سعيد ناشيد أو عن الرّيع الفلسفي
هوية بريس – محمد الطيب
كل رجال التعليم القابعين في المداشر والدواوير السحيقة هم مشاريع مفكرين كبار، ومشاريع كُتّاب إن هم تفرغوا للكتابة ووجدوا وقتا كافيا للتأمل، وليس ذ. سعيد ناشيد وحده من يمكنه ذلك، سعيد الذي استغل شواهده الطبية لتأليف دَزينة كتب، تحتاج لجهد قد يُضاعف من جُهد جلوسه في القسم يُعلم تلاميذه.
كل رجال التعليم بإمكانهم تأليف عشرات الروايات وعشرات المجاميع القصصية القصيرة جدا لو أنهم وجدوا من يدافع عنهم نقابيا ويحشر ملفاتهم الصحية ضمن المنعم عليهم نقابيا ليتفرغوا لإبداعاتهم وليس سعيد ناشيد الفيلسوف الرواقي الذي كان يجب عليه أن يكون رواقيا حقيقة فيؤدي مهمته دون أن يفزعه المرض ودون أن يهاب الموت كما يؤكد على ذلك في كتابه التدواي بالفلسفة.
إستغربت كثيرا من إحالة ذ. سعيد ناشيد على العزل، وتذمرت من ذلك بقوة وقسوة، لكن سرعان ما استغربت من استغرابي حينما رجعت إلى صفحة مثقفنا، وراجعت صوره التي تؤرخ لتحركاته وحركيته التي تؤكد لأي لجنة صحية أن الرّجل تحسب قوته بعدد الأحصنة التي تجعله يقطع الأسفار ويشارك في الندوات، ويحضر بقوة وازنة في حفلات توقيع كتب، أسفار إلى أقطاب الدنيا، وتفرغ مريع لصياغة التدوينات، ولكتابة المقالات والمتابعات صحفية، دون أن تواكبه قوة لأداء حقوق تلاميذه، فيترك تلامذته المساكين،بسبب شغفه، بأن يكون شخصية ثقافية ملهمة، ومثقفا مؤثرا، فتجده، كما في الصورة التي على صفحته، مرة في رحلة طويلة إلى الصحراء، ومرة ثانية على قمة جبل تلبية لدعوة من إحدى الجمعيات لأجل قراءة في كتاب، أو لأجل إلقاء محاضرة عن موضوع أو لتأطير جلسة في ندوة، وتجده مرة ثانية مع مقربيه في أندونيسيا وماليزيا ومرة في بيروت، وكل ذلك ولا يستطيع أن ينتقل إلى مؤسسته التي لا تبعد عن بيته إلا بمرمى حجر.
أو ليس أَولى ثم أَولى له من هذا الجهد الترحالي والنشاط الثقافي هم تلامذته المساكين؟ أليس أولى ثم أولى من كل هذه الأسفار هم تلاميذه بنيابة سطات؟ ألا يحق لهم أن يستفيدوا من هذا المفكر الرحالة. ليَكون التنويري الحقيقي هو ذاك المعلم البسيط المرابط في قسمه، لا ذاك المفكر الذي يدعي الرواقية والقابع في نشرات فراس 24، والذي يواظب على حضور اسمه في أعمدة الصحف؛ يُنظِّر ويكتب مستغلا شواهده الطبية وملفاته الصحية ليتفرغ لملفاته الفكرية والأيديولوجية،ليعجز هذا الرجل التنويري الذي يدعو إلى التّنوير على أن يُنور عقول تلاميذه الطّيبين مفضلا ، لربما ـ أجواء أكثر برجوازية وأكثر شهرة بكاميرات وميكروفونات.حيث سينجح بشكل كبير في الحفلات الثقافية والجلسات الإعلامية والدعوات الاجتماعية.
أيّ طمأنينة فلسفية (هذا عنوان كتاب للأستاذ سعيد ناشيد) ستكون لك وستفتخر بها، وقد تركت صبيانا ينتظرون أُستاذا لهم، في نظري البسيط كمدرس يجب مدح هذا الذي فضح مثل هذه الحالة، لا المسارعة إلى أدلجة هذه الحدث، واستحداث عدو أيديلوجي فقط لأن أستاذ فلسفة هو الطرف، في محاولة جديدة لصوغ بطولة دونكيشوتية البطل فيها كان سببا في ضياع مئات الساعات لمئات التلاميذ المساكين.
كرجال تعليم كلنا يعرف أن الجلوس إلى المكاتب هو أخطر شيء على العمود الفقري، خاصة لشخص مصاب بالإنزلاق الغضروفي (Hernie discale)، لكن السيد سعيد ناشيد ربما يكون حالة خاصة يجب أن تدرس طبيا، وتُقدّم كحالة لا يؤثر السفر الطويل فيها، ولا الجلوس الطويل لكتابة كل تلك المؤلفات في عمودها الفقري، حالةٌ”لا يأخذ منها لا حق ولا باطل” الجلوس أمام كراسي الندوات وأمام كراسي وسائل الإعلام.
فأكيد أن الجلوس على مقاعد الطائرات في الأسفار الطويلة، وفي باحات القطارات هو نفسه الجلوس أمام التلاميذ ، فلِمَ الهروب من القسم إذن؟ وهل مشاكل ظهرك تكون بسبب التلاميذ فقط؟ ولا تكون حينما تحاضر في الجماهير الغفيرة؟