زكاة الأجور.. في سياق فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة

هوية بريس – د.ميمون نكاز
في سياق فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة، وبعد الاطلاع على ما ورد فيها من اختيارات وترجيحات، وهو جهد علمي مقدر لأهله، وددت لو أن المجلس استكتب عددا من العلماء من غير المنتسبين إليه، من علماء المذهب والبلد، للاستئناس وتوسيع دائرة “المشورة العلمية الجماعية”- لا أعلم إن كانوا قد فعلوا ذلك-، ذلك لأن بعض ما جنحوا إليه يبدو استشكاله من أول نظر فقهي فيه، من ذلك ما ذهبوا إليه بخصوص إيجاب الزكاة في أجور المستخدمين في القطاعين؛ العمومي والخصوصي،
على النحو الآتي الوارد في نص الفتوى:
(قطاع الخدمات
ويتضمن كثيرا من المستجدات في عالم الأموال، ومنها على سبيل المثال:
خدمات عمال القطاع العام والخاص، أي الأجور، وتؤدى زكاتها إذا بلغ المال المحصل منها النصاب بعد خصم النفقة الشهرية الشخصية أو العائلية الدنيا المقدرة بالأجر الرسمي الحالي بالمغرب وهو 3266 درهما، وذلك شهريا أو بعد مرور العام، وقدرها ربع العشر.
(وقد اعتمد المجلس في هذه الفتوى هذا المرجع الذي هو الأجر الأدنى الرسمي في وقت صدور الفتوى، وقد يتغير، كما اعتبر المجلس أن ترك النفقات بدون تحديد بدعوى اختلاف نفقات الناس في معاشهم من شأنه ترك المجال للتقديرات الشخصية في أمر ينبغي فيه اقتراح واضح على أساس الاجتهاد، واعتبار الأجر الأدنى المذكور هو في صالح ذوي الدخول الدنيا أكثر مما هو في صالح من فوقهم).
(مثال: الشخص الذي أجره الشهري عشرة آلاف درهم (10000 درهم)، إذا خصم منها مصروفه المقدر ب 3266 درهما لم يبلغ النصاب وهو 7438 درهما، ولكنه إذا جمع أجره في العام وهو مائة وعشرون ألف درهم، وخصم منه مصروفه في العام وهو 3266 درهما ×12 شهرا= 39192 وإذا خصمت من 120000 درهما بقي 80808 درهما وزكاتها (أي ربع العشر) هو 2020 درهما)).
الناظر في هذه الفتوى يلاحظ أن قد أسست على المباني التالية:
1) أن يبلغ المال المحصل من هذه الأجور النصاب.
2) خصم النفقة الشهرية الشخصية أو العائلية الدنيا المقدرة بالأجر الرسمي الحالي بالمغرب وهو 3266 درهما، وذلك شهريا أو بعد مرور العام.
3) الواجب فيها ربع العشر (%2,5).
بعدها عرضت الفتوى للأموال المحصل عليها من الخدمات الصحية والخدمات البنكية وخدمات التأمين وخدمات الاتصال والتواصل والحقوق المعنوية كحق الابتكار والعلامات التجارية وحق التأليف والنشر والدراسات والخبرات والتزويد بالكهرباء وأنواع الطاقة الأخرى والتزويد بالماء وتدبير النفايات وخدمات الفنون والترفيه والتسلية وموارد الدعاية والإشهار لمختلف المنتجات التي يأتي منها المال وخدمات المحاماة والتوثيق وتقديم الخبرات المتنوعة، وكلها -بحسب الفتوى- تجب الزكاة في مداخيلها وهي ربع العشر، إذا بلغت النصاب ومضى عليها العام على النحو السابق، وبعد خصم تكاليف التسيير.
فإن بقي بعد ذلك نصاب زكيته، وإلا فلا….
في إطار المساءلة الفقهية أقول: ما الفرق بين الأموال المحصلة من الخدمات الوظيفية(أي الأجور) وبين تلك المحصلة من سائر الخدمات المذكورة وغير المذكورة؟ لماذا لم تستثن الفتوى من الأموال المحصلة من سائر الخدمات النفقة الشهرية الشخصية أو العائلية الدنيا المقدرة بالأجر الرسمي كذلك كما ورد في الفتوى بخصوص أجور المستخدمين، بحيث تجب الزكاة في مازاد على ذلك؟ ولماذا لم تعتمد الفتوى نفس التعليل الذي عززت به اختيارها، وذلك في قولها: (…ترك النفقات بدون تحديد بدعوى اختلاف نفقات الناس في معاشهم من شأنه ترك المجال للتقديرات الشخصية في أمر ينبغي فيه اقتراح واضح على أساس الاجتهاد، واعتبار الأجر الأدنى المذكور هو في صالح ذوي الدخول الدنيا أكثر مما هو في صالح من فوقهم)؟ لماذا يترك أصحاب الخدمات والمكاسب الأخرى أحرارا في نفقاتهم وتوسعاتهم الكمالية، ولا يحاسبون على ضوء هذا “المعيار الغريب العجيب”، الذي خصوا به ذوي الأجور الوظيفية؟ ثم كيف يصح وضع قاعدة مالية مطردة ومرجعية في نفقات العام كله، مع القطع الواقعي باختلاف هذه النفقات وتغيرها لتعدد العوارض الوجودية التي تعرض لها؟ثم لماذا يضيق على أصحاب الأجور الوظيفية في هذا الشأن دون غيرهم ممن يشتركون معهم في نفس الوصف والوضع، ويشملهم التعليل نفسه؟
هذا بعض النظر العاجل السريع في بعض ما ورد في نص الفتوى، ولم نعرض للقيد الشرطي في وجوب الزكاة في الأموال النقدية الكسبية(أقصد مرور الحول)، والذي لم تبين الفتوى موقفها منه بخصوص “أجور الموظفين”، على النحو الذي عرضت له بعض الفتاوى المعاصرة، مثل صنيع يوسف القرضاوي في “فقه الزكاة”، حيث يظهر لحصيف الفقه عدم سداد ما استظهره وأيده، الشاهد من هذا كله، أن فتوى المجلس في خاصة المحصلات المالية المكتسبة من أجور المستخدمين لم تكن -في تقديري- “متينة المبنى الاستدلالي والتعليلي”…



