سؤال القيم بالمدرسة العمومية بالمغرب؟
نور الدين الكرف
هوية بريس – الخميس 07 يناير 2016
يجمع الباحثون في الشأن التربوي على أن واقع المؤسسات التربوية بالمغرب عموما، وواقع القيم والأخلاق فيها خصوصا أصبح مقلقا جدا، مما يستدعي التدخل عاجلا من جميع الأطراف؛ وذلك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإلا فإننا قد نشاهد ما هو أسوأ في المستقبل.
من هنا نطرح سؤال القيم بالمدرسة العمومية المغربية؟ إذن فما هي مظاهر تدني مستوى القيم والأخلاق بالمدرسة العمومية؟ وما هي العوامل التي أسهمت في اضمحلال القيم داخل الوسط المدرسي؟ ومن يتحمل مسؤولية ما آلت إليه المدرسة المغربية على مستوى القيم؟ وهل للمنهاج الدراسي دور في تدني مستوى القيم داخل أوساط التلاميذ؟ هذه بعض الأسئلة التي سنحاول تسليط الضوء عليها في هذه السطور إن شاء الله.
أولا مظاهر تدني واضمحلال القيم داخل الوسط المدرسي: نجد ذلك مجسدا في عدة ظواهر توضح للعيان مدى تدني أخلاق التلاميذ، ومن بينها على سبيل التمثيل لا الحصر:
* ظاهرة الغش في الامتحانات: التي أصبحت من الصعب -إن لم نقول مستحيل- القضاء عليها، رغم كل الإمكانات والوسائل التي تسخرها الوزارة وكل الفاعلين في المنظومة التربية للحد منها لكن رغم ذلك فالظاهرة في تزايد سنة بعد أخرى.
* ظاهرة العنف المدرسي: وهذه الظاهرة لا نحتاج فيها إلى تقارير دولية أو وطنية، بل تكفينا أخبار المدرسين الذين يتعرضون للعنف من حين لآخر، ناهيك عن العنف فيما بين التلاميذ الذي لا يخلو يوم من أن نشاهد حالات عديدة في مؤسسة واحدة.
* ظاهرة الكلام الساقط: هذه من الظواهر المنتشرة بكثرة داخل الوسط المدرسي، فما إن تجاور التلاميذ أو تختلط بهم إلا وتسمع من الكلام الساقط والفاحش ما يجعلك تظن أن هذا هو ما يدرسون في المقررات الدراسية ويسمعونه داخل الفصول الدراسية.
* ظاهرة التحرش: التحرش من الظواهر المشينة التي توجد بكثرة داخل الوسط المدرسي، فالكثير من التلميذات يشتكين ويتضايقن من تحرش التلاميذ بهن.
* ظاهرة المخدرات: فالمخدرات داخل المدرسة المغربية من الأمور المقلقة جدا، فتجد أحيانا أن التلاميذ يتاجرون فيها، وفي بعض المؤسسات يدخلون إليها مواد ممنوعة خارج المؤسسة وبالأحرى داخلها.
هذا غيظ من فيض مما تعرفه المؤسسات التعليمية بالمغرب، والتي يجب على الجميع أن يبذل قصارى جهده من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإلا فإن الأمور ستصير إلى ما هو أسوأ إن لم تكن الإرادة لدى الجميع من أجل الإصلاح.
* ما هي أسباب انتشار كل ما سبق ذكره وغيره داخل المؤسسات التربوية؟
في نظري يمكن إجمال أهم أسباب تدني مؤشر القيم والأخلاق داخل الوسط المدرسي فيما يلي:
* البون الشاسع الذي يوجد بين ما هو مسطر في المناهج الدراسية والواقع، مما جعل المقررات الدراسية وما يتلقاه التلميذ جافا وبعيدا كل البعد عن واقعه.
* عدم اهتمام المنهاج الدراسي بالقيم، والمواد التي يمكنها ترسيخ هذه القيم، بل كل المواد التي يعول عليها في ترسيخ القيم والأخلاق تعتبر مواد ثانوية، وغير مرغوب فيها في كثير من مستويات التعليم.
* الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها التلاميذ، فالتلميذ هو نتاج وانعكاس لما تعيشه الأسرة المغربية من مشاكل.
* التناقضات التي توجد في المجتمع المغربي عموما وفي محيط المدرسة خصوصا، هي أيضا تسهم في انحراف أخلاق التلاميذ داخل المدرسة وخارجها.
* انتشار المخدرات والعنف في محيط المؤسسات التعليمية له تأثير على المدرسة وعلى قيم التلاميذ.
* التناقض بين القول والفعل لدى الأطر التربوية؛ مما يجعل التلميذ لا يستوعب ما يتلقاه من قيم داخل الفصول الدراسية.
* التأثير الإعلامي بسمومه الذي يبث عبر البرامج الساقطة والماجنة، وأفلام العنف وغيرها من انتاجات الميوعة التي يبثها الإعلام المتسخ.
* عدم وضوح الرؤية الاستراتيجية التربوية للقيم المراد غرسها وترسيخها لدى التلميذ المغربي.
* عدم وجود إرادة سياسية من أجل إصلاح المنظومة التربوية عموما، ومجال القيم فيها خصوصا.
* تأثيرات العولمة، وما يصدّر إلينا من الخارج، بحكم تطور وسائل التواصل في عصرنا.
هذه بعض الأسباب في نظري، وإلا فإن العوامل التي أدت بالمدرسة المغربية إلى ما هي عليها الآن كثيرة جدا، ومتداخلة، بعضها بنيوي مرتبط باختيارات الدولة، وسياستها واقتصادها وتبعيتها للخارج، وبعضها مرتبط بثقافة المجتمع وفكره.. إلخ.
كيف يمكن معالجة منظومة القيم داخل منظومتنا التربوية ؟
هذا السؤال لا تكفي الإجابة عنه نظريا، وإلا لماذا أخفقت كل الإصلاحات التي قام بها المغرب في مجال التعليم؟ ومن ثم فإن معالجة القيم من بين أهم ما تحتاج إليه:
* الإرادة، والاستعداد، من طرف الجميع لإصلاح القيم النبيلة في منظومتنا التربوية.
* تبني استراتيجية شاملة وواضحة، لغرس وتنمية القيم النبيلة المتفق عليها من طرف الجميع في الناشئة والمجتمع ككل.
* تبنى مقاربة تشاركية في إطار مشروع مجتمعي يهدف إلى تكوين مجتمع متخلِّق.
* وضع دليل واضح للقيم الأخلاقية التربوية في جميع المراحل الدراسية، ويشارك في تفعيلها كل الأطر التربوية داخل المؤسسات التعليمية.
تشجيع وتنويع الأنشطة التربوية التي تهدف إلى تفعيل القيم بالمدرسة.
وأخيرا خلاصة القول: إن وضع منظومة القيم داخل الوسط التربوي أصبح مقلق جدا، ويحتاج إلى إرادة واستعداد الجميع للإصلاح، وإلا فإن المستقبل سيرينا ما هو أسوأ داخل مؤسساتنا التعليمية.