روحانيات
هوية بريس – لطيفة أسير
بوصلة الطريق
من جميل ما صادفتُ بكتاب (البيان والتبيين) ما نقله الجاحظ عن الحسن رحمه الله أنه سمع رجلا يعظ، فلم تقع موعظته بموضع من قلبه، ولم يرِقّ عندها، فقال له: (يا هذا، إن بقلبك لشرٌّ أو بقلبي).
أي أن كلامه ما كان له صدى إما لضعف الإخلاص من الواعظ، أو ضعف يقين وإيمان من المستمع.
وفي هذا رسالة لكل خطيب أن يحقق الإخلاص لله في دعوته، ولا يبتغي بها عرضا من أعراض الدنيا، كما هو حال الوعاظ اليوم الذين امتلأت الفضائيات والمواقع بخطبهم دون أن تجد لها صدى بين الناس.
وما أجمل قول الشيخ الأديب فريد الأنصاري عن الإخلاص حين قال:
“فيا قلبي العليل!.. إخلاصَك إخلاصَك! قبل فوت الأوان! إخلاصَك في كل كلمة، إخلاصَك في كل خطوة، إخلاصَك في كل حركة، إخلاصَك في كل سَكَنَةٍ، إخلاصَك في كل فكرة، إخلاصَك في كل خَطْرَةٍ! فالإخلاص هو صمام أمانك، وهو بوصلة سيرك، وميزان عملك، وضمان وصولك! وإنك إن تَعِشْ لحظةً واحدة بغير إخلاص؛ تكن قد وضعت مصيرك على فوهة مدفع الشيطان! فالنجاءَ النجاءَ، والبدارَ البدارَ، والفرارَ والفرارَ إلى الاحتماء بحصن الإخلاص قبل فوات الأمان!”.
المسجد
كثيرٌ منّا قرأ مقولة شهيرة لرئيسة الحكومة الصهيونية (كولدا مائير) حين حدثوها عن النبوءة الصّادقة التي يؤمن بها المسلمون مِنْ أن حربا حاسمة ستقع رحاها بين المسلمين واليهود وستكون الغلبة يومها للمسلمين، فأجابت بثقة جواباً يغفل عن حقيقته الكثير من المسلمين “لن يتحقق ذلك إلا إذا كان عدد المصلين في صلاة الفجر كصلاة الجمعة”.
فالمسجد (الترمومتر) الذي يقيس به خصومنا درجة يقظة الأمة وغفلتها، وهو في الفجر أشدّ دقة، لأن صلاة الفجر كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم أشد صلاة على المنافقين، إذْ تحرمهم متعة النوم والاسترخاء الكاذب.
فحين ترى المساجد مكتظة بروادها في وقت الفجر، فاعلم أن الأمة قد قامت من سُباتها، وأن الفُرُش الوتيرة أو الحقيرة ما عادت تُغريها، وأن هَدْأَة الليل ما عادت تُطربُها إلا تراتيل الفجر، وتهليلات العابدين.
حين ترى المساجد مكتظة بعُمَّارها في وقت الفجر فاعلم أن النفاق قد فارق القلوب، فما عادت تستثقل القيام للصلاة ليلا، وما عادت تصغي للوسواس الخناس.
عَجبي كيف يفطن أعداؤنا لهذه الحقيقة ونغفل نحن عنها! ويْكَأنّه عُمِّي على عقولنا وطُمس على قلوبنا فما عدنا نميز الصالح من الطالح، ولا ما يصلحنا مما يفسدنا!
المولد النبوي
حين تستشعر حجم الحدث العظيم الذي كان الكون يتهيأ لاستقباله بعد ساعات، تشعر برهبة شديدة وتتمنى لو كنت ذرة من ذرات الكون حينها لتتفاعل مع هذا الميلاد العظيم.
يتجدد شوقك لرؤية ذاك الوجه القمري الذي غيّر الله به نواميس الكون، ينمو بين حناياك حنين عظيم لتلك الصورة الإنسانية العظيمة التي عاشت بين الناس بخلق كريم وأبتْ إلا أن تكون رحمة مهداة لكل الأنام.
