سَمّاك الحسيمة.. ضحية الشّطط في استعمال السلطة
هوية بريس – عبد الله النملي (كاتب وباحث)
تسود المجتمع المغربي حالة من الصدمة، جراء حادث مقتل الشاب المغربي محسن فكري، بعدما ألقى بنفسه وسط شاحنة لتدوير النفايات، احتجاجا على مُصادرة أسماكه من قبل السلطات الأمنية بمدينة الحسيمة المغربية، معقل الثورة ضد المستعمرين الإسبان في العشرينات، ومركز احتجاجات حركة 20 فبراير المغربية الموازية لحركات الربيع العربي في 2011.
ووفق شهود عيان، فالسلطات المحلية صادرت كميات كبيرة من السمك الذي اشتراه الشاب، وألقت بها في شاحنة لجمع الأزبال، غير أن الشاب قفز إلى داخل الشاحنة في محاولة لجمع السمك المصادر، إلا أن أحدهم قام بتشغيل محرك الشاحنة، فاشتغلت آلة الشفط التي ابتلعت الشاب وسحقت عظامه حتى الموت. كما تناقلت الصحف والمواقع روايات تفيد أن مسؤولا أمنيا أعطى تعليماته لسائق الشاحنة بتشغيل آلة الضغط على النفايات والبائع داخلها.. ما أدى لمقتل الشاب. وأشارت نتائج تشريح الجثة إلى آثار “كسر في القفص الصدري طال العظام الخمس الأولى من الجهتين اليمنى واليسرى”، وأن الوفاة نجمت عن ” نزيف حاد في الصدر”.
وبعد انتشار الخبر، شهدت مدينة الحسيمة، وعدد من المدن المغربية، احتجاجات واسعة إثر مصرع الشاب السمّاك. كما اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالتنديد والغضب، وعلقت عشرات الآلاف من البروفايلات في العالم الأزرق صور الحداد على وفاة شهيد الريف، ليتصدر بعدها وسم “طحن دين مو”، ويحشد فيه النشطاء للتظاهر احتجاجا على فرم البائع بدون رحمة. وتنديدا بالحادث، رفع رواد مواقع التواصل الاجتماعي شعارات وهاشتاجات تستهجن ظروف موت البائع، من قبيل “كلنا محسن، هي جريمة قتل وليس انتحار، شهيد الحكرة، الريف المطحون، وكلنا شهيد سمك الحسيمة..”.
وقد ووري بائع السمك المغربي الثرى الأحد في مدينة الحسيمة، بعد يومين على وفاته، وشارك في الجنازة آلاف المواطنين الذين عبّروا عن غضبهم وسخطهم مما حدث. ونشر ناشطون على تويتر والفايسبوك صورا من الجنازة المهيبة ومقاطع فيديو لبعض الاحتجاجات، كما تداولوا صورته ميتا داخل الشاحنة، وانتقل الاحتجاج إلى جامعات مدن مجاورة وحتى خارج الوطن.
وفي تصريح ليوسف بنجلون رئيس الغرفة المتوسطية للصيد البحري، أورده موقع “شمالي” عبّر فيه عن انزعاجه ” من عدم اعتقال اللجنة التي كانت مشرفة على إتلاف سمك محسن فكري الذي قضى نحبه أثناء محاولته إنقاذ بضاعته”، مضيفا أن “ما وقع بالحسيمة فوضى كبيرة وعبثية في استعمال القانون، باعتبار أن البضائع المحجوزة تأخذ مساطر خاصة، والبضائع التي ينبغي إتلافها لديها بدورها مساطر خاصة. وأن البضائع المحجوزة في الحسيمة خارج الميناء لا يمكن منحها شهادة بيطرية تؤكد سلامتها لأن مصدرها غير معروف، وبناء عليه فإن الأسماك تصبح قابلة للإتلاف حينها، إلا أن هذا الإتلاف لا يتم بالشكل الذي حدث، فاللجنة التي ستشرف على الأسماك لا يمكن تكوينها في العاشرة مساءا أمام مديرية الأمن، والقانون يعطي لبائع الأسماك حق استعمال مسطرة الصلح وأداء الغرامة”.
وفي بيان لمنتدى الكرامة لحقوق الإنسان أشار فيه إلى أن “حجز أسماك المواطن محسن فكري، خارج ميناء الحسيمة وفي الشارع العام، من طرف رجال أمن تابعين للمديرية العامة للأمن الوطني، تحت ادعاء أنها أسماك ممنوع صيدها، ثم القيام بإتلافها في الشارع العام مرة أخرى، عن طريق تسخير شاحنة جمع النفايات المملوكة لشركة خاصة متعاقدة مع المجلس البلدي للحسيمة، في غضون سويعات من الزمن لإنجاز المساطر اللازمة قانونا أعمال لا يمكن أن يغطيها عمل النيابة العامة واختصاصاته، ولا أي سلطة قضائية أخرى، وتبتعد كل البعد عن تطبيق مقتضيات الظهير بمثابة قانون الصادر في 23 نونبر 1973 المتعلق بتنظيم الصيد البحري كما وقع تعديله وتتميمه ولاسيما الفصول 34 و 74 و 48 منه”.
