رمضان وحاكمية القرآن واستفتاء تعديل المدونة

هوية بريس – نور الدين درواش

يُقبل المسلمون عموما والمغاربة منهم على وجه الخصوص في رمضان على القرآن الكريم، فيتنافسون في تلاوته وتدبره وتكرار الختمات قراءة في المصاحف وسماعا في المحاريب من خلال صلاة التراويح ومتابعة للمسيرة القرآنية على الإذاعة والتلفزة الوطنية.

وحين يقبل المغاربة على التدين كما أكدت كثير من التقارير والاستطلاعات ويقبلون كذلك على كتاب الله؛ فإنهم يستحضرون أنهُ كلامٌ حق نزل من الحق سبحانه وتعالى، وتلقاه عنه جبريل عليه السلام الذي بلغه للنبي صلى الله عليه وسلم، وتلقته الأمة بالتواتر جيلا عن جيلا حفظا في الصدور والألواح والمصاحف ليتحقق الأمر الكوني الرباني {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الحجر:9.

والله سبحانه وتعالى حين أنزل الكتب فإنما أنزلها للهداية لما به إقامة العدل والسعادة في الدنيا والنجاة يوم القيامة.

وما ضل النصارى ولا استحق اليهود غضب الله إلا بتركهم التحاكم للتوراة والإنجيل.

فقد عاب القرآن الكريم عليهم عدم إقامة أحكام التوراة والإنجيل وما أنزل بعدهما من القرآن الكريم.

قال تعالى عنهم (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ. وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ).

وقد أمر الله هذه الأمة أيضا بتحكيم كتاب الله عز وجل فقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) النساء: 60-61.

وقال تبارك وتعالى آمرا برد قضايا النزاع إلى كتابه: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) الشورى: 10.

إن هذا الإقبال على كتاب الله في ضوء هذه الحقائق يعد بمنزلة استفتاء غير مباشر بخصوص كثير من القضايا التي تعد مواضيع خلاف بين التيار العلماني الحداثي وبين عموم المغاربة المعظمين للقرآن الكريم والصادرين عنه والصادقين في الإقبال عليه في رمضان، وبخاصة في القضايا التي حسمها القرآن الكريم، ولم يدع فيها مجالا للاختلاف والاجتهاد وتعدد الرأي، ككثير من المطالب السارية المتعلقة بتعديل  مدونة الأسرة، والتي حسمها القرآن وجعل حكمها قطعيا كقضية (للذكر مثل حظ الإنثيين) في ميراث الأبناء وقضية التعصيب وقضية إلغاء التعدد وغيرها.

وهذا الاستفتاء يذكرنا بحقيقة يتنكر لها التيار الآخر وهي أن الإسلام ركن في مكون الهوية المغربية، وأن الشعب المغربي بأغلبيته الساحقة لا يقبل المساومة على دينه وعقيدته والقرآن الكريم وحاكميته.

فمتى يستوعب الطرف الآخر هذا ويسلم له ويحترم إرادة الأغلبية، على الأقل إعمالا للديمقراطية الذي يرفعون شهرها.