زواج القاصرات.. ماذا يقول فقهاء الشريعة؟
هوية بريس- محمد زاوي
1- القائلون بتقييد زواج الفتاة دون سن الرشد
يشترط عدد من الفقهاء زواج الفتاة دون سن الرشد (18 سنة) بالبلوغ والاستئذان، إلا أنهم لا يمنعون زواجها مطلقا كما يصدر عن محرمي هذا النوع من الزواج.
وحجتهم في ذلك انتفاء ما يمنع زواج الفتاة شرعا، إذا بلغت واستطاعت واستأذِنت. ويستمد هذا الموقف أصوله من بعض الفتاوى كتلك الصادرة عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، حيث قال: “الذي يظهر لي أنه من الناحية الانضباطية في الوقت الحاضر، أن يُمنع الأبُ من تزويج ابنته مطلقا، حتى تبلغ وتُستأذن”، أو كما قال في فتوى أخرى: “ولا مانع من أن نمنع الناس من تزويج النساء اللاتي دون البلوغ مطلقا، فها هو عمر -رضي الله عنه- منع من رجوع الرجل إلى امرأته إذا طلّقها ثلاثا في مجلس واحد، مع أن الرجوع لمن طلّق ثلاثا في مجلس واحد كان جائزا في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر”. (موقع الشيخ ابن العثيمين).
ويميز هذا الموقف أنه لا يحدد سن الزواج في 18 سنة، ولا يمنع إمكانية اللجوء إلى هذا التحديد أو غيره حسب واقع الناس.
2- موقف د.مصطفى بن حمزة
يرى الشيخ د.مصطفى بن حمزة، رئيس المجلس العلمي بوجدة، أن تقييد زواج الفتاة الصغيرة بالإطاقة يقتضى النظر لا في قدرتها الجسمية فحسب، بل النفسية أيضا. كما يرفض ما ذهب إليه القائلون بزواج بنت التسع، بناء على ثلاثة اعتبارات:
– نسبية التواريخ زمن النبوة: فـ”المعهود في المجتمعات التي تسود فيها الرواية الشفوية أن تواريخ الميلاد لا تضبط كل الضبط، ولذلك تختلف كتب التراجم في تاريخ مواليد أكثر الشخصيات على أقوال عديدة، وإذا كانت بعض المصادر تذكر عن عائشة أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج بها وهي بنت تسع سنين، فإن ذلك مما تكون عائشة قد تلقته مما كان شائعا عن ميلادها في بيئتها الشفوية. والعهد بعائشة أنها تحضر الجلسة التي يزمع فيها أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم على الهجرة وأنها تستوعب الحدث وأنها تؤتمن على كتمان السر وأنها تساعد على تجهيزهما، وهو أمر لا يؤتمن عليه الأطفال في سن السابعة لخطورته ومصيريته”.
– التمييز بين التصرفات: إذ وجب “معرفة أن بعض الوقائع يمكن أن تكون من قضايا الأعيان، وهي القضايا التي لا ينسحب حكمها على غير أصحابها، وعلى حالات معينة وردت بخصوصها، ومن ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل شهادة خزيمة بشهادة رجلين، وهو أمر لا يجوز أن يعمم على غيره، كما أنه عليه السلام تصرف تصرفات لا تصح إلا منه. وقد اعتبر الزركشي بعض أوضاع عائشة رضي الله عنها من قضايا الأعيان ومنقبة من مناقبها الأربعين التي خصت بها، خصوصا في حال زواجها الذي تم بأمر إلهي بعد أن جاء جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بصورتها في خرقة حرير، وقال: هذه زوجتك في الدنيا والآخرة. وهو حديث أخرجه الترمذي وحسنه. ينظر سير أعلام النبلاء للذهبي. 2/140.
– ارتباط بعض الأحكام بالبيئة: فقد “نبه العلماء إلى ملاحظة كثير من الأحكام المرتبطة بالبيئة وبالوسط، ومن ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الانتباذ في الدباء والحنتم والمزفت والمقير. والانتباذ: هو طرح بعض الفواكه في الماء الموضوع في الدباء وهو نبات القرع، وفي الأواني المطلية بالقطران لأن ذلك يؤدي إلى سرعة تخمرها في البيئة الحارة، لكن ذلك الانتباذ لا يحرم إذا ما تم في البلاد الباردة، ومن منعه حينئذ فقد عرض الشريعة للاستخفاف [مقاصد الشريعة ص32]. ومن هذا القبيل تحديد علامات البلوغ في الرجال والنساء تبعا للخصوبة وغيرها من العوامل الفيسيولوجية”.
