سؤال الأخلاق في السياسة
هوية بريس – ابراهيم أقنسوس
إن إثارة النقاش حول الحاجة إلى ميثاق للأخلاق، بالنسبة للمشتغلين بالشأن السياسي، يعني وجود خلل في السلوك السياسي، إذ لا يستقيم الحديث عن العمل السياسي، دون حد معقول من الإلتزام القيمي، ودون تقدير للمبادئ والأصول، ودون التحلي بالبدهيات الأخلاقية، التي تجعل الكائن البشري جديرا بلقب (إنسان)، بغض النظر عن طبيعة حيواته وأنشطته واختياراته، التي يزاولها ؛ أما والأمر يتعلق بالشأن السياسي التدبيري، فسيصبح للأخلاق معنى آخر، لأنها تعني هاهنا، أغراض المواطنات والمواطنين وقضاياهم، وما يفترضه ذلك من احتكاك يومي بكل الشرائح الإجتماعية، والإنصات إليها، والصدق معها، والإحساس بمعاناتها، والتفكير في كل الحلول الممكنة لتخليصها من أعطابها، عبر المواكبة الميدانية ، والإنخراط في النقاشات الفكرية والتدبيرية، في المجالس والهيئات المنتخبة، وفي كل المؤسسات المعنية بقضايا المواطنين والمواطنات ؛ وبالتأكيد، لا يمكن تحقيق التقدم على هذه المستويات، دون أخلاق سياسية، التي تعني ببساطة، الإلتزام الفعلي والواقعي والحي والصادق، بقضايا الوطن ؛ ما يعني أنه وبالمقابل، لا يمكن تصور ممارسة سياسية جادة، بكائنات أنانية، عديمة الضمير، تسترزق بالعمل السياسي، وتتخذه مطية لاختلاس الثروات ومراكمتها، ولا فرق لديها بين الصدق والكذب، ولا بين الأمانة والخيانة، ولا بين النزاهة والتدليس.
ملفت للإنتباه، هذا الإهتمام الواضح، من طرف الكثير من الذوات والهيئات، بما يسمى مدونة الأخلاق، أو ميثاق للأخلاق، ما يعني أن السلوك السياسي لدى الكثيرين، قبل اليوم، كان سلوكا موبوءا، يفتقد إلى الجوهر، إذ الأخلاق بالمعنى الواسع للكلمة، هي جوهر الفعل الإنساني، الممتد في الزمان، بالمعنى الذي أشار إليه كبار الفلاسفة، كما أشار إليه رسول الإسلام أيضا، حين حصر مهمته، في إتمام مكارم الأخلاق، بهذا المعنى الكبير، (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
لست أدري كيف كان المعنيون بافتقاد الأخلاق في السياسة، يدبرون شؤون المواطنات والمواطنين؟ وكيف كانوا يفكرون في العمل السياسي ويفهمونه، وكيف كانوا يستطيعون الجمع بين المتناقضات، ويصرون على ذلك ولوقت طويل، بل ولكل الوقت؛ ولنا أن نتصور مشتغلا بالشأن العام، يقول شيئا، ويفكر في شيء آخر، ويعد بأشياء ولا يفعل شيئا، وإذا فعل، فلنفسه وأهله وبعض من عشيرته السياسية، في أحسن الأحوال، وقد يرغي ويزبد، ويرفع صوته عاليا، لنكتشف بعد حين، أن الأمر لا يعدو أن يكون جعجعة بلا طحين، وسرعان ما ينفضح أمر هذا اللعب القذروالبئيس، فإذا بمثل هؤلاء وقد تحولوا إلى أغنياء راكموا الكثير من الثروات والإمتيازات، في غفلة من الجميع، والنتيجة، عزوف جماعي، ليس عن الإنتخابات فقط، بل عن السياسة بالجملة.
هذا جزء يسير من المشهد العام، الذي يبرر الحديث، هذه الأيام، عن مدونة للأخلاق، ويبدو أن هذا المشهد لم يعد يطاق، وأن آثاره السلبية آخذة في التفاقم، ما جعل الجهات العليا في البلاد تنبه إلى خطورة الوضع، وتوجه المعنيين إلى ضرورة العودة إلى الجادة، قبل فوات الأوان، فغياب الأخلاق في السياسة، يعني غياب روح المواطنة، ويعني ترسيم التأخر والتراجع، وتكريس مظاهر التخلف والدونية والعبث، وحياتنا السياسية، أو ما يسمى كذلك، ضاجة بالأمثلة، تعلق الأمر بالحديث في السياسة، داخل المؤسسات المعنية، أو تعلق بالتدبير والإنجاز.