زلزال الحوز والزلازل التي نريد
هوية بريس – ذ. عبد المجيد الأحمدي
زلزال الحوز ظاهرة كونية كسائر الظواهر التي قدرها رب الكون في كونه لحكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه.
هذا الزلزال يرينا مقدار ما يحيط بنا من مشاكل في هذا البلد، ومقدار نكباتنا التنموية والسياسية والإعلامية … ويرينا ما نحتاجه من زلازل في مجالات الحياة.
لقد حاول الإعلام الرسمي المتلاعبُ بالعقول التلاعبَ بالحقيقة وتحوير النقاش الحقيقي وتوجيهه نحو قضايا ثانوية وهامشية، حتى أوهم المتابعَ أن المغاربة في عرس لا في مأساة، فقد أطنب ضيوف الإعلام ورموزه في تنميق الخطاب وبالغ أحدهم في انتقاد ما سمَّاه (الألم الفج) ونسي –هو نفسه- أنه يُدخل الناس في (الأمل الفج) بالكلام المنظوم المنمق والرنان.
نعم، لقد استطاع المغاربة أن يحولوا هذه المأساة إلى ملحمة من التعاون والتضامن والتآزر منقطع النظير، فبقدر ما رأينا مشاهد مبكية شاهدنا مشاهد مفرحة، لكن كل ذلك لا ينبغي أن ينسينا المشكلات الأساسية في هذا الوطن أو الزلازل التي نحتاجها في مغربنا الحبيب.
بعد زلزال الحوز نحتاج زلزالا سياسيا يحاسب فيه المسؤولون ليس عن طريق إعفاءات آنية يستبدل فيها فاسد بفاسد أملس منه ولكنه أفلس وأخسُّ، فتلك مسكنات ومهدئات لا تقدم ولا تؤخر، بل نريده زلزالا ديمقراطيا يعطي للشعب حق اختيار مسؤوليه ومحاسبتهم عبر انتخابات حرة ونزيهة، مع وجود ضمانات قانونية للمحاسبة بين انتخاب وانتخاب، فها هو الزلزال كشف أن العالم القروي بدون تنمية، وأن هناك قرى بكاملها منسية بدون طرق ولا مستشفيات … وأن المسؤولين يرتعون فسادا في مجالات واسعة بلا حسيب ولا رقيب.
ونريد زلزالا في السياسة العامة للدولة يعيد ترتيب الأولويات والاهتمام بالضروريات والقضايا التي تهم المواطنين وتنفعهم، ففي الوقت الذي يعاني الناس هشاشة في الطرق وقلة في المستشفيات والتجهيزات والأطر الطبية، نجد مبالغة كبيرة في تبذير المال العام في التظاهرات وبناء الملاعب والمركبات الرياضية والتنافس مع الدول المتقدمة لاستضافة التظاهرات الرياضية الدولية، وتكثيف سياسة المهرجانات حتى أصبح لكل مدينة وقرية مهرجان دون أن تمتلك هذه القرى شيئا من مقومات التنمية، هذا وغيره في بلد عزت فيه الطرق والمستشفيات والمدارس ….فكفى من العبث بمصالح الشعب.
نريد زلزالا نحاصر ونحاسب فيه المفسدين والمتنفذين الذين يعيشون على الفساد، وغلبهم الطمع والجشع، حتى أصبحت الصفقات العمومية مرتعا لكل غشاش يريد الاغتناء السريع وغير المشروع بلا حسيب ولا رقيب.
نريد زلزالا في مجال حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل، لنعيد صياغة المفهوم وحسن توظيفه ونتجنب الاستغلال المقيت لهذه المعاني، فحقوق الإنسان هي الدفاع عن المهمشين في القرى والدواوير لا فرق فيها بين رجل وامرأة وطفل، فكلهم في سلة التهميش والإقصاء والتفقير سواء، ومنهم هؤلاء الذين دمرهم زلزال الحوز، بعدما نهب حقوقهم المنتخبون والسياسيون واسترزق بها الحقوقيون، أما حقوق الإنسان والمرأة والطفل كما هو متعارف عليها دوليا ووطنيا وإعلاميا –غلبة لا تغليبا- فهي إشغال واستغلال …
نريد زلزالا في مجال السياحة ينتهي معه استغلال سكان القرى والدواوير والأرياف واستغلال فقرهم وطيبوبتهم، ونتوقف عن تحنيطهم في قرى تراثية كي يتم تقديمهم لوحةً فلكلورية يستمتع برؤيتها السائح الغربي، وتُذِر الربح على المستثمرين والمنعشين السياحين، وتغدق فقرا على السكان الأصليين ومنهم هؤلاء الذين دمرهم زلزال الحوز، نريد بدل ذلك سياحة نظيفة ومشرفة يقدم فيها تراثنا وتاريخنا في جوانبه المشرقة والملهمة والمضيئة، وتحفظ فيها كرامة المواطن المغربي.
