سليمان القانوني.. ألقابٌ السلطان ودلالاتها
هوية بريس – وكالات
“هذه المدرسة الشريفة أنشأها في دولة السلطان الأعظم، الخاقان المعظم، مولى ملوك العرب والعجم، كاسر رقاب الأكاسرة، قامع أعناق الفراعنة، الغازي في سبيل الله، الملك المجاهد في إعلاء كلمة الله، فخر سلاطين آل عثمان، السلطان سليمان خان، ابن السلطان سليم خان، أيد الله دولته، وأيد شوكته.. مولانا الوزير الأعظم سليمان باشا يسره”.
تلك العبارة منقوشة فوق مدخل أحد الآثار التاريخية في مصر التي ترجع إلى العهد العثماني، وهي المدرسة السليمانية في القاهرة، أو ما عرف بعد ذلك بـ”التكيّة”، التي كانت مأوى للفقراء وأصحاب الحاجة والزهاد والدراويش.
وقد أنشئت تلك المدرسة في عهد السلطان العثماني سليمان القانوني، على يد الحاكم في مصر الأمير سليمان باشا، وهي مسجلة كأثر مصري برقم 225.
لسنا معنيين هنا بالحديث عن ذلك المعلم الأثري، ولكننا بصدد مناقشة اللقب الفخري الوارد في عبارة النقش، وهو لقب “قامع أعناق الفراعنة”، فالبعض يرى أنه يحمل “إهانة” للمصريين باعتبار أنهم يلقبون بالفراعنة نسبة إلى حضارتهم القديمة، فما صحة هذا الفهم والتفسير؟.
ابتداءً، يجدر القول إن الفتح العثماني لمصر لم يتم على يد القانوني، بل تم في عهد أبيه السلطان سليم الأول بعد الانتصار على المماليك بقيادة طومان باي في موقعة الريدانية عام 1517م، وهو تاريخ بداية الحكم العثماني لمصر.
ولما ورث القانوني عرش أبيه كانت العلاقة مع المصريين على ما يرام، بل أعاد السلطان سليمان الصناع والتجار والحرفيين الذين كان السلطان سليم قد استقدمهم إلى عاصمة الدولة العثمانية إسطنبول.
لم يكن هناك توتر يُذكر بين السلطان سليمان والمصريين، إلا ما كان من أمر محاولة الانقلاب التي قام بها أحمد باشا الملقب بـ”الخائن”، والذي نصّبه السلطان واليا على مصر، وكان يطمع في منصب الصدر الأعظم، واعتبر أن ولايته على مصر إنقاصا من قدره.
فأضمر أحمد باشا التمرد على الدولة العثمانية، فعين المقربين منه في المناصب الهامة، وأعدم معارضيه وضباط الانكشارية الموالين للسلطان، ومالأ المماليك بعد أن أغراهم بالأموال والعفو، وأجبر شيخ الإسلام على أن تكون الخطبة باسمه، وحاصر القلعة التي تحصن بها الإنكشارية الذين رفضوا الانصياع لأوامره، حتى أجبرهم على الفرار منها.
واستطاعت الدولة القضاء على تمرد أحمد باشا عن طريق القاضي محمد زاده الذي أتى إلى مصر بأمر السلطان، وجعل القاضي ينسق الأمور مع سلطة إسطنبول.
وقام القاضي بتحرير قادة الإنكشارية الذين سجنهم أحمد باشا، وانضم إليه عدد كبير من الجنود والمصريين وقاموا بالهجوم على أحمد باشا، الذي فر إلى منطقة الشرقية وأعاد تشكيل قواته، لكن تمكنت القوات العثمانية من دحره وإنهاء التمرد.
فالذي قام بالانقلاب كان عثمانيا، والذي أحبط محاولته عثماني، إذن لم يكن حتى هذا الحدث يعبر عن توتر بين السلطان سليمان والمصريين، ومن هنا ندرك أن هذا اللقب بالمفهوم الذي يدعيه البعض لا يستحقه السلطان سليمان، لذا وجب البحث عن تفسير آخر.
يميل الباحث المصري الدكتور مصطفى بركات، في كتابه “الألقاب والوظائف العثمانية”، إلى أن المقصود بالفراعنة هنا “كل الملوك الجبارين الطواغيت في الأرض بصرف النظر عن جنسياتهم”.
وهذا التفسير هو الأقرب والأولى، لأن فرعون قد تعارفت الأجيال تلو الأجيال على اعتباره رمزًا للحاكم المستبد الجائر الطاغية، ويعضد هذا التفسير أنه لم يرد تسمية المصريين بالفراعنة، بل كانوا يلقبون قبل الفتح الإسلامي بالقبط، وهي تسمية أطلقت على المصري القديم، ثم صاروا يسمون بأهل مصر كما هو معروف في كتب التاريخ.
وأما تسمية المصريين بالفراعنة فهو مصطلح حديث، بل يرفض بعض الباحثين والمثقفين المصريين هذا المسمى، ويفضلون إطلاق الحضارة المصرية القديمة بدلا من الحضارة الفرعونية.
وأبلغ الأدلة التي تبرهن على أن اللقب لا يعني المصريين، الرسالة التي أرسلها السلطان سليم الأول والد سليمان القانوني إلى الشاه إسماعيل الصفوي قبل موقعة جالديران عام 1214م التي انتصر فيها العثمانيون على الصفويين، تلك الرسالة التي تضمنت لقبا مماثلا للسلطان سليم وهو لقب “مُرغم أنوف الفراعنة”.
وقد ورد نص الرسالة في كتاب منشآت السلاطين للمؤرخ ورجل الدولة العثماني “فريدون بك”، الذي كان كاتبا ثم رئيسًا أعلى للديوان الهمايوني، وعاصر السلاطين سليمان ثم سليم الثاني ثم مراد الثالث.
وجاء في نص الرسالة: “اللهم اجعلنا من الهادين المهديين، غير المضلين ولا الضالين، وصلى الله على سيد العالمين، محمد المصطفى النبي الأمين وآله وصحبه أجمعين”، ثم قال: “إن هذا الخطاب من قاتل القتلة والمشركين، قامع أعداء الدين، مرغم أنوف الفراعنة…”.
ووجه الدلالة من هذا الخطاب، أن الرسالة التي تضمنت هذا اللقب للسلطان سليم، كانت قبل موقعة جالديران التي وقعت عام 1514م، أي قبل أن تتجه جيوش السلطان إلى الشام ثم مصر بدءًا من عام 1516م، وقبل أن تحدث أي معارك حربية بين الطرفين، وهذا دليل قطعي على أن اللقب يعني قامع الحكام الطغاة بشكل عام، ولا يعني أنه قامع المصريين.
المصدر: وكالة الأناضول.