رهائن وغرامات ونزع سلاح لإخضاع سكان المغرب الشرقي للفرنسيس
هوية بريس – ذ.إدريس كرم
ملخص:
بعد تعثر العمليات العسكرية الفرنسية في منطقة شرق المغرب التي أطلقت عليها اسم الجناح الأقصى للجنوب الوهراني، لجأت لتطبيق سياسة جديدة تجاه القبائل المناهضة للفرنسيس، وهي أخذ رهائن من بين أعيانها، وفرض غرامة ثقيلة عليها، وتجريدها من السلاح، ونقل من أبدى خضوعه لسلطتها، قرب المراكز العسكرية التي أقامتها، للتحكم فيه وفصله عن قبيلته.
بيد أن تلك السياسة لم تفد كثيرا، إذ بقيت الهجمات متواصلة على القوات الفرنسية، في تحركها، وتموينها وتمركزها، فلجأت لشيوخ المرابطين، وقياد المخزن لمسعدتها، في بث الأمن والنظام، في جهات كورارة واتوات، والساورة، وغيرها، من الأماكن التي أقامت بها مراكز عسكرية، واعتبرتها من ترابها.
كلمات دالة:
السياسة الصحراوية، سلطان المغرب، هذا مُكْتاب الله، الزوزفانة، مرابطوا لقنادسة، إيكلي، كورارة، اتوات، تاليما، غاروين، المخزن، مرابط كرزازة، ادوي-امنيع، الساورة، تافلالت، لعوانسة.
ملخص:
أدى تعثر القوات الإستعمارية الفرنسية في السيطرة على المنطقة الشرقية للمغرب التي سمتها جنوب بعد قضية تيميمون التي تحدثنا عنها في العدد الأخير من نشرتنا (إفريقيا الفرنسية) كان على قواتنا القيام بأمرين خطيرين إلى حد ما هذه المرة، الأول يتعلق بواحدة من حاميتنا في الطرف الجنوبي، الثانية بكلون الجنرال سيرفيير القوي المكون من 600 رجل.
وبحسب المراسلات، فإن الجنرال الذي كان بالفعل في أدرار، صعد للشمال، بعد علمه بقضية تيميمون، لحماية سكان اتوات -الذين رحبوا به- من أي هجوم محتمل يقوم به البرابر.
وقد قام بإجراء اتصالات مع الرحل من منطقة غَرْوين، الذي أظهر سكانها معاداتهم لنا عكس موقف رحل ناحية اتوات، وقد سبق للقائد هناك، مرافقة البربر لتيميمون.
في 28 يبراير وجد كلون الجنرال سيرفيير نفسه بعد مرحلة جد صعبة، في مواجهة عصابة من البرابر والقصوريين (قصر) يريدون منعه من الدخول للواحة.
المعركة:
تقول المراسلة: بدأت المعركة بمناوشات عن بعد،
البرابر اختبأوا في كمين بواد، حيث كانوا يطلقون النار منه، بعد توقف تبادل إطلاق النار مع حلول الظلام، ترك البرابرة مكانهم، وتوجهوا لداخل أسوار الواحة.
لم يرد الكلون تدمير القصبة، لأنه أراد الإقامة بها بعد احتلالها، خلال هذه العمليات، سقط للأعداء عدد هام من القتلى والجرحى، ومن جهتنا قتل لنا عنصرين وجرج سبعة، بينهم ضابطان وبيطري.
في فاتح مارس صباحا، بعث الجنرال سيرفيير مفرزة استطلاع، لتختار موقعا للمدفعية، تقنبل منه القصبة لإجبار من فيها على الإستسلام
لكن الجنرال سيرفيير علم بأن المقاتلين البرابر لم يبقوا في القلعة، بل غادروها في جنح الظلام، نحو الشمال الغربي.
في الصباح الموالي حسب جريدة (المراسل الجزائري)
فوجئ الجنرال بأن النقطة التي قضى فيها البرابرة الليل، عبارة عن كثبان رملية، فأمر مفرز الإستطلاع الملاحقة لهم بتجهيز الحراب، ووقعت معركة دامية وجها لوجه، قبل أن تصل مفرزة دعم، وقد أسفرت المعركة على سقوط قتلى وجرحى من الأعداء، ومنا أيضا، حيث تكبدنا خسائر فادحة تمثلت في مقتل ضابطان و 23جندي بينهم 4 فرنسيين وجرح 36 بينهم ضاطان.