يتأكد لك أنّ العبد الذي ينمو تحت عين الله لا يفتأ أن يكون حدثا عظيما متى حافظ على صلته الوثيقة بربه.
ليس كل ميلاد يكون عظيما، لكن ميلاد العظماء لا يكون إلا عظيما، وحياة العظماء لا تكون إلا عظيمة، وأخلاق العظماء لا تكون إلا عظيمة.
طابت الذكرى بميلادك يا سيدي يا رسول الله، وطابت الحروف وهي تبوح بشوقها في ليلة الميلاد الأنور.
شوق المحبين
قد يخالج نفسك ريبة وأنت تقرأ حديث أهل الأدب -نثرا وشعرا- عن الشوق، ليقينك أن الكثير من هذه الكتابات لا يعدو أن يكون حرفا يسرّ القارئين ويرضي أفئدة العاشقين، لكنك لن تتمالك نفسك وأنت تقرأ عن هذا الشوق وأثره في نفس المحبين الصادقين حين تقرأه على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يسأل خادمه ثوبان وقد تغير لونه وجهه ونحل جسمه من شدة شوقه لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم، تكاد كل ذرة في قلبك تتفاعل مع الحدث لصدق تعابيره وسمو معانيه: “يا ثوبان، ما غيّر لونك؟” فقال: يا رسول الله ما بي ضر ولا وجع، غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة، وأخاف أن لا أراك هناك، لأني عرفت أنك تُرفع مع النبيين، وأني إذا دخلت الجنة كنتُ في منزلة هي أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل فذلك حينٌ لا أراك أبداً. فأنزل الله تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} الآية 69 سورة النساء.
فيا حبذا بأحباب محمد صلى الله عليه وسلم حين يحبون ويشتاقون!
لسنا ملائكة
حين يتحدث أحدنا عن الفضائل، ويدعو للتحلي بها، فهذا لا يعني سمو قدر الداعي، وملائكية طبعه. فالزلل والخطأ طبع إنساني، وما من ثوب أبيض إلا دنّسته الذنوب قليلها أو كثيرها، ولو توقف عن الدعوة لدين الله كل من عصاه لما دعا للدين أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. لذا لا تفترض أخي القارئ العصمة ممن يذكّر نفسه ويذكرك بالله، ولا تحقرنّ حالك إلى حاله، بل خُض غمار الدعوة ولو بكلمة طيبة امتثالا لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً» رواه مسلم.
وفي أنفسكم!
لو أنّنا عشنا ديننا بحقٍّ فيما بيننا، وحفظنا حقوق بعضنا البعض، وتآزرنا في كل مُلِمّاتنا، وكنّا كالجسد الواحد لأغريْنا الآخر بديننا ولقطعنا أشواطا عظيمة في الدعوة إلى الله. لكن ترَدّي أحوالنا وبُعدنا عن كثير من قيمنا السمحة يُنفّر الآخر منّا، فنكون عونا للشيطان عليهم.. فكم نفسا أخّرْنا دخولها للإسلام أو صددْناها عن هذا الدين الحنيف!! ويحقُّ لتلك المرأة النصرانية أن تصرخ فينا “لئن كان ما ذكرتموه عن دينكم صحيحًا إنكم لظالمون! فقيل لها: ولماذا؟ قالت: إنَّكم لم تعملوا على نشره بين النَّاس والدَّعوة إليه!!”.
ثوابتنا.. خطٌّ أحمر
بعضُ العقليات التائهة السابحة مع تيار المناوئين للإسلام، تعتقد أن الثوابت حجر عثرة نحو التقدم، ولهذا فهم يتحمّسون لنقض عُرى ديننا الحنيف، مدّعين سفهاً أنها تمنع الأمة الإسلامية من اللحاق بركب الحضارة، ونسي هؤلاء أن الغرب نفسه -على علّات ثوابته التاريخية- ظلّ متمسكا بقيمه الحضارية وحريصًا على مبادئ ثوراته التي قامت على أكتافها أوطانهم.
ثوابتنا صمام أمانٍ لاستمرارنا، وما جعلها الله إلا أداة بناء للأمة، ولا يزيغ عنها إلا هالك.
كُنْ محمّديا
كثيراتٌ منا نحن المحجبات أو المنتقبات كنّ متبرجات، حتى أنعم الله علينا وهدانا للالتزام بالزيّ الشرعي، لذا لا أحبّذ بعض الخطابات الدعوية التي تصف النساء غير المحجبات بأوصاف فيها من الشدة والقسوة الشيء الكثير ” كالعاهرات و ما شابه ذلك “. فهذا أسلوب مُنفّر يتنافى و قيم ديننا الحنيف التي علّمنا إياها رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم، والتي ترتكز على التيسير والتبشير بدل التعسير والتنفير..فمهما كانت المعصية لا ينبغي أن نجعلها سُبّة و نلمز البعض بها، فما الفرق بين أن تذبح أخاك بسيف، وتذبح أختك بكلمة. وعندنا في المغرب مثل شعبي يقول “ضَرْبَة بِدَمّْهَا ولاَ كَلْمَة بِسَمّْهَا”. فكن أخي الداعية مُحمديّاً في نهجك الدعوي، ودعْ عنك النهج الداعشي. ولا تنسَ “لعل الله يُحدثُ بعد ذلك أمراً”.
مرَارَة
ضَحالة الثقافة الدينية عند الشباب مؤشر خطير على الهوة العظيمة بيننا كمسلمين وبين ديننا ومصادره.. والقول بارتفاع نسبة التديّن لدى الشباب بسبب المحافظة على بعض الشعائر الدينية ليس مؤشرا واضحًا على سلامة البناء الديني، لأن الكثير من المتدينين لا يفقهون من دينهم غير الاسم ولا يعرفون من قرآنهم حتى الرسم، وقد شعرت بالأسى وأنا أتابع فيديو عن شباب عرب طُلب منهم أن يذكروا أسماء بعض الصحابة، وكانت الطامة الكبرى أن أحدهم قال ”الرسول صلى الله عليه وسلم”!! وبعضهم اختلط عليه الصحابي بأصحابه!!
ألاَ يُدمي حالُ شبابنا قلب كل غيور على دينه وأمته!!
اللهم إيمانا كإيمان العجائز!
ابتليتُ يوما بالجلوس أمام التلفاز، فأخذت أقلب القنوات ذات اليمين وذات الشمال بغير هدى، لعلمي أنْ لا شيء يثلج الصدر بهذا الصندوق الكئيب، وفجأة استوقفني برنامج حواري له صيته يعرض على قناة “القاهرة والناس” المصرية، حيث كان المذيع يحاور بنوع من الدهاء أحد “حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام”، استغربتُ جرأة “الشيخ” على أحكام الشرع بدعوى الاجتهاد، وتطاوله على سلف الأمة بدعوى “هم رجال ونحن رجال”، واستحسانه لترهات بعض الوجوه المعادية للإسلام.، فتذكرت حينها القول المأثور “اللهم إيمانا كإيمان العجائز” يُنجي العبد من هذه الضلالات والانحرافات.
«شفاء لما في الصدور».. «واعبد ربك حتى يأتيك اليقين»
كانت بلسمًا وهي تصافحني ذاك المساء، ترياقًا غسل ما علا القلب من وحشةٍ، وخفف وطأة الخيبات، وبدّد سحباً كادت تفتك بهذا القلب الضعيف. كأنها تهمس لي هذا المساء:
لا تلتفتي.. لا تأْبهي.. وامضِ على درب العبادة حتى يأتي أمر الله.. عضي على درب الله بالنواجذ ولا تستسلمي لما يعرض على القلب من شبهات أو شهوات.
ألفيتها وصية جامعة ما أحوجنا إليها في زمن الغربة هذا، فهي العصمة لكِ من كل فتنة، هي الضمان لبقائك مع من لا يضام عنده إنسان، مع من عهدت منه الأمن والأمان، والدفء على الدوام.. «فالمداومة المداومة، فإن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت» كما قال الإمام الحسن البصري رحمه الله.
المتاهة
كثيرا ما أسمع في استجوابات أهل «الفن» غبطتهم بمسارهم المهني، وحمدهم الله على توفيقه لهم في مشوارهم الفني (غناء، رقص، تمثيل)، وكم يشعرون بالفخر حين يَتم تتويجهم في المهرجانات، ولو عاد بهم الزمن لما اختاروا غير ذاك المسار. فأعجب من قولهم وأتذكر ما قال الحق سبحانه في كتابه العزيز ﴿إن الله لا يرضى لعباده الكفر﴾، فكما أن الله لا يحب لعبده الكفر وهو أكبر المعاصي، فإنه يُبغض له المعصية مهما بلغت درجتها، ولهذا يضع له منبهات كثيرة في حياته عساه يفطن ويؤوب لطريق الصواب، فإن أصرّ على ضلاله واستمرأ ضياعه وكَلَه لنفسه وشيطانه. فاحذر أخي أن تحبّ المعصية وإن ألفيت التوفيق يحالف خطوك في سيرك إليها، واربأ بنفسك أن تكون ممن ران على قلوبهم فغدت الطاعة والمعصية عندهم سواء!
أحباب الله.. «يا جبريل إني أحبُّ فلاناً فأحبَّه»
ما أبهى هذا الحبَّ من الله لعبده الصالح، حبٌّ آسرٌ بما يغْدقه الرب على العبد من نعمٍ يرفُلُ فيها فيغدو وليّاً من أوليائه، يعيش في ظل معية ربانية تقيه الوقوع في الزلل، فكل جوارحه حفَّتها الرعاية الإلهية، وغدتْ نورانية في سعيها محمدية في سيرها. ألا يهُزّك الحنين للظفر بهذا الحب وأنت تقرأ «فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها» ألا ينتشي فؤادك طربا وهو يسمع هذا الوعد الصادق «ولئن سألني لأعـطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه»؟ فكيف نغفل عن هذا النعيم ونشقى بحب الدنيا ومتاعها؟
السّتّير
مَن منَّا نحن الخطّاؤون المذنبون لا يهتز قلبه فرحاً، ويُمنِّي نفسه شعفا بهذا المقام وهو يقرأ حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: «يدنو المؤمن (أي من ربه تعالى) حتى يضع عليه كَنَفه فيقرره بذنوبه: تعرف ذنب كذا؟ يقول: أعرف، يقول: رب أعرف مرتين، فيقول: سترتها في الدنيا وأغفرها لك اليوم ثم تطوى صحيفة حسناته». إنه جمال السّتر الربّاني حين يُسبله الحقّ سبحانه على العصاة من أمته في الدنيا، ويمعن في كرمه فيرخيه عليهم في الآخرة.. تذوب حبّا أمام هذا الفيض الربّاني من السّتر.. فاللهم لا تهتك لنا سترا في الدنيا ولا في الآخرة.
سر السعادة
حتى يستقيم سيرك في هذه الحياة الدنيا، عوِّدْ نفسك على اكتساب سعادتك ممن وهبك هذي الأنفاس وأذِن لها بالشهيق والزفير، وإياكَ أن تجعلها أسيرةَ أشخاصٍ أو أحداثٍ معينة، فالأشخاص يأتون ويرحلون، والأحداث تستقيم و تعوج، لكن الثابت والدائم هو الله، فكن بجانبه تستشعر الرضا ولو في زحمة المحن.
الذنوب
الذنوب في عُرف من استمرأها عادات مستباحة، أقرها العرف بجهله، والقلب بطغيان شهوته، والعقل باتكاله على الهوى، لكنها في عرف من لم يُغَلّف الرَّانُ قلَبَه سياطٌ تجلده كل حين مهما أقلع وتاب عنها، لأنها جرأة على الله لا تستقيم وجلال قدره وعظيم فضله، وأكبر العزاء للمذنبين المستغفرين إقبال الله عليهم عند كل أوبة واستشعارهم ذاك الصَّغار حين فارقوا نقاءهم الملائكي وانغمسوا في تلك النزعات الشيطانية.
عبث
حين يغيب الوازع الديني، فإن المشاعر الإنسانية مهما كانت عظيمة تفقد قيمتها لأنها تحرم العبد من أعظم النعم وهي لقاء الله تعالى و الفرح بالنظر إليه. جميل أن تسمع أن هناك زوجين تقاسما حلاوة الحياة ومرارتها 64 سنة، قصة حب ووفاء قلَّ نظيرها في عالمنا المادي، حتى أنهما فكرا في تخليد هذه الذكرى بالانتحار سويا كي لا يتألم أحدهما لفراق صاحبه أولا. لكن ما قيمة هذا الحب العظيم إن كانت نهايته بغيضة إلى الله وستحرمك خير الدار الآخرة؟ ما قيمة وفائنا لبعضنا إن كان هذا الوفاء سيزج بنا في نار نلتظى بلهيبها ونكون بسببه من الأشقياء؟
واقع مرير
من الحكايات المفيدة التي سمعتها ذات يوم بأحد المجالس العلمية -والتي تؤكد أن الأجنبي حين يُسلم، يكون أشد ثباتا ويقينا من كثير ممن نشأوا في حضن الإسلام منذ نعومة أظفارهم- أن رجلا مغربيا تزوج امرأة روسية فأسلمت حين سمعت عن قيم الإسلام ومبادئه. وحدث أن قدِما إلى المغرب، وفي الطائرة لفت انتباهها وجود فتيات كنّ يرتدين عباءات وحين صعدنا للطائرة قُمن بخلعها، فلما سألت زوجها أخبرها أنهن من البلدة (الفلانية) المسلمة، فاستغربت، و زادت صدمتها بل غضبها حين تعرفت على أسرة زوجها، حيث وجدت كل أخواته متبرجات، فما كان منها إلا أن رفعت دعوى تطليق من زوجها. وبعد سنتين من محاولات الصلح عادا لبعضهما.
الجميل في الأمر تلك الغيرة والحمية التي أخذتها على دينها الذي اعتنقته عن حب واقتناع، والتي يفتقدها الكثير منا للأسف!
ليلة العمر
ليلة العمر عند كثير من الناس هي ليلة الزفاف، لكنها عندي أرقى وأسمى، أراها في تلك الليلة التي يُنعم فيها الله عليك بشهود ذاك الاحتفاء الرباني بالحجيج في صعيد عرفات، فتبكي وتتضرع وتدعو حتى يباهي الرحمن بعبادتك صفوة خلقه ويقول وهو العفو الغفور: «أُشْهِدُكُم أنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُم».. أليس هذا الميلاد السعيد هو ليلة عمرك التي تجُبّ كل خطاياك وتثقل ميزانك وقد نِلت الحظوة والمقام الرفيع.. فتؤوب إلى وطنك وليدا جديدا؟!
لكن عجبي كيف تنتكس حين تعانق ديارك بعد هذا الموقف العظيم!!
سَدِّدوا وقارِبوا
نغَّص عيشنا كثير من الغلو في شتى مجالات الحياة، فبين متشدد ضيَّق كل وُسْع، وألزم الأمة بما لم يلزمها به ربها. ومتساهل وسّع في المباحات بما لم يأذن به الله، ضاعت ثوابت الأمة واعْوجَّ سيرها. ولو أننا سرنا في شِعب الوسطية النبوية لنجونا من كل أشكال التطرف. فمعلم الأمة يقول صلى الله عليه وسلم: «فسدّدوا وقاربوا»؛ ومعناها كما قال المباركفوري: ..إن لم تستطيعوا الأخذ بالأكمل، فاعملوا بما يقرب منه. وقال الحافظ: أي لا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة، لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملال فتتركوا العمل، فتفرطوا.
الأذكار
من جماليات ديننا الحنيف، أذكاره التي لا تعتبر حروفا منمقة ينطق بها العابد، بل هي أسلحة ملّكها الله لعبده المؤمن ولا يسترخصها إلا من ضعف يقينه بها، فالعبد حين يقول مثلا: (حسبي الله ونعم الوكيل) فقد اعترف بمنتهى ضعفه وأوكل الأمر كله لمن بيده الحول والقوة، ولا أمان للعبد إلا مع سيده، فهو الذي يقوي ضعفه، ويجبر كسره ويسدد رميه، لهذا تراها تنزل بردا وسلاما على الناطق بها حين يكون مظلوما، وتحلّ كالصاعقة على ذاك العتلّ حين تقرع سمعه.
أنفاس الصيف! شدة الحرّ..
وجهٌ من أوجه الابتلاء خصوصا للمرأة المسلمة التي اختارت ارتداء لباسها الشرعي، وتحمّلت وطأة هذه اللحظات ابتغاء مرضاة ربّها.
فكانت حجة على تلك التي استرخصت جسمها فأبتْ إلا أن تجعله سلعة مُهانة تُعرض أمام العيون الجائعة باسم «جسدي – حريتي».
لكن ثقي يا من تجرّدت من لباسك أنّ شعورك بالحرّ أشد وأعظم، من تلك التي تُبصرينها و قد غطت شعرها وارتدت جواربها و أسدلت نقابها.
فهنيئا لكنّ يا من وضعتنّ نصب أعينكن حرّ جهنم فهانت عليكن حرارة هذه الأيام.
لا تعْجل..!!
في أقدار الله لطائف إلهية نغفل عن إدراك كنهها لجهلٍ يتملكنا، أو عجلة تستبدّ بنا تستمدّ جذورها من طبيعة خلقتنا كما قال ربنا (خُلق الإنسان من عجل). فيا حبّذا لو أن النّفس تتريّث وتتسلح بسلاح الإيمان، وتذعن بقلب راضٍ لتصاريف القدر عسى تُبصر العاقبة المحمودة للتدابير الربّانية.
أخوة
ليتنا نُدرّب أنفسنا على عيش أهل الجنة، فنخالطُ بعضنا مخالطةً فيها وِدٌّ وصفاء، ترقى عن سوء الظن والكره والحسد وكل الرذائل، حياة قال عنها رب العزّة «ونزعنا ما في قلوبهم من غلٍّ إخوانا». نعم إخوانا، هذه الأخوة التي تعتبر أوثق العرى.. أخوة نشتاق جميعا لأن نحياها بعد أن أتتْ عليها «دابة النفس» كما أتتْ دابة الأرض على المنسأة.
كفى خنوعًا!!
لمَ نعطي الدنيّة في ديننا؟ لمَ نبالغ في تبرير أعمالِ نعلم يقينا أنّ ديننا منها براء، وأنّ الطرف الآخر لن ينصت إلا لأسطوانته المشروخة التي عكف على تسجليها منذ عقود.
أشعر بالأسف حين أرى شعارات وأغاني ووقفات ترفع شعار: أنا مسلم ولست إرهابيا.
فليقولوا ما شاؤوا ولنا في رسولنا الأسوة الحسنة، حين كان المشركون ينادونه (يا مذمم) فيغتاظ الصحب الكرام، والحبيب المصطفى يقول بكل ثقة «ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم يشتمون مذمماً، ويلعنون مذمماً وأنا محمد».
أنا.. مسلمة وكفى.. افهمني كما شئت.. وقل عني ما شئت.. فلن أضع كلامك إلا دبر أذني!!
العيد
لأن العيد اسم يبعث على الفرح والسرور، وجب اغتنام لحظاته للترويح عن النفوس التي مزّقت المحن أوصالها و بعثرت النوائب كيانها.. هو فسحة ربانية موسمية وهبها المولى سبحانه لعباده، وعطايا الرحمن لا تُجابه إلا بقلب مُفعم بالرضا والرضوان. فتلقَّفْ أخي المسلم هذه النفحة الربانية وعشْ لحظاتها بكل امتنان فما هي إلا لحظات ويعيد الزمن دورته، وتُطل الفتن كسابق عهدها.