وأضاف البيان أن “الفصول المذكورة لا تجيز إنجاز محاضر إثبات مخالفات تنظيم الصيد البحري إلا لفئات محددة حصرا من الموظفين العموميين، ومن ضمنهم ضباط الشرطة القضائية الذين لا يتعدى اختصاصهم إنجاز المحاضر المذكورة. مما يحيل على سؤال جوهري، من هم الموظفون المخولون أو ضباط الشرطة القضائية الذين أنجزوا محضر مخالفة المرحوم محسن فكري؟، ولماذا لم يعرض هذا المحضر على العموم في إطار شفافية التحقيقات؟”، واستطرد البيان “إن صلاحية اتخاذ التدابير القانونية بشأن الأسماك المحجوزة لمالكها المرحوم فكري إن ثبت صحة حجزها، موكول حصريا لمندوب الصيد البحري بالحسيمة، كما نص على ذلك الفصل 48 من الظهير المذكور، وليس لأي موظف آخر، مع العلم بأن القانون يتيح للمرحوم محسن فكري إبرام صلح مع السلطة الإدارية المخولة من طرف وزارة الفلاحة والصيد البحري”.
واعتبر المنتدى “مسلسل حجز الأسماك المملوكة للمرحوم محسن فكري ثم تسخير شاحنة النفايات لنقلها، ثم إتلافها في الشارع العام، قد خرق بشكل سافر عدة نصوص قانونية نخص منها: المسطرة الجنائية، والظهير بمثابة قانون المتعلق بتنظيم الصيد البحري، و مدونة السير على الطرق، وقانون السلامة الصحية المتعلق بالمنتجات الغذائية، مما نتج عنه مساس جسيم بحق جوهري من حقوق الإنسان للمواطن محسن فكري، وهو الحق في الحياة، الذي يبقى حقا مقدسا على الدولة أن تتخذ كل التدابير والاحتياطات من أجل صيانته وعدم المساس به”.
وفي سياق ردود الفعل الغاضبة من واقعة “الطحن”، ذكرت جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان في بيان لها أنه “لا معنى قانوني لتواجد شاحنة الأزبال بعين المكان لتقوم بمهمة المصادرة والإتلاف في الحين، لعدم سماح دفتر التحملات بذلك، ولا معنى بأن تكون تحت رحمة شرطي وهو يصادر ويتلف بدون مساطر قانونية وحمائية لكل الأطراف”.
وأوضحت الهيأة الحقوقية أنه “في حالة ضبط أي مخالفة ذات صلة بالموضوع تتعلق بالتجارة غير المرخصة تحال على السلطات المختصة التي تحيلها بعد التسجيل والضبط على الجمعيات والدور الخيرية. وفي حالة وجود غش بالسلعة تحال على الخبرة، وفي حالة تأكيد الغش تباشر المساطر ضد المخالف وضد السلعة المغشوشة بالإتلاف من طرف مصالح خاصة”.
وأورد البيان أنه ” لو المساطر سلكت بالشكل المقرر قانونا في جميع الأحوال لما حصلت كارثة فقدان مواطن لحقه في الحياة، ويكون ما حصل قتلا من منظور القانون الجنائي، يتحمل الفاعل المباشر مسؤولية قتل الضحية، سائق الشاحنة بوصفه فاعلا أصليا، والشرطي بوصفه مساهما وصاحب الأمر والمؤثر”. وخَلُصَ البيان إلى “أن تراكم عدم المحاسبة وعدم الجدية في تطبيق الحكامة الجيدة والنزاهة والتربية على المواطنة والشفافية بين المواطنين أدت إلى تغول بعض الموظفين الصغار والمتوسطين تجعلهم يتسببون في كوارث حقوقية”.
وتتشابه حادثة مقتل محسن فكري بحادث مقتل الشاب التونسي ” بوعزيزي” الذي أحرق نفسه على خلفية مصادرة عناصر من الشرطة عربة الخضار التي يقتات منها وعائلته، لتندلع على إثرها مظاهرات تطورت لحد إسقاط نظام الرئيس التونسي الأسبق ” زين الدين بنعلي”. كما تتشابه أيضا مع حادث استشهاد الشاب كمال عماري في إطار الحراك الشعبي الذي دشنته حركة 20 فبراير بالمغرب، بعد أن تعرض لاعتداء يوم 29 ماي 2011 من طرف سبعة عناصر من القوات العمومية الذين انهالوا عليه بالهراوات، أثناء ممارسته لحقه في التظاهر السلمي بمدينة آسفي، مما أسفر عن إصابته في رأسه وفي عموده الفقري، إلى أن فارق الحياة بمستشفى محمد الخامس يوم 02 يونيو 2011 .
وبعد مرور خمس سنوات على ملف التحقيق المفتوح أمام محكمة الاستئناف ضد مجهول، لا زال الملف يُراوح مكانه، دون أي تقدم يُذكر. كل ذلك يفتح الباب للسؤال عن واقع حقوق الإنسان في المغرب، ومصداقية المزاعم التي يُرَوج لها في المحافل الدولية حول احترام المغرب لحقوق الإنسان، ومما يدعم هذه الخلاصة هو العدد الكبير من الانتقادات التي يتعرض لها المغرب في تقارير المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، والتي تجمع أن المغرب يعرف بعض التراجع في هذا المضمار، بالنظر إلى استمرار شكاوى التعرض للتعذيب وتكريس سياسة الإفلات من العقاب.
إن فاجعة مدينة الحسيمة، ليست هي الأولى من نوعها، فما زالت الذاكرة تحتفظ بصور مماثلة عن حوادث الشطط والغلو ومجاوزة الحد في استعمال السلطة، ذلك أن بعض المسؤولين لم يستوعبوا المفهوم الجديد للسلطة، والدروس المُستفادة من الربيع العربي، والاضطراب الأمني الحاصل في بعض الدول العربية، والتهديدات المتتالية التي تستهدف المغرب من قبل بعض التيارات المتطرفة، التي تجد في مفردات ” الظلم والحكرة والبطالة” مجالا خصبا لتمرير أفكارها وتجنيد الشباب المغاربة.