سباق الرئاسة في الجزائر.. بوتفليقة ينتظر الوقت المناسب (تقرير)
هوية بريس – وكالات
ينتهج الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة (81 سنة)، سياسة الغموض بشأن ترشحه من عدمه لفترة خامسة في انتخابات ربيع 2019، وهو غموض يزيد من حدة الجدل بين خصومه وأنصاره.
ويعتبر مراقبون أنه إذا أعلن بوتفليقة نيته الترشح، فسيكون ذلك بمثابة حسم مسبق للسباق، وأن غموضه خلط أوراق المعارضة في سعيها إلى تقديم مرشح توافقي.
وفي السابع عشر من الشهر الجاري بدأ العد التنازلي للانتخابات، حيث دخلت فترة بوتفليقة الرابعة سنتها الأخيرة، إذ فاز بها في اليوم نفسه من عام 2014.
** دعوات لفترة خامسة
مطلع الشهر الجاري، أعلن الأمين العام لحزب “جبهة التحرير الوطني” الحاكم جمال ولد عباس، أن بوتفليقة سيكون مرشحه “في حال وافق على ذلك”.
وفي الرابع عشر من الشهر الجاري، قال أمين حزب التجمع الوطني الديمقراطي رئيس الحكومة أحمد أويحيى: “سأكون سعيدا في حال ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية جديدة”.
وقبلها، أعلن قياديون من “جبهة التحرير الوطني” تشكيل هيئة لدعم ترشح بوتفليقة.
ورغم كل هذه الدعوات والتحركات، تفضل الرئاسة عدم الرد بشأن قرار بوتفليقة الذي وصل إلى الحكم عام 1999، وتعد فترته الرئاسية الحالية هي أكثر فترات حكمه جدلا، لتعرضه في أبريل 2013 لجلطة دماغية أفقدته القدرة على الحركة ومخاطبة الشعب.
** تسليم هادئ للسلطة
يعتقد المحلل السياسي الدكتور يغموراسن مجيد، أن بوتفليقة “ينتظر الوقت المناسب لإعلان انسحابه من الرئاسة”.
ورأى مجيد في حديث للأناضول، أن بوتفليقة “لن يكون قادرا على تحمل أعباء الرئاسة لـخمس سنوات أخرى، ليس فقط بسبب وضعه الصحي وتقدمه في السن، بل أيضا لإتاحة الفرصة لشخصية مقربة منه لتسلم السلطة في هدوء”.
ومضى مجيد، وهو خبير في شؤون شمال إفريقيا بالمعهد الفرنسي الإفريقي في باريس، قائلا إن “بوتفليقة شخص ذكي، ويعرف أن الفرصة المناسبة لتعيين خليفة له من أجل مواصلة مشروعه السياسي ستكون متاحة في موعد واحد، ولن تتكرر أبدا، وهذا الموعد هو عام 2019”.
** حملة شرسة
وبالنسبة إلى إسماعيل عبد الله القيادي في “جبهة التحرير الوطني”، فإن بوتفليقة “ينتظر التوقيت المناسب لإعلان موقفه من الانتخابات”.
وتابع عبد الله للأناضول، أن بوتفليقة “يمكنه إعلان قراره حال رغبته في الترشح، قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات (أي مطلع 2019)، وإذا أعلن ترشحه في اللحظة الأخيرة فستكون أكبر صدمة للمعارضة”.
وأردف القيادي في تنسيقية لجان مساندة رئيس الجمهورية: “أما في حال عدم رغبته في الترشح، فستظهر الأمور جليا في صيف أو خريف عام 2018، لتوفير الوقت الكافي لأنصاره لاختيار بديل له”.
وعن “التوقيت المناسب” قال النائب عن “جبهة التحرير الوطني” غيني محمد: “أعتقد أن الرئيس سيعلن قراره النهائي في يوليوز أو غشت (المقبلين)”.
واعتبر أن “الانتخابات مختلفة في هذه المرة، وتحتاج من الرئيس، في حال ترشحه أو تأييده لمرشح آخر، أن يدخل في حملة انتخابية طويلة وشرسة”.
** المعارضة بين خيارين
في ظل هذا الغموض، ترفض المعارضة ترشح بوتفليقة، وتختلف في تقييم الموقف بين من يرى أن الوقت حان لاختيار مرشح رئاسة توافقي مع السلطة لقيادة الجزائر في مرحلة ما بعد بوتفليقة، ومن يرى أن الأولوية الآن هي للحوار.
سفيان جيلالي رئيس حزب “جيل جديد” المعروف بمعارضته لبوتفليقة، قال في تصريح صحفي قبل أسابيع، إن “الوقت حان للتوصل إلى مرشح تتوافق عليه المعارضة”.
وبينما يرى حزب “جيل جديد” أن الحل يكمن في مرشح يمثل المعارضة في مواجهة مرشح السلطة، يرى معارضون آخرون وشخصيات سياسية، أن الحل يكمن في التفاوض مع السلطة لاختيار شخصية تحقق الإجماع أو التوافق.
واعتبر رئيس الحكومة السابق، المعارض أحمد بن بيتور، أنه “من غير الممكن للمعارضة أن تصل إلى نتيجة باختيار مرشح توافقي بين أحزاب المعارضة لوحدها، والحل يكمن في الاتفاق مع السلطة عبر الحوار على شخصية تحقق الإجماع”.
وشدد بن بيتور في تصريحات صحفية، على أن “الحل الوحيد لتجنيب الجزائر أي أزمة يكمن في حوار هادئ مع السلطة”.
بدوره، رأى زعيم “حركة مجتمع السلم” (أكبر حزب إسلامي) عبد الرزاق مقري، أن “الأزمة الحالية لا تحتاج إلى مرشح إجماع أو مرشح معارضة قدر ما تحتاج إلى الحوار بين السلطة والمعارضة”.
ورأى مقري في تدوينة بصفحته على موقع “فيسبوك” في فبراير الماضي، أن “مرشح التوافق لن تكون له أهمية وجدوى، فأي رئيس سيحكم البلاد بعد 2019 سيعجز وحده عن مواجهة الأزمة المالية التي تعيشها”، في إشارة إلى تبعات هبوط أسعار النفط التي تعصف بعائدات البلاد.
كما صرح رئيس الحكومة السابق ومرشح الرئاسة السابق علي بن فليس، بأن “الأولية بالنسبة لي ولحزبي (طلائع الحريات) ليست للانتخابات الرئاسية، بل لحالة الانسداد السياسي الذي تعيشه الجزائر”.
واعتبر في تدوينة بـ “فيسبوك” قبل أيام، أن الانتخابات المقبلة “هي موعد انتخابي مختلف في تاريخ الجزائر، لأن البلاد تعيش أزمة سياسية خطيرة تحتاج إلى الحوار المبني على الثقة، وإثبات حسن النية بين السلطة والمعارضة”.
** انفصال خطير
محاولا إجمال المشهد السياسي، قال المحلل السياسي الدكتور محمد الصغير، إن “الجزائر تعيش اليوم حالة انفصال خطير بين السلطة والمعارضة”.
وأوضح في حديث للأناضول أن “السلطة ترى أن المعارضة فقدت تمثيلها في الشارع، وغير قادرة على إقناع المواطنين بمشروعها السياسي، فيما ترى المعارضة أن السلطة برئاسة بوتفليقة، تجند وتستغل وسائل وإمكانات الدولة للبقاء في السلطة”.
وختم بقوله: “ليس هذا فحسب، فالمعارضة باتت على يقين بأن أي مشاركة في الانتخابات تعني تزكية مرشحي السلطة الذين يفوزون في النهاية”.