سليمان الريسوني: كائنات رخوية بالقصر الملكي
هوية بريس – سليمان الريسوني
العقل الذي أوحى لوزير التربية الوطنية الجديد بأن يبالغ في الانحناء أمام الملك، كيف يمكنه أن ينهض بقطاع تعليمنا المنحني، أكثر من الوزير، في أسفل قوائم التصنيف العالمي؟
وبما أن كل إناء بما فيه ينضح، فقد أكد الوزير بانحناءته العجيبة، لمن يهمه الأمر ومن لا يهمه، أنه لن يأتي بجديد لإنقاذ التعليم الذي يفرخ لنا كل سنة جيوشا من الكسالى والخنوعين، وفي أحسن الأحوال مهندسين وأطباء، محض تقنيين، يسخر منهم عز الدين العلام، المتخصص في الآداب السلطانية، بتسميتهم “خريجي التكوين المهني”.
أطر عليا مكونة جيدا في مجالاتها التقنية لكنها لا تحمل أي ذوق جمالي أو وعي ديمقراطي تحرري لتنوير وتغيير المجتمع، مثل ذاك الذي تسلح به أطباء من طينة الهادي مسواك وعبد الكريم الخطيب، أو مهندسون مثل بول باسكون وأبراهام السرفاتي وغيرهما من خريجي المدرسة المحمدية للمهندسين، الذين قال عنهم الحسن الثاني بتذمر: “كل الذين علمناهم أصبحوا يساريين”.
أمثال الوزير سعيد أمزازي عرفهم المغرب كثيرا، كائنات تنتعش كلما انعدمت الديمقراطية أو ضعفت. يضعون عقلهم التقني في خدمة السلطة وينفذون سياساتها دون مساءلة. الوقت الوحيد الذي يبدعون فيه ويتفننون هو عندما تتاح لهم الفرصة لتبرير وفلسفة أخطاء السلطة وتجاوزاتها، أو عندما يفقد أولياء نعمتهم سلطاتهم، فيكونون أول من ينقلبون عليهم لينحازوا لمالكي السلطة الجدد، حيث يلعبون بإتقان دور “بروتوس” الذي كان خادما مطيعا لقيصر روما، لكن ما أن أدارت له الدنيا ظهر المجن، حتى وقف بروتوس في مقدمة من استلوا خناجرهم لطعنه. حيث تحكي قصص التاريخ أن يوليوس قيصر نظر إلى خادمه بأسى وسخرية وقال: “حتى أنت يا بروتوس”.
وبعد يوليوس قالها الكثيرون، أحدهم هو ادريس البصري الذي خرج، بعد إبعاده من وزارة الداخلية وتعريضه للنهش ممن كانوا يأكلون من يده، في حوار شهير قال فيه: “حتى عبيبيس للي كنت كنصيفط لو الكاميلة حتى لباريس كيهاجمني” في إشارة إلى عباس الفاسي عندما كان سفيرا للمغرب في باريس.
لقد أثبت عدد من المغاربة والمغربيات، أمثال محمد بنسعيد آيت يدر، وأعضاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، بأن زهدهم في كثير من طقوس الولاء لا يقلل أبدا من التعبير عن احترامهم للملك ولأنفسهم. كما أن الكثير من الطقوس البالية التي أرفقها الحسن الثاني بدستور 1962، الذي ذهب فيه إلى حد إعلان قدسيته، بتعبير عبد الله العروي، لم يعد لها من معنى في مرحلة ما بعد حراك 20 فبراير ودستور 2011.
إذا كان الوزير الجديد غير مستاء من فعلته، فليقم بجولة في الفايسبوك ليرى حجم الاستياء والسخرية الذين قابل بهما المغاربة حركته الرياضية، ولينتظر كيف ستتخذ عشرات الجرائد والبرامج التلفزيونية العالمية من صورته مادة دسمة للتنكيت والاستهزاء بالمغاربة أجمعين.
لذلك فقد آن أوان إصدار قرار صارم يمنع “الكائنات الرخوية” من الإمعان في عرض مهاراتها في الخنوع أمام الملك الذي سبق له أن منع الشعراء المتزلفين من مدحه، وقال لهم: “ماذا تركتم لرسول الله؟ امدحوا رسول الله الذي هو أولى بالمدح” كما حكى المؤنس الملكي، الفقيه بينبين.