خريطة الحركات الجهادية وأهم جيوبها السرية «جماعة المسلمين أو الهجرة والتكفير»
إعداد: مراد أمقران
هوية بريس – الأربعاء 04 ماي 2016
كان شكري مصطفى متعاطفا مع جماعة الإخوان المسلمين في الستينات من القرن العشرين، ولذلك تم القبض عليه ضمن الإخوان المسلمين، وشاركهم محنتهم في سجون عبد الناصر ابتداء من عام 1965م وحتى خروجهم من السجن بعد موت عبد الناصر على يد أنوار السادات.
ولم يكن فكر جماعة الإخوان المسلمين متغلغلا في أدبيات شكري مصطفى بالشكل الكافي، كما أن ما حدث له ولغيره من تعذيب شديد داخل ردهات السجون دفعه للتفكير بشكل نقدي لمنظومة الإخوان المسلمين الفكرية، وموقفهم الفقهي من السلطة والمجتمع، وساعده في ذلك أن أحد زملائه من المعتقلين الأكبر سنا والأقدم في الدعوة حينها «الشيخ علي إسماعيل» قد تبنى فكرا يرتكز على تكفير كل من يخالف النسق العقدي والفقهي الذي يتبناه، وقد صاغ الشيخ علي إسماعيل نسقا فقهيا وعقديا يتطابق في معظم جزئياته مع مذهب الخوارج، وهم الفرقة الإسلامية التي ظهرت ابتداء من خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان ظهور هذا الفكر الجديد والدعوة إليه داخل سجون عبد الناصر سببا في تأليف حسن الهضيبي المرشد الثاني للإخوان المسلمين لكتابه الشهير: «دعاة لا قضاة» في محاولة استباقية منه لتحصين جماعة الإخوان المسلمين ضد هذا الفكر الطارئ.
والعجيب أن الشيخ الإخواني «علي إسماعيل» الذي تتلمذ على يديه شكري مصطفى سرعان ما تراجع عن قناعاته الخارجية، بينما ظل شكري متمسكا بها وداعيا إليها، إلى أن خرج من السجن وأسس جماعة اشتهرت إعلاميا باسم جماعة: «التكفير والهجرة» قد عدد أفراد الجماعة في بداية ظهورها وأوج عنفوانها منتصف السبعينات بعدة آلاف.
ويمكن لنا تلخيص المنظومة الفكرية لجماعة المسلمين في عدة أسس:
اعتبار أن الألفاظ المعبرة عن سائر المعاصي كالظلم والفسق والذنب والخطيئة والسيئة والخطأ ونحوها تدل كلها على معنى واحد؛ وهو الكفر المخرج عن الملة، وبالتالي فإن كل من ارتكب أي مخالفة شرعية تحت هذه المسميات ولها مستند شرعي في آيات القرآن والأحاديث النبوية فهو كافر كفرا مخرجا عن ملة الإسلام.
اعتبار أن الهجرة من دار الكفر «أي دولة لا تحكم بالشريعة» هي واجب شرعي حتمي، ولذلك سعت جماعتهم لإيجاد مكان للهجرة إليه واعتزال المجتمع.
اعتبار مبدأ التوقف في الحكم على أي مسلم لا ينتمي لجماعتهم؛ فلا يحكمون له بكفر أو إسلام حتى يتبين كفره من إيمانه وهذا التبين يكون عبر عرض فكر الجماعة عليه فإن وافق انضم إليهم وصار مسلما حسب رأيهم وإن رفض حكموا بكفره.
الحكم بكفر من يتحاكم للقانون الوضعي أيا كان دافعه وأيا كان نوع القانون الوضعي الذي يحكم به أو يتحاكم إليه، ولا يعتبرون في ذلك أي استثناء كما هو تقعيد السلفيين العلميين وبعض تيارات السلفية الحركية للأمر، كحالات الإكراه أو الاضطرار أو الجهل أو الخطأ ونحو ذلك بل يتمسكون بالتكفير في ذلك كله.
وبناء على هذه الأفكار رفضت جماعة شكري مصطفى علماء السلف وأقوالهم وكتبهم بل كانوا ينتقون من الأحاديث ما يؤيد مذهبهم ويرفضون ما لا يؤيده بلا ضابط أو قاعدة محددة، وهم يكفرون علماء السلف جميعا من أول صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وحتى الآن، كما أنهم يفسرون القرآن برأيهم ووفق أفكارهم، ويرفضون أي تفسير يخالف رأيهم كما أنهم لا يرتكزون على كتب تفسير ولا حديث ولا غيره، بل الذي كان يقرأ الكتب ويشرحها لهم هو المؤسس شكري مصطفى، فسجلوا ودونوا ما قاله وما قعد له الأخير، حتى صار كلامه بمثابة مدونة وعمدة في تشكيل تصورهم الكلي لمجموع الشريعة.
وبناء على هذه الأسس انطلق شكري مصطفى ليكون رؤيته عن الواقع السياسي، وطريقة تغييره فكان شكري يرى أنه لابد من إقامة دولة إسلامية وفق منهجه الفكري، وخلص وفق تحليله السياسي للواقع الدولي والإقليمي إلا أن القوى الكبرى ستسعى بمعاونة “إسرائيل” إلى تفتيت العالم العربي إلى دويلات صغيرة لتسهيل عملية إضعاف الأمة الإسلامية، ومن ثم اعتقد شكري مصطفى أن هذه الحالة سوف تمثل ظرفا مواتيا له لإقامة دويلة إسلامية على جزء من مصر، واعتقد أن القوى الكبرى قد تدعمه في ذلك أو تغض الطرف عنه في ذلك؛ باعتبار أن عمله هذا سيساهم في تحقيق مخططها الاستعماري في التفتيت على أن يسعى بعد ذلك إلى توحيد هذه الدويلات بالتغلب عليها واحدة بعد الأخرى بعدما تقوى شوكته ليتمكن من إعادة توحيد العالم الإسلامي كله في دولة واحدة.
ميدانيا تورطت جماعة شكري مصطفى في خطف واغتيال وزير الأوقاف حينذاك الدكتور محمد حسين الذهبي بعد أن كان قد انتقد الأخير في إحدى المناسبات فكر جماعة شكري مصطفى، وقد أثيرت العديد من الشكوك حينها حول ما إذا كان شكري مصطفى قد تورط بالفعل في هذا القرار بسبب اختراق أمني محدد دفعه لذلك لضرب عصفورين بحجر واحد:
– الأول هو التخلص من الوزير الذهبي بسبب دخوله في ذلك الوقت في صراع مع مراكز قوة معينة في الحكم.
– والثاني هو توريط شكري وجماعته في عمل «إرهابي» كبير يمكن أن يتخذ ذريعة للخلاص من شكري وجماعته بالكلية بعدما استفحل خطرها بسبب انتشارها واتساع حجم عضويتها.
بعد فشل شكري وإعدامه، وضعف جماعته اتخذت الجماعة منهجا مختلفا في التغيير يرتكز على فكرة انتظار ظهور المهدي المنتظر والانضمام إليه، ومن ثم فهم يمارسون الدعوة إلى أفكارهم دون تسلح أو سعي لأي عمل سياسي أو عسكري من أي نوع، ويقتصر عملهم داخل الجماعة على العمل التربوي والاجتماعي بالإضافة للعمل التعليمي لأنهم باتوا يحرمون دخول المدارس والجامعات بعد إعدام شكري ومعظم رفاقه.