شاهد كبير فقهاء بني ملال… عبد الله بلمدني يدرِّس الأطفال.. (تأمُّل وسيرة)
هوية بريس- محمد المكودي
وما أعجبه من مشهد! عن تواضع الفقيه عبد الله بلمدني نتحدث. شرح ألفية ابن مالك، وألفية العراقي، والسلم للأخضري، والبيقونية، والمرشد المعين، ومناهل العرفان للزرقاني، والرحيق المختوم، ومراقي السعود، وتصوف الجنيد… شرحها شرع العلماء العارفين بالشريعة، آلة وغاية. فلم ينبت ذلك في قلبه كبرا، ولا تعاليا على عيال الله في الأرض.
وفي مشهد حفته المهابة، يقدم الشيخ عبد الله بلمدني للأطفال درسا بعنوان “وصايا حكيم لابنه”. يرحمهم بلغة عامية “دارجة” بسيطة، ممزوجة بفصحى لا تثقل على فهم الصخال (الصغار والأطفال). يربيهم بابتسامته الطيبة الصافية، على حب الله تعالى والنبي صلى الله عليه وسلم وبالوالدين. ويحثهم في حنوّ أبوي، على محبة الخير للناس، وعلى قيم الخير والفضيلة.
مشهد يربّينا فيه الشيخ بلمدني بالحال، لا بالمقال فحسب. والتربية بالحال أفضل من التربية بالمقال”، كما يقول علال الفاسي، في كتاب “مهمة علماء الإسلام”. مشهد يستعيد فينا قيم التنزل إلى من هو أقل منا معرفة وعلما، فنرحمه دون أن نؤذيه بالتعالي والكبر. مشهد لا يستطيعه إلا من خلص نفسه من أمراضها، وألجمها بالذكر عند ملاهيها ومشاهبها. مشهد لا يشتهان به، لرجل انتقل بين الفقهاء والشيوخ، وبين المدن والمنازل، ليجلس مدرسا للأطفال من غير يُنقِصه ذلك شيئا.
حفظ الله الشيخ عبد الله بلمدني، وبارك في عمره، وزاده محبة وقبولا في قلوب الناس.
وهذه بعض معالم سيرة الشيخ عبد الله بلمدني، كما وردت في موقعه الرسمي:”
– النسب والولادة والتربية
هو الشيخ عبد الله الملقب بأبي عطاء الله ابن الشيخ المدني، ولد بقرية تسمى “أولاد جْميع” بنواحي الريصاني من بلاد تافيلالت، سجلماسة، التي تعرف اليوم بالراشدية، من أقاليم المملكة المغربية؛ وكانت ولادته في عام 1372هـ 1952م.
نشأ الشيخ وتربى في كنف والده الشيخ المدني رحمه الله الذي كان من خريجي جامع القرويين بالعاصمة العلمية فاس العامرة، وأحد أساطين المذهب المالكي في وقته، فلقي من والده المعظم من الرعاية والملاحظة ما ظهر أثره في حياته العلمية والعملية.
– الرحلة في طلب العلم:
بدأ شيخنا رحلته في طلب العلم بحفظ كتاب الله تعالى، ثم شرع في حفظ المتون العلمية الأساسية الأولية المعروفة عند طلبة العلم، كالمقدمة الآجرومية في النحو، ولامية الأفعال لابن مالك في الصرف وألفية ابن مالك في النحو والصرف، ومنظومة الشيخ عبد الواحد ابن عاشر في الفقه المالكي، والرسالة لابن أبي زيد القيرواني في الفقه المالكي ومختصر خليل في الفقه المالكي، والتحفة لابن عاصم.
وظل عند والده، ينعم بقربه ويأنس بحنانه وعطفه، ويشبع نهمه من بحـر علمه، فتلقى منه شرح كثير من المتون في العلوم الشرعية، وكان يسهر معه الليالي ويحرص عليه كل الحرص، وقد ظهر أثر ذلك الحرص على شيخنا عبد الله، حيث إنه وعى صدره علوما شتى لا يشق له غبار فيها، ورحم الله من ورث لأبنائه وأبناء أمته علما نافعا وجعل الله ذلك من الصدقات الجارية التي يصل ثوابها إلى الميت في قبره.
ولما أحس الشيخ بالحاجة إلى مزيد الاغتراف من العلم الذي لا نهاية لحدوده تاقت نفسه إلى شيوخ آخرين؛ فقيض الله له بعض الشيوخ مثل الشيخ العالم الأديب الكبير الرحالة تقي الدين الهلالي رحمه الله، فازداد شيخنا منه ومن غيره علما، ولاسيما العلوم التي لم تكن تدرس في تافيلالت كالتفسير وعلم الحديث والأدب العربي وغير ذلك مما يسره الله لشيخنا، وهكذا نشأ الشيخ محبا للعلم راغبا في تلقيه.
– التدريس والدعوة:
لما أنس الشيخ من نفسه القدرة على العطاء جلس للتدريس والإفادة لعلمه بأن زكاة العلم تبليغه ونشره بين الناس، وبدأ الشيخ نشر العلم في بعض مساجد بلاده، فكان لا يحل بمسجد من مساجد تلك الربوع إلا وحوله إلى مدرسة من مدارس العلم، فيتقاطر عليه الطلبة الراغبون في طلب العلم، فيقرأ معهم ما يناسبهم من علوم وفنون.
وكان أول مسجد حط فيه شيخنا رحله وبدأ فيه مسيرته المباركة هو مسجد ” أولاد يحيى السيفة ” وقد مكث في هذا المسجد يعلم الطلبة ويؤم الناس ويخطب فيهم نحو خمس سنوات، ثم انتقل إلى مسجد آخر بالمنطقة يقال له” مسجد أبوعام بمركز الريصاني” فمكث فيه مدرسا وخطيبا لمدة سنتين، ثم لما تأسس معهد مولاي علي الشريف بمدينة أرفود دعي الشيخ ليدرس فيه فانتقل إليه ومكث فيه يدرس نحو ثلاثين طالبا لمدة خمس سنوات، وكانت له خطبة في مسجد البطحاء بأرفود في هذا الوقت’ ثم انتقل إلى هذا المسجد بصفة رسمية إماما وخطيبا ومدرسا ومكث فيه خمس سنوات أخـرى.
واستمر على هذا الحال يعلم الطلبة ويرشد الناس إلى الخير إلى أن ضيـق عليه بسبب وشاية الوشاة وحسد الحاسدين أعداء كل مصلح، وهذا حال الدنيا لا تصