روعة صيف النشء بين غرس القيم وتعلم المهارات
هوية بريس – لحبيب عكي
كنا نتحدث أنا وسيدة فاضلة عن التغيرات الواضحة التي طالت أجيالنا المعاصرة وكيف أنها تغيرات جوهرية لا مظهرية فقط، وتغيرات تصورية وسلوكية غالبا ما تصطدم بتصورات وسلوكيات الأجيال القديمة وتزعجها، مما يولد بينهما نوعا من الصراع الحاد والتحدي المستمر والتجاوز الثنائي الدائم يحول دون التفاهم المطلوب والتعايش الملائم بينهما، بل تتسع الهوة كل يوم بينهما رغم المفروض من علاقات الأبوة والبنوة مثلا، والمشترك من المعتقدات الدينية والقوانين المجتمعية والفضاءات المشتركة التي تجمع بينهما، والتي يبدو أن الكل يفهمها وينتقي منها ويتعامل معها بطريقته الخاصة والمختلفة والمرفوضة بل والمحاربة من الطرف الآخر طبعا، الحراسة والغش في الامتحانات مثلا ؟؟.
قالت السيدة الفاضلة، في رأيها أن كل الأقوام مغلوبة على أمرها، وأن الهوة بينهما ستزداد اتساعا وأن الصراع بينهما سيزداد احتداما، رغم ما قد يكون بينهما من نوازع السلم ونوايا التعايش، أو قويت بينهما الأواصر الأسرية والتعاملات المجتمعية النفعية المتبادلة، وقد عززت ذلك بدراسة علمية اطلعت عليها ولها من مظاهر الواقع ما يعززها، خلاصة الدراسة أن الأجيال كل ما مرت عليها أربعة إلى خمسة عقود، تظهر عليها تغيرات بيولوجية وسيكولوجية تختلف عما كان سائدا في من كان قبلها، وهذه التغيرات الجديدة والمجددة كخلايا الدم في الإنسان، هي من تحدد طبائع أصحابها من تصورات وسلوكات بغض النظر عن أي شيء آخر مما حسن أو ساء، وكلما حادت عنها الأجيال الجديدة إلى غيرها من السلوكات والتصرفات – مهما كانت جيدة – بدت في قومها شاردة وشاذة ؟؟.
وقد ضربت لنا أمثلة واقعية وحقيقية – إلى حد ما – تسود في أوساط الفتيات والنساء على سبيل المثال، ما كانت تعرفها من كانت قبلهن من الأمهات والجدات رغم أنهن من جنسهن، ومن ذلك مثلا:
1- ضمور حوض فتيات اليوم بشكل ملحوظ كالرجـــــــال؟.
2- شيوع حمل مقوم الأسنان les bagues بين الفتيات ؟.
3- شيوع الولادة القيصرية بين الشابات ولو كنا فارهات ؟.
4- وبالتالي القبول كالمسخ بالعلاقات الشاذة وربما المحرمة وممارستها دون غرابة أو حرج ؟.
قلت لها صحيح، هناك تحورات في تاريخ البشرية وتقع بسبب ما يحمله الإنسان من الجينات أو فقط محيطه وظروف حياته التي تؤثر عليه إلى درجة قد تغير من لونه أو ملمسه أو طبعه وتصرفه العام، فإذا كان التحول جوهريا سمي ب mutation وإذا كان مظهريا فحسب سمي ب somation وهي قابلة للزوال بزوال أسبابها؟، ولكن لا أعتقد الإشكال هنا فحسب، ففي القارات الخمس مثلا هناك كل الأصناف من البشر، البيض والسود، الضعفاء والأقوياء، القاصرين والفارهين..، وفي كل الأصناف فئات من ذوي الحكمة والفضيلة كما فيهم فئات من ذوي الشر و الرذيلة حسب ما يحملونه من المعتقدات ويتصرفون به من القيم وما يتملكونه من كفايات ويتقنونه من مهارات ؟؟.
الأمر إذن – في نظري – يتعلق بالقيم والمهارات حتى قيل قديما: “أقبل على النفس واستكمل فضائلها // فأنت بالنفس لا بالجسد إنسان “، والقيم هي ما يعتقده الإنسان من فضائل ورذائل ويتخذها له أدوات للبناء والهدم والتصرف التلقائي مع النفس والتموقف والتعامل مع الآخرين. القيم بانية بناءة كالصدق والأمانة والعمل والاجتهاد والحياء والاستقامة..، والقيم سلبية هدامة كالكذب والخيانة والكسل والاستلاب و الخوف والطمع..، ورغم أن القيم متطورة حسب الزمان والمكان والمعتقد ولكل جيل قيمه الخاصة يحتفي بها غاية الاحتفاء، فهناك المشترك الإنساني من القيم والذي يكون مقبولا عند القدامى كما عند الجدد، ولكن كيف يمكن غرسه في أجيالنا اليافعة وبأية مرجعية؟، وهي قد تتنكر له وتزهد فيه أو تستبدله بما لا يستقيم، كأن المؤمن ليس مؤمنا كبيرا كان أو صغيرا، أو أن مستلزمات الإيمان ليست هي نفسها عند كل مؤمن إلا بحقها؟؟.
امر أساسي آخر، وهو أن القيم لا يرصعها ويجليها إلا ما يكون مرفوقا بها من كفاءات ومهارات، ماذا تعرف أن تفعل وماذا تتقن وفي ما تسعف؟، القيم روح صلاح الإنسان والمهارات تاج وصولجان قوته، وصلاحه لنفسه وقوته للآخرين أو عليهم حسب القيم، وقديما عند عمر رضي الله عنه قد فاز بالفضل من كان يسعى في الأسواق على أخيه الناسك في المساجد؟، ترى ماذا نعلم أبنائنا من مهارات يتطلبها العصر وهي دعامة استقرارهم النفسي واندماجهم الاجتماعي ونجاحهم الدراسي، مهارة العبادة والتماس الفضائل، السعي في الخيرات والعمل الجماعي، مهارة عرض الأفكار وإعداد المشاريع، الترجمة العملية لمفاهيم الحرية والكرامة والمواطنة وحقوق الإنسان، فن التواصل والحوار والاحترام المتبادل، وحل المشكلات واتخاذ القرارات وتدبير الأزمات، تنظيم الأوقات وحسن استثمار التقنيات والمواقع والشبكات والتطبيقات..، لماذا كأبناء معنيون وأسر حاضنة ومساجد مربية ومسؤولة وجمعيات مواطنة ومبادرة..، لا نتخذ الصيف دورة تكوينية و ورشا مفتوحا لغرس القيم وتعلم المهارات، لتحصين الذات من مرجعيات الإعلام والشارع وأصدقاء السوء والسطحية والفراغ وكلها عوامل هدامة ومغرضة وسائبة لا تلبث أن تشوه القدوات وتحطم المعنويات وسط مختلف الفئات بما لا ظهرا يبقي ولا أرضا يقطع، خاصة في الهويات والهوايات والمرجعيات والانتماءات، وهي أس وأساس غرس القيم وتملك المهارات التي تشيع الرقي والصلاح بما ينفع العباد والبلاد ؟؟.