بعد المعركة جاءت جماعة غاروين لتقديم خضوعها لكن الجنرال سيرفيير أفهمهم بأنه لا يستطيع قبول عرضهم بعد الذي حدث، حتى تحدو باقي القصور التي لم نقاتلهم بعد حدوهم وتستسلم، ويقدموا خمسة من الأعيان كرهائن لديه، وينزعوا سلاحهم، ويسرحوا من بالقلعة من مقاتلين، ويؤدوا غرامة ثقيلة .
لقد تطلب هذا الأمر القيام بعملية استعراض بسيطة للمدفعية أمام أنظار الجماعة التي كانت أول من طلب الأمان، بعد إحضارها، حتى تقبل بتلك الشروط، لكن القصوريين (قصر) استقالوا، فقام الجنرال باحتلال القصبة.
في صباح 5 مارس وصل الرهائن، والأسلحة المنزوعة من المقاتلين، وجزء من الغرامة الحربية المفروضة على السكان، على أن يدفع الباقي خلال النهار.
في 5 مارس خلال أسبوع تمت قيف كولون سيرفيير أمام البلدة التي، خاض معها معركتين تكبد فيها خسائر جمة.
لاشك في أنه كان بإمكان الجنرال الخلاص بسرعة أكبر من قلعة غاروين، لو أنه أراد استخدام كل قواته، فور هزيمة البرابر، إلا أنه فضل الدبلوماسية قدر الإمكان، وترك البارود يتكلم بأقل قدر ممكن، وهو أمر لا يمكن إلا أن نهنئه عليه
بالرغم من كل شيء، كان ما يزال عليه خوض معركة صغيرة يوم 9 مارس لم تكلفنا أية خسائر، فقط إطلاق بعط الطلاقات المدفعية، لإرغام رجال تلميما على استقبال الفرنسيس في قصورهم، بعد هذه المقاومة فرض الجنرال على جماعة تلميما نفس الشروط السابقة على غاروين.
تجدر الإشارة أن الرأي العام كان هادئا لحد ما عند سماعه هذه الأخبار، وأن الصحافة امتنعت عموم عن التعليقات الساخنة، رغم أنها كانت تشرح أحيانا هذه الأحداث الجارية في الجناح الجنوبي بشيء من التهريج البارع.
لقد بدأنا نفهم أن أفضل إرادة في العالم هي التي ترى أنه. “يستحيل صنع خبزة بيض، دون كسر بعض البيضات” وأنها ستكون فرصة رائعة لفرض النظام والأمن على مجتمع مختلط مثل سكان اتوات، دون أن تضطر إلى إطلاق بضع طلقات، ولكن على الرغم من كل شيء، يجب التأسف على هذه المعارك الدموية التي كان من الممكن تجنبها.
كما أشرنا في نشرتنا الأخيرة، من أنه لا يمكن لعصابة قادمة من تافلالت أن تصل كرارة، حتى تمر قرب إيكلي، حيث لذينا حامية مهمة، يعتقد أنه لو كنا وضعنا في هذا الجانب قوات متحركة منذ بداية عملنا في اتوات، ونظمنا مخزن الجنوب الغربي هذا، وهو ما يطالب به جميع الرجال الأكفاء، لن يستطيع البرابر على القيام بتلك الغارات في الشرق، مع التهديد بقطع انسحابهم،
في الواقع كان من السهل تسليط أي جهاز مخابرات مهما كان قيمته، على مجموعات البرابر، أفيد من تسخير كلون خفيف عليهم، لمنعهم من التقدم نحو كورارة، علاوة على ذلك انتشرت شائعات منذ نهاية يناير مفادها أن 1000 بندقية خرجت من تافلالت متجهة لكورارة.
صحيح أن هناك تقارير عن عمليات قبل إيكلي، لكنها كانت لاحقة لمرور البرابر، ولا يبدو أنها أعدت من قبل كلون خفيف حقا، وفي ما يلي المراسلات التي تشير لذلك:
أعلن الجنرال ريسبورك للتو، أنه وصل إلى بني عباس في 2 مارس، وأن العلم الفرنسي رفع فوق أعلى نقطة تواجده، وأطلقت ثماني طلقات مدفع، ثم توجه الجنرال لبيتاتا، وسط واحة غومانينا حيث قام السكان بكل ما ينم عن خضوعهم له.
