رمضان.. هوس الفن وسباق التفاهة
هوية بريس – نور الدين درواش
ما إن اقترب رمضان حتى بدأت القنوات الفضائية الوطنية والعربية تعلن عن شبكات برامجها الرمضانية التي تغطي المساحة الزمنية لعمر البث الذي لم يعد ينقطع طوال الأيام والليالي.
وقد أصبح رمضان هو المناسبة السنوية التي تتسابق فيها القنوات الفضائية والمنتجون والمخرجون والممثلون وكافة المسهمين لإغراق الساحة بمنتوجاتهم المتنوعة بين مسلسلات وأشرطة سينمائية وتلفزية وسيتكومات وسكيتشات وسهرات.. ناهيك عن لعبة الكاميرا الخفية التي تبيَّن في كثير من الأحيان أنها مسرحيات مفبركة..
فلماذا رمضان بالضبط؟؟
لقد اختار الله عز وجل شهر رمضان لأنه شهر تنزل القرآن، واختصه بشعيرتي الصيام والقيام ليكون موسما للطاعة والعبادة وزيادة القرب من الله سبحانه.
قال تعالى: {شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ}.
وبين سبحان أن من أكبر مقاصد تشريع الصيام في هذا الشهر وفرضه على المسلمين هو تحقيق التقوى.. فقال سبحانه: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ}.
فلماذا تعدل بنا القنوات ومن يقف وراءها عن الإرادة الشرعية الربانية لتقذف بنا في إرادة الإلهاء والإفساد والتخدير لتفويت الفرصة وإضاعة العروض السماوية؛ ولإشغال الناس بما لو كان مباحا في أصله لكان الانشغال به سفها لكونه يفوت على المسلم التعرض للنفحات الربانية العظيمة في هذا الشهر.
هل يستحضر المسلم عِظم خسارته وحجم الغبن الذي يتعرض له بتفويت فرصة هذا الشهر الفضيل؟؟
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ.» متفق عليه.
وفي رواية الإمام الترمذي أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ”.
فشهر هذا شأنه هل يليق أن ينشغل المسلم فيه بسفاسف الأمور وتفاهات الإنتاجات؟؟
وليس هذا فحسب؛ بل إن ما شرعه الله عز وجل من شعيرتي الصيام والقيام وما رتب عليهما من الأجر ليزيد أمر الإغراق في الملاهي شناعة وسفاهة.
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللهُ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ، وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ» متفق عليه.
فهل يُستبدل هذا الخير بمتعة زائلة ولهو ذاهب لا يخلو من مخالفات شرعية ومحرمات…؟؟؟
ومن خيرات هذا الشهر أن الصيام والقرآن يشفعان لصاحبهما يوم القيامة. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ”، قَالَ: “فَيُشَفَّعَانِ رواه أحمد.
ولهذا كان السلف من هذه الأمة ينقطعون عن العلم الشرعي والحديث النبوي ليتفرغوا للقرآن الكريم.
مرَّ الحسن البصري بقوم وهم يضحكون فقال: “إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه، يستبقون فيه لطاعته فسبق قوم ففازوا، وتخلف قوم فخابوا، فالعجب كلُّ العجبِ للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون، وخاب فيه المبطلون”.
إن خلاصة الصراع بين الإرادة الربانية في هذا الشهر، وبين إرادة القائمين على الإعلام والفن تختزلها آيتان من كلام الله عز وجل وهي قوله تعالى: {وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡكُمۡ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيۡلًا عَظِيمٗا، يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمۡۚ وَخُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ ضَعِيفٗا}.
فالعاقل يُضرب في هذا الشهر عن الفن والتفاهة والسفاهة وكل مظاهر ذلك، لينشغل بما ينفعه ويحقق إرادة الرحمن سبحانه {وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡكُمۡ}، عن إرادة متبعي الشهوات، {وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيۡلًا عَظِيمٗا}.
والله الهادي إلى سواء السيل.