رُويْدك لا تستعجل ردّ الوديعة!.. (لماذا الانتحار؟)
هوية بريس – لطيفة أسير
تلميذة تضع حدّا لحياتها لأنها أضاعت هاتف صديقتها وخشيت أن تخبرها!
طالبة تضع حدّا لحياتها بسبب “حرمانها من شهادة السكنى لإتمام ملف الحصول على المنحة”..!
شاب وخطيبته يضعان حدّا لحياتهما بعد تعذّر ارتباطهما!
والموت أفضل من الحياة عند شاب تمّ حلق شعر رأسه تعسّفًا!
وأنت تقرأ هذه الأخبار ومثيلاتها، تستشعر أن الحياة أضحت رخيصة وغير ذات جدوى عند الكثير منا، وأن قرارات الإعدام الشخصية انتشرت في المجتمعات الإسلامية انتشار النار في الهشيم. صحيح أن ظاهرة الانتحار ليست جديدة ولا دخيلة، لكن تناميها في مجتمعات إسلامية يُفترض فيها امتلاك ما يلزم من الحصانة الروحية يجعل الجميع يقرع أجراس الخطر بشدة ويتساءل: لماذا الانتحار؟
في إحصاء نشرته بعض وسائل الإعلام الوطنية نقلا عن مصادر مطلعة بالدرك الملكي، فإن حالات الانتحار بالمغرب اتسعت رقعتها خلال السنوات الخمس الأخيرة وشملت المجالين الحضري والقروي، غير أن ارتفاعها بالمجال القروي شكَّل مستجدا خطيرا، وتفاقمها في صفوف القاصرين والقاصرات يُنذر بخطر شديد.
ويُعد الشنق الوسيلة الأيسر عند القرويين المغاربة سواء بالحبال أو الأحزمة أو المناديل، إذ أن 85% من الحالات المسجلة تمت شنقا، بينما تفاوتت السبل الأخرى بين تناول مواد سامة أو استعمال الأسلحة البيضاء والنارية أو السقوط من علٍ.
وقد عَزَا بعض المهتمين بدراسة هذه المعضلة تناميها إلى أسباب نفسية وأخرى اجتماعية أو اقتصادية، لكن الأكيد أن غياب الوازع الديني في ثقافة الكثير منا يبقى السبب الرئيس للإقدام على الانتحار.
فالمسلم يجب أن يتعامل مع الحياة على أنها هِبة إلهية ومنحة ربانية وقضاءُ كل حيٍّ، وعليه أن يحياها وفق إرادة ربّ العالمين، فهو واهب الحياة، وهو الذي يجعل عباده يتقلبون فيها بين عسر ويسر وشدة ورخاء وفرح وحزن، لحكمة ربانية لا يعلمها إلا الحق سبحانه: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوف وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ. أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ من رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ (سورة البقرة 155/156/157).
فما يعانيه المرء في الحياة الدنيا إنما هو امتحان رباني ليَميز الله به الخبيث من الطيب، وليشحذ به همم عباده، ويمحّص قلوبهم، ويقوي عزائمهم، ويكفّر سيئاتهم، ويُدنيهم منه سبحانه، فطبيعي أن تمر بالإنسان أزمات نفسية ومالية ويعاني من فقد الأهل والأحبة، ويتذوق قساوة الجوع ومحنة البطالة والحسرة لفوات كثير من الأحلام والأماني، فالله أعْلَمَ عباده بذلك ليكونوا متيقظين ويتسلحوا بسلاح الإيمان لمجابهة هذه الابتلاءات.
فالدنيا ليست سهلة المِراس، والمكابدة فيها لازمة من لوازمها كما قال سبحانه: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ في كَبَد﴾. فمن فَقِه هذه الحكمة وأبصر بنور الإيمان علل كل ابتلاء، استطاع أن يتخطى كل العقبات حتى يسترد المالك وديعته متى شاء بإرادته وحساباته الربانية الحكيمة. لكن من قلَّ زاده وقصُرت بصيرته واستعجل النهايات فقد خاب وخسر كما قال ربنا سبحانه وتعالى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا. وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ (سورة النساء 30/29).
وقول رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم: “مَنَ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِه يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِه فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا” متفق عليه.
وإن ضاقت بك السُبل أخي، فحسبك التضرع بما دعا به الرسول صلى الله عليه وسلم: “اللَّهُمّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي“.