راجع مقال د. مصطفى بن حمزة، بعنوان “موقف من زواج الفتاة الصغيرة” 2008.
3- القائلون بتحريم زواج الفتاة الصغيرة:
يرى أصحاب هذا الموقف أن القانون يلغي العرف في المسائل التي نظمها، وخصص لها قواعد لتنظيمها. فما ورد في القانون بخصوص “سن الزواج” هو نتيجة تشاور وتعاون أصحاب الاختصاص وذوي الشأن، قبلت به الأمة على أساس مراعاة مصالح طرفي النكاح، الرجل والمرأة.
وبما أن القانون صادر بأمر من ولي الأمر، فقد أصبحت مخالفته موجبة للمعصية، مصداقا لإلزام المسلمين في القرآن والسنة بطاعة “أولي الأمر منهم”.
ويقول أصحاب هذا الموقف بتغير العرف، معتبرين ما استوعبه القانون ونظمه في قواعد عرفا للعصر، باتفاق الفقهاء والخبراء وولي الأمر في كل بلد.
(يمكن الرجوع في هذا الصدد لموقف الفقيه المصري علي جمعة).
4- القائلون بجواز تزويج الفتاة الصغيرة:
يحتج هؤلاء بأن “جماهير العلماء ذهبت إلى “صحة زواج الصغيرة قبل البلوغ، وقد نقل كثير من العلماء الإجماع عليه، ولا يُعرف مخالف لهذا الإجماع إلا ابن شبرمة وعثمان البتي رحمهما الله، ومن أدلة الجمهور قوله تعالى: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) الطلاق/4، ووجه الاستدلال بالآية أن الله تعالى ذكر عدة المطلقة الصغيرة قبل الحيض، وهذا يعني أنها غير بالغة، ولا يمكن أن يصح طلاقها -أو فسخ نكاحها- ويُذكر له عدة، إلا مع صحة عقد النكاح”. (موقع “الإسلام.. سؤال وجواب”، إشراف: محمد صالح المنجد).
كما يحتجون بأن “جمهور العلماء يذهب إلى أنه لا خيار للزوجة إذا بلغت، وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها وهي ابنة سبع سنين ولم يخيِّرها عند البلوغ”. (نفسه).
ولم يسلم هذا الموقف من تقييدات أوردها أصحابهم أنفسهم، من قبيل: جواز الإنكاح للأب لا لغيره، مراعاة مصلحة الصغير لا مصلحة الأب أو غيره، لا تسلم الصغيرة لزوجها إلا إذا كانت صالحة للجماع، لا علاقة للبلوغ بالقدرة على الجماع. (نفسه).
نفس الموقف صدر عن الشيخ محمد المغراوي، بقوله: “متى كان في المرأة إمكانية لتحتمل الرجل فتزوج على أي سن كانت. طبعًا السنوات الصغيرة والصغيرة جدًا، هذه لا يتصور فيها زواج ولا نكاح”.
ليقول بعد ذلك: “لكن قد تظهر الابنة في سن العاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة والثالثة عشرة ويكون لها جسم وعقل وبنية ومؤهلات تمكنها من الزواج فهذا أمر شهدناه وعرفناه وسمعنا به وحدثنا به أن بنات التسعة لهن من القدرة على النكاح ما للكبيرات من بنات العشرينات فما فوق، فهذا لا إشكال فيه”.
5- موقف المجلس العلمي الأعلى:
وأظهر المجلس العلمي الأعلى موقفه من القضية، في بيان رد به على فتوى الشيخ المغراوي، جاء فيه أن ما قاله الأخير لا يعدو أن يكون استدلالاً “بتقديراته من فهمه الخاص، ولكنه أراد أن ينتصر لرأيه بذكر زواج النبي (صلى الله عليه وسلم) من السيدة عائشة رضي الله عنها وهي بنت تسع سنوات”.
واعتبر ذات المجلس ما ذكره الشيخ المغراوي “استعمالا للدين في مثل هذه الآراء الشاذة المنكرة”، مؤكدا أن “الفتوى المعتبرة في شؤون الدين بالمملكة المغربية لا تصدر عن الأشخاص، وإنما تصدر عن المجلس العلمي الأعلى”.
وأبرز المصدر ذاته أن “الأحاديث المستند إليها في حالة زواج النبي (صلى الله عليه وسلم) تتحدث عن سن العقد وتتحدث عن سن الزواج بعد العقد بعدة سنين”، وأن التصرف النبوي المحتج به “لم يجز أحد من علماء السلف القياس عليه، واعتبروه مما اختص به النبي صلى الله عليه وسلم”.
وأضاف المجلس العلمي الأعلى أن “النظام المعمول به في المملكة المغربية، في ما يتعلق بالسن الشرعي بالزواج حاليًا، يستند إلى قانون صادقت عليه الأمة بجميع مكوناتها وشارك العلماء في صياغته”.
نستنتج أن المجلس العلمي الأعلى بنى رأيه في القضية على أسس:
– الفتوى في “زواج الصغيرة” من اختصاص المجلس العلمي الأعلى، كما هي جميع الفتاوى، حرصا على توحيد الفتوى وتنظيمها مؤسساتيا.
– التمييز بين سن العقد وسن الزواج في الأحاديث المستند إليها بخصوص زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها.
– التصرف النبوي في القضية من التصرفات التشريعية الخاصة التي لا يقاس عليها بالنسبة لعامة المسلمين.
– مراعاة النظام والقانون، وذلك بغرض تنظيم الزواج وشؤونه في مجتمعات تتسم بالفوضى.
6- تنبيهات على هامش هذه المواقف
يجب أن يحقَّق مناط الفقهاء في هذه المسألة من عدة أوجه:
– تحديد مدى خطورة الزنا في المجتمع، وما يؤدي إليه من تفكيك للأسر إذا ما أقبلت عليه البالغات المستأذَنات القابلات للنكاح دون سن الرشد، وقد منعِن من حلال الممارسة بنص القانون (مع التقييد بإذن القضاء).
– اعتبار السياق الدولي وما تبتغيه المنظمات الدولية والجمعيات الأجنبية من وراء ضغطها في سبيل الرفع من سن الزواج؛ فهذه المنظمات غير بريئة، ولا تدافع محض دفاع مبدئي عن الإنسان. فهي مع التماس العذر لا تعبر عن مشاكلنا الاجتماعية والثقافية، ودون التماسه تعبر عن رغبة في تفكيك الأسر، ومنها استضعاف الدول وخلق إنسان جديد لا قدرة له على مقاومة الاستغلال والتبعية للغرب (الرأسمال الغربي بالضبط).
– تحديد مصلحة الدولة في المسألة، فبمصلحتها في الاستقرار ومقاومة الأطماع الأجنبية تتحقق مصلحة المجتمع، ويحفظ الدين والمال والنفس والعقل والنسل.
إن الأمر لجلل، ويطلب استشارة ذوي الاختصاص من فقهاء الشريعة والسوسيولوجيين وعلماء الاقتصاد والسياسة (إلخ) الموضوعيين، لا المتحاملين بخلفيات إيديولوجية من هذا الطرف أو ذاك.
الأمر يحتاج إلى مراجعة، على ضوء ما تحقق وعلى ضوء التحديات الراهنة، ولكن وفق القنوات المؤسساتية والقانونية المتوفرة، لا على غير هدى وخارج هذا الإطار. فالنظام مصلحة، ومن أجله كان حفظ النسل مصلحة ضرورية.
المبسوط للسرخسي (4/ 212)
((فإن قدامة بن مظعون تزوج بنت الزبير – رضي الله عنه – يوم ولدت، وقال: إن مت فهي خير ورثتي، وإن عشت فهي بنت الزبير، وزوج ابن عمر – رضي الله عنه – بنتا له صغيرة من عروة بن الزبير – رضي الله عنه – وزوج عروة بن الزبير – رضي الله عنه – بنت أخيه ابن أخته وهما صغيران ووهب رجل ابنته الصغيرة من عبد الله بن الحسن فأجاز ذلك علي – رضي الله عنه – وزوجت امرأة ابن مسعود – رضي الله عنه – بنتا لها صغيرة ابنا للمسيب بن نخبة فأجاز ذلك عبد الله – رضي الله عنه -، ولكن أبو بكر الأصم – رحمه الله تعالى – كان أصم لم يسمع هذه الأحاديث والمعنى فيه أن النكاح من جملة المصالح وضعا في حق الذكور والإناث جميعا، وهو يشتمل على أغراض ومقاصد لا يتوفر ذلك إلا بين الأكفاء.))