رغم محاولة نظام الجنرالات الجزائري لتلميع صورته، وإيهام الرأي العام الداخلي والخارجي من خلال نشر الأوهام والأكاذيب حول كوريا الشرقية وتصويرها على أنها قوة إقليمية وقارية، إلى غير ذلك من الشعارات البراقة التي يكذبها الواقع، إلا أن العالم أجمع أضحى يعرف حق المعرفة حقيقة الطغمة العسكرية التي تجثم على رقاب العباد وتتحكم في ثروات البلاد التي تبددها يمنة ويسرة في قضايا لا علاقة لها بمصالح الشعب الجزائري المغلوب على أمره.
وفي هذا السياق، كشف السفير الفرنسي السابق في الجزائر غزافييه دريانكور، في مقال له بجريدة لوفيغارو الفرنسية، عن حقيقة هذا النظام الديكتاتوري الذي يشرف على السقوط وباتت نهايته وشيكة، وهو سقوط قد يجر معه فرنسا كلها، وهي حقيقة لا يرغب الجنرالات في سماعها.
وتحت عنوان: “الجزائر تنهار.. هل ستجرّ فرنسا معها؟”، قدّم السفير الفرنسي السابق في الجزائر غزافييه دريانكور، في مقال له بصحيفة “لوفيغارو”، تقييماً نقدياً للغاية للسنوات الثلاث من العهدة الأولى للرئيس المعين من قبل العسكر عبد المجيد تبون، معبّراً عن خشيته من تداعيات الوضع السياسي الجزائري على فرنسا.
غزافييه دريانكور، الذي كان سفيراً لدى الجزائر مرتين؛ بين عامي 2008 و2012، ثم بين 2017 و2020، قال إن ثلاث سنوات مرّت منذ تعيين عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية الجزائرية، وإن صداقته واحترامه للشعب الجزائري، تلزمه بالتذكير ببعض الحقائق عن الواقع السياسي والأوهام الفرنسية وعواقبها، مضيفا أن “الجزائر الجديدة” بصدد الانهيار، وتجرّ فرنسا معها في طريقها للانهيار، بشكل أقوى مما تسبّبته الأزمة الجزائرية في سقوط الجمهورية الفرنسية الرابعة عام 1958.
ويضيف السفير السابق أن “الواقع الجزائري ليس كما يُرسم لنا: لقد سقط نظام بوتفليقة الفاسد في عام 2019، وبعد الاضطرابات، كما في أي ثورة، فإن الجزائر الناتجة عن (الحراك المبارك) ستكون كما قيل لنا عنوانا للتقدم، والاستقرار والديمقراطية”.
لكن ما حصل حسب غزافييه دريانكور هو أن “جميع المراقبين الموضوعيين يلاحظون أنه منذ عام 2020، ربما بعد أسابيع قليلة من الأمل، أظهر النظام الجزائري وجهه الحقيقي: نظام عسكري، مدرّب على أساليب الاتحاد السوفييتي السابق، وحشي، بواجهة مدنية فاسدة مثل سابقتها التي أسقطها الحراك، مهووسة بالحفاظ على امتيازاتها، وريعها، وغير مبالية بمحنة الشعب الجزائري”.
ويقول غزافييه دريانكور، إنه يوجد اليوم في السجون الجزائرية، سياسيون وموظفون وعسكريون يرتبطون بالنظام السابق، بالإضافة إلى صحافيين كتبوا مقالات تنتقد أو تتحفّظ على سياسة النظام، وآخرون نشروا رأيًا مخالفًا على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد سمحت جائحة كوفيد للجيش ببدء التطهير السياسي، ثم استغل الظروف الدولية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا لإكمالها: “كُمّمت أفواه الصحافيين، واعتقلوا، أو حرموا من جوازات سفرهم، كما أغلقت صحف، مثل Liberté، بينما وضعت “الوطن” تحت الوصاية، وفي الأيام الأخيرة، أتى الدور على راديو M الذي اعتُقل مديره إحسان القاضي، ثم موقع AlgériePart لاتهامه بتلقي أموال من الخارج لنشر أخبار كاذبة من أجل “زعزعة استقرار البلاد”. علاوة على ذلك، تم حل جمعيات مثل “كاريتاس”، التي أسستها الكنيسة الكاثوليكية قبل عام 1962، واتُهم البعض الآخر بتلقي أموال من الخارج.
وتابع دريانكور بالقول إنه في الخارج، أي في بلده فرنسا، فإن “الخطاب المناهض للفرنسيين، الذي كان انتهازيًا، وأحيانًا أخرق في عهد بوتفليقة، هو اليوم في صلب النظام في عهد عبد المجيد تبون، والذي تكمن قوته في جعل العالم يعتقد أن الجزائر ربما ليست ديمقراطية على النمط الغربي، لكنها تتحرك، وفقًا لوسائلها الخاصة، نحو نظام استبدادي قليلاً، وبوليسي بشكل لطيف، ولكن دون أن يكون ديكتاتورياً على الإطلاق”.
لكن عبقرية هذا النظام، يضيف غزافييه دريانكور، تتجلى خاصة في تمكّنه من جعل هذه الحكاية تُبتلع من قبل الفرنسيين، الذين يفترض أنهم أكثر من يعرفونه.
ويتابع غزافييه دريانكور قائلاً: “نعتقد أننا نعرف الجزائر بحكم احتلالنا لها، لكن الجزائر تعرفنا.. سيكون عام 2023، بعد الزيارات الرسمية في 2022، وقت النشوة، مع زيارة دولة سيقوم بها الرئيس الجزائري. لكن دعونا نكون بلا أوهام: قبيل الانتخابات الرئاسية الجزائرية، سيشهد عام 2024 حتمًا أزمة جديدة، لأن الخطاب المناهض للفرنسيين هو خميرة حملة انتخابية ناجحة”.
وقال السفير الفرنسي السابق أن العمى الفرنسي “هو خطأ تاريخي. فالاعتقاد أنه بالذهاب إلى الجزائر والرضوخ للجزائريين في ما يتعلق بملفات كالذاكرة والتأشيرات، ستكسب فرنسا نقاطا دبلوماسية، وتجر الجزائر نحو المزيد من التعاون، هو مجرد وهم وأكذوبة. والعسكريون الذين يديرون الجزائر ليست لديهم مخاوف أو قلق عندما يتعلق الأمر بفرنسا”.
وخلص دريانكور إلى القول “إن فرنسا تواجه مفارقة مزدوجة: من ناحية، التحالف بين جيش مناهض لفرنسا والإسلاميين الذين يكرهوننا، حيث يشترك الاثنان في كراهية فرنسا، والإرادة القوية للقضاء على بقايا الاستعمار لغويا وثقافيا، مع جعل فرنسا تدفع ثمن ماضيها الاستعماري، من خلال الهجرة والاعتذار. والمفارقة الثانية هي أنه بعد 60 عاماً من استقلال الجزائر، ما زالت مشكلة اتفاقات إيفيان تراوح مكانها. وبالتالي، انتصرت الجزائر في المعركة ضد المستعمر السابق: تبقى (الجزائر) مشكلة بالنسبة لفرنسا، فهي تنهار، لكنها قد تجرّ باريس معها”، يحذر غزافييه دريانكور، قائلا إن” الجمهورية الرابعة ماتت في الجزائر، فهل تستسلم الجمهورية الفرنسية الخامسة بسبب الجزائر؟”.