زلزال مؤدب لطيف
هوية بريس – سعيد الغماز
ليلة الجمعة، على الساعة الحادية عشر ليلا وإحدى وعشر دقيقة، وبدون إخبار، أو دعوة، حل على الكثير من المدن المغربية ضيف ليس كباقي الضيوف، إنه الزلزال.
ربما لا أحد يرغب في استقبال مثل هذا الضيف، فاسمه فقط يجعلك تشعر بالرهبة، وسُمعته مقرونة بالرعب والدمار والخراب، بل وحتى الموت. وكلما زار الضيف منزلا، يخرج المُضيف لإحصاء الخسائر، وتكون البداية بعدد الموتى وعدد الجرحى… إنه ضيف ليس كباقي الضيوف.
لكن ضيف ليلة الجمعة، كان مؤدبا ولطيفا. لم يُثقل بضِيافته على مُضيفه، بل اختار زيارة سريعة، ومرَّ لحال سبيله بعد أن قطع عمل كل الضيوف. كل المدن المغربية تركت ما كانت منشغلة به، وخرجت تتقصى الأخبار…أخبار العائلة…أخبار الأصدقاء…أخبار كل عزيز…فجأة التقى الجميع حول موضوع واحد…فجأة بدأ الجميع يتكلم بلسان واحد…الكل يتكلم بلسان الضيف، لسان الزلزال.
كانت مدينة أكادير تعيش على إيقاع سهرات مهرجان تيميتار، لكن الضيف فرض ضيافته على الجمهور وعلى الفنانة نجوى كرم، بدون دعوة ولا تذكرة. توقفت السهرة بمجرد وصول الضيف، انسحبت الفناة والرعب يسكنها، انفضت الجموع باحثة عن ملجأ يحميها من ضيف لا أحد يرغب في ضيافته. إنه ضيف عجيب هذا الذي استطاع أن يوقف كل شيء في المدن التي حل بها ويفرض إيقاعه على الجميع، ويشد انتباه الكل لكيلا يتحدثوا إلا عن هذا الضيف. من هذا الذي يستطيع تجاهل الزلزال، ويستمر في انشغالاته، غير مكترث لضيفه، وكأن لسان حاله، يقول إنه يستطيع رفضَ ضِيافة ضَيفه؟ من استطاع فعل ذلك، فقد بلغ من القوة ما لم يبلغها جيش الاسكندر الأكبر. الفنانة نجوى كرم لم تستطع أن تكون من جيش الزعيم المقدوني، فاختارت طريق الخوفِ، من رهبة الضيفِ، وانسحبت من الحفلِ.
لكن ضيف ليلة الجمعة كان مؤدبا مع ضيوفه ورحيما بكل من زاره واستضافه. فقد كان الوضع، لا قدر الله، أن يتحول إلى وضع آخر….مرَّ الضيف وخرج الجميع ليطمئن على الجميع…وكان بالإمكان أن يكون وضعا آخر بحيث يخرج الأحياء، ليبحثوا عن الأموات والجرحى، تحت الأنقاض. الأكيد أن كل من حل عنده هذا الضيف، وقف ضعيفا يقرأ اللطيف وينتظر ما سيقوم به ضيفه…ينتظر وهو يستشعر تلك الذبذبات تمر تحت رجليه، ثم تعم جميع جسده، لتستقر في صدره، وتترك فيه وشمها…وشم الخوف الذي سيعيش معه ما تبقى من أيام حياته….الكل وقف ينتظر مرور تلك الذبذبات، وينتظر هل سيسقط المنزل ويسقط معه تعب السنين في ثوان، أم سيبقى واقفا، ليبقى معه تعب العمر صامدا. سواء كان الواقف في قصر أو فيلا أو مسكن أو شقة أو كوخ…المصير واحد، والضيف لا يميز بين قصر وكوخ.
مر الضيف ليلة الجمعة، سَلَّمَ علينا جميعا، كان ضيفا مؤدبا لطيفا، لكنه ترك لنا رسالة….فهل نستوعبها.