يتعلق الأمر بالتنظيم في هذه الناحية، حيث يوجد مركز حصين يسيطر على واد الساورة، قادر على الإطلاع بمراقبة القبائل المغربية، والتصدي لتسلل الوحدات المغربية الراغبة في إحباط عملنا بالواحات الصحراوية.
مرابط كرزازة الذي يتمتع بنفوذ كبير في المنطقة، كتب للجنرال ريسبورك يرحب به، ويعلمه بأن البرابر محبطين نتيجة الإخفاقات القاسية التي لحقت بهم، وهم يرتبون العودة لإقاماتهم، ومهددون حاليا من قبل قوات الجنرال سيرفيير، وتلك التابعة للجنرال ريسبورك.
عاد الجنرال ريسبورغ إلى تاجيت، صاعدا نحو الشمال، بعد تنفيذ برنامجه في واد الساورة بنجاح من دون عراقل تذكر، وقد استقبل في لعواسة مرابط كرزازة، الذي قدم لزيارته بها، وستكون مساعدته لنا بالمنطقة لا تقدر بثمن، وأوقف الترتيبات اللازمة لتنظيم عدة محطات تهيمن على واد الساورة.
تبعا لهذه التعليمات ذهب الكولونيل بيليط مع كولون صغير ليرابط بالقرب من كورارة، واتوات، حتى ينتهي الجنرال سيرفيير من عملياته بالكامل.
من المحتمل أيضا، أن تؤدي تحركات القوات هذه لإعاقة انسحاب البرابر المنهزمين نحو تافلالت، لكنهم حضروا متأخرين، إذ كان من المفروض أن يكون تأثير مركزنا في إكلي، متوقعا ومنظما منذ فترة طويلة.
في الحقيقة يبدوا أن ما وقع في كورارة واتوات، هو نتيجة قلقنا وترددنا بجانب الزوزفانا، كان علينا في هذا الجانب تنظيم دوي-امنيع وإحضارهم عندنا ببعض الإعانات، من خلال توزيع بعض البارنس المناسبة عليهم بفطنة وحكمة.
لطالما عبر مرابطوا لقنادسة عن استعدادهم لموالاتنا عندما نتمكن من تقديم حجج مفهومة من قبلهم، لذلك نقول بأنه مع قليل من السياسة الأهلية، كنا سنحدث مخزنا ممتازا، لدوي-منيع، بدلا من ذلك فقدنا عاما، لقد تركنا مكائد الغرب تمارس على رجال المغرب الذين لم يصرح بهم، بعيدا عن ذلك، في العام الماضي رأينا في تسخير القوة على الززفانة، أن السكان أصبحوا جاهزين تماما للإعتقاد بأن “هذا مكتوب” ووجدوا أنه من المفيد الإنضمام لنا.
لكن ما لم يتم فعله سابقا، يجب أن يتم فعله الآن، ومن المحتمل أن يقوم السيد جونارت الذي عاد لتوه إلى الجزاير العاصمة بتنفيد ذلك.
لا يمكننا انهاء هذه التعليقات عن شؤون الجنوب المتطرف دون الإحتجاج مرة أخرى على بدعة ما زالت موجودة عند بعض الصحف، بحجة إن البربر ثائرون في المغرب، أنهم يريدوننا بالتأكيد الإحتجاج على المخزن ضد مهاجمة تيميمون….
هل لدينا نعم أوْ لا، مصلحة في انخراط سلطان المغرب في تنشيط السياسة الصحراوية، نحن نعتقد من ناحية أخرى أنه سيكون راضيا، وأنه لن يفاجأ كثيرا بالشكاوى من ممارسة قواتنا حقها في المطاردة داخل التراب المغربي، لإقرار الأمن، وإقامة النظام.
ستكون تلك الشكاوى معقولة لو كانت من نواب العمال الإداريين الذين أداروا الجنوب، مثلما ندير نحن سيدي بلعباس، أو إذا كانت لدينا الرغبة في توسيع مواضيع الشكوى التي لانفتقر إليها أبدا في الشمال، أو على الساحل، والتي هي موضوع مفاوضات دائمة بين مفوضيتنا بطنجة والمخزن.
————————-
أنظر:algerie; les affaire de l,extreme sud
في bulletin du comite de l,afrique francaise 1901 pp 115-117.