سياسة تضييع الصلاة
هوية بريس – د.رشيد بنكيران
روى الإمام مالك في الموطأ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ: “إِنَّ أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ، فَمَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ، وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ”.
قلت:
يكون تضييع الصلاة بالتفريط في حقوقها، فالصلاة لها حقوق يجب مراعاتها، تتمثل في أركانها وشروطها ومكان إقامتها ووقت أدائها، وغيرها من الحقوق التي إذا ضيعت وقع الخلل في الصلاة، وأصبحت توصف بالصلاة المضيَّعة، ومن وقع في ذلك استحق وصف المضيع صلاته على غرار المسيء صلاته.
وكما يكون تضييع الصلاة من طرف الفرد يكون كذلك تضييعها من طرف المجتمع أو الدولة، والأول هو المتبادر إلى الذهن عند أغلب الناس، بينما الثاني يغيب عن الأذهان ولا يتحدث عنه إلا قليلا مع أنه الأشد خطرا.
لتضييع الصلاة من طرف المجتمع أو الدولة صور كثيرة، منها:
✓ ضعف الاهتمام بتعليمها للنشء وتربيتهم عليها عمليا، وهذا أمر واقع للأسف الشديد ببلدنا، فمؤسسة التربية والتعليم من خلال برنامجها التعليمي لا تصنع طفلا مصليا؛ لا عارفا بها ولا حريصا على أدائها، بل تصنع طفلا مضيعا لها.
✓ عدم توفير أماكن محترمة لإقامتها، فباستثناء المساجد التي تشيد من طرف المحسنين، لا تحرص الدولة على توفير أماكن للصلاة في المؤسسات الإدارية والمرافق الاجتماعية والفضاءات المتنوعة، فأغلب الأماكن الرسمية التي يرتادها المواطن لا توجد فيها أماكن مخصصة للصلاة كالمستشفيات العامة والخاصة…، والإدارات المختلفة….، ومحطات النقل المتنوعة..، والمعامل والشركات…، والمدارس والكليات والجامعات…، فبجولة واحدة في تلك الفضاءات نستخلص أن سياسة الدولة في أمر الصلاة هو تجاهلها وتغييبها وصناعة واقع لتضييعها.
✓ إقامة الامتحانات الإشهادية في وقت صلاة الجمعة، وكذلك الامتحانات في الكليات، مما يفرض على الممتحنين وأوليائهم والمراقبين تضييع الصلاة؛ فئة عريضة من الناس تعد بالآلاف، ولا من يهتم بالأمر رغم التنبيهات المتكررة المطالبة بإصلاح هذا الوضع المشين غير المبرر سوى صناعة واقع لتضييع الصلاة.
✓ تضييق جهات في المؤسسة العسكرية على الجنود الذين عرفوا بالمحافظة على الصلاة، فالويل لمن عرف بذلك وضبط وهو ويؤديها في أماكن عمله مثلا، وهناك شهادات عديدة تؤكد هذه الحقيقة…
للأسف، صور تضييع الصلاة موجودة بكثرة في مختلف المجالات والفضاءات ببلدنا، وهي ليست وليدة صدف، بل توشي باستراجية مقصودة تتبناها جهات معينة لفرض واقع الصلاة المضيعة. ومن ضيع الصلاة فهو لما سواها أضيع كما قال الخليفة الراشد الملهم عمر رضي الله عنه، وهو ما يؤيده واقعنا المعيش، فهناك حقوق كثيرة ضاعت وستضيع، فوجود الصلاة المضيعة مؤشر على وجود حقوق العباد المضيعة.
اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا، ودبر لنا فإننا لا نحسن التدبير، واجعل علينا ولاة لا يضيعون الصلاة ولا يصنعون واقعا لتضييع الصلاة.