نريد زلزالا في ميدان الإعلام حتى يصبح إعلاما شفافا يعيش هموم الأمة وهموم الوطن ويعكس آلام المواطنين وآمالهم، ويكون سباقا لمواطن الحدث – داخل وطنه على الأقل-لا متأخرا تابعا ينقل الخبر بعدما تحرجه القنوات الدولية، ثم يحوِّر النقاش ويلتف على المشكلة الأساسية.
نريد زلزالا في مجال بناء الإنسان وصناعة العقول وتأثيل الأخلاق، فقد أبان زلزال الحوز وغيره من الأزمات أن أخلاق المغاربة أخلاق عالية بنيت ببناء الدين الإسلامي ومزحت بدماء العروبة والأمازيغية، فصارت سخاء وجودا وشهامة … لقد رأينا الكهل يتصدق وربما اقتسم كيس الدقيق بين أبنائه وبين إخوانه المنكوبين، ورأينا الفقيرة تتصدق بخاتم لا تملك سواه، ورأينا العجوز من المغرب المنسي تتكئ على عكازها وتتحامل على نفسها لتسهم بقنينة زيت، ورأينا ورأينا… ثم رأينا المنكوبين يستقبلون قوافل المتبرعين بما بقي مما كانوا يملكون سخاء وجودا وكرما وعزة نفس وحياء وعفة، وها هي العجوز التي فقدت كل شيء تريد أن تتذكر زُوارها بالزعفران الحر، إنها امرأة من ذهب وزعفران تفوح منها رائحة الكرامة والشهامة …
هنا نحتاج زلزالا نغير معه السياسة العامة والمرامي الكبرى من المواطن المغربي الذي نريد، ونستثمر هذه المُسكة الأخلاقية لنتحول من صناعة إنسان تائه أناني جشع لا يهتم إلا بالسفاسف( أو الإنسان اللإنسان ) إلى إنسان يطمح لمعالي الأمور ومكارم الأخلاق فيكون إنسانا قادرا على إعادة بناء الحضارة المغربية ورفع علم البلاد رفعا حقيقيا لا رفعا وهميا سخيفا في مجالات تكميلية كالرياضة والفن… ولك أن تقول نصنع الإنسان المعجزة.
نريد زلزالا في المجالات العمرانية نقضي فيه على البناء العشوائي ومدن الدروب والأزقة الضيقة، ونجفف أسبابه المتمثلة في الفقر والفساد الإداري والانتخابي والاستغلال الفاحش من طرف الشركات المشتغلة في المجال، كما يحب أن نحول قُرانا إلى قرى نموذجية تحقق نمط عيش متحضر، وذلك ما يقلل من حدة وتأثير الأزمات والكوارث، لأن البناء العشوائي يضاعف الأزمات بسهولة تأثره وصعوبة تدخل فرق الإنقاذ، وقرى الحوز مثال واضح لكل ذي بصر وبصيرة.
ما لم تستفد من هذا الزلزال وهذه المأساة، ونُقدم على إصلاح بلدنا وتصحيح مسار سياساتنا العامة فسنبقى عرضة لكل الآفات، يأتي الزلزال وننكس الأعلام ونبقى على حالنا، ويأتي الفيضان وننكس الأعلام ونبقى على حالنا، ويموت الناس في حوادث البر والبحر وننكس الأعلام…، وتتوالى على ضعفاء الوطن الأزمات، ونرجو الله ألا يصيبا زلزال قد لا نستطيع رده ولا التفاف عليه ولا التعتيم عليه، فإن المغاربة طيبون ولكن مع شدة بأس وقوة غضب وزفرة مظلوم، ودعوة المظلوم لا ترد والرائد لا يكذب أهله والله يمهل ولا يهمل، لا نريد ذلك لوطننا لكننا نخاف وقوعه، نسأل الله السلامة لوطننا ولكل الأوطان.