجنبي الذي استنزف ثرواتها واستعبد أبناءها ، فكان المسجد يكتظ بالرواد ، يأتي الناس من احياء بعيدة لينصتوا إلى هذه الدروس المتقدة والمتوهجة..
بعد كذا مجلس رأى الشيخ أن تعليم الناس أحكام دينهم أنفع لهم وأجدى ، فشرع يحدثهم عن أحكام الزواج والطلاق وأحكام التجارة وغير ذالك، وبعد درس او درسين انخفض معدل الحضور بنسبة كبيرة حتى لم يعد يحضر إلا كبار السن وبعض الصادقين..
قلت: هذا حال العوام وبعض الشباب اليوم ، يعجبه ان يسمع الداعية يشتم الحكام ويتناول في خطبه القضايا العالمية الشائكة ولو على غير بصيرة ، ثم اذا ما أصاب الخطيب مكروه انطوى المعجب به على نفسه وترك داعيته المفضل البطل المقدام ومن يعول يواجه المصير المجهول..
ان من الحماقة ان تشتم انت -المعافى في بدنك الامن في سربك الضامن لقوت يومك- هذا الشيخ الذي تجرع المر زمنا او تتهم هذا الداعية الذي ابتلي طويلا ، لا لشيء سوى أنه تراجع عن أفكار يجمع العقلاء على سقمها.. وكاني بك قد اتخذته نائبا عنك في تصفية حسابات ضيقة مع جهات ما ، وقوله ما لم تستطع أنت قوله ، فلما توقف عن المهمة التي حددتها له انقلبت عليه وشهرت به..
يقولون: ان كثيرا من الشيوخ كانوا سببا في الزج بأتباعهم في السجون وذالك بفضل تلك الخطب النارية التي كانوا يلقونها على مسامعهم ، واقول: قد يكون هذا الأمر صحيحا ، لكن في المقابل الأتباع كذالك لهم دور في تطرف هذا الداعية او ذاك..
فحينما تبالغ في الثناء على خطيب الجمعة لدرجة الإطراء لا لشيء سوى ان كلامه صادف هوى في نفسك فأنت والحالة هاته تؤجج فيه الحماسة الغير المنضبطة والامسؤولة وتدفعه الا التهور دفعا فيتحدث باسهاب وتفصيل في قضايا وفنون يحتاج من يريد الخوض فيها الى تبصر وتأن واطلاع كبير ، طبعا.. الداعية هو المسؤول الأول عن توجهاته لكنه على كل حال انسان له مشاعر ويطرب بالمدح ويتأثر بالمحيطين به وبتشجيعاتهم..
بعض الشباب المتحمس/المتهور لا يكاد يتقن وضوءه واذا سمع إمام مسجد حيه يتحدث عن احكام الطهارة او الصلاة انصرف متهما اياه ومن على شاكلته ب “فقهاء الحيض النفاس” وفي صبيحة يوم الجمعة يترك المسجد المجاور ويقطع الأميال العديدة ليستمع إلى خطبة سياسية بامتياز..
فلا ينبغي ان نحمل الدعاة والخطباء ما تئن بثقله الجبال.. ولا يجوز بحال ان نحاكم نياتهم ومقاصدهم.. فلسنا بأحرص ولا أغير منهم على شرع اللله.. ولنلتمس لهم الأعذار.. فليس كل ما يعلم يقال.. ومن الشجاعة ان تجبن ساعة.. ولنحذر من ان نكون عونا لمتطرفي العلمانية الموحشة عليهم.. فالضرف حساس.. وها نحن نرى كيف ان مشايخ ودعاة في مصر والحجاز وهم من خير ما أنبتت بلاد المسلمين في هذا الزمان يزج بهم في السجون بلا جريرة! او لعل جريمتهم انهم اختاروا منهج الوسطية والاعتدال..
الله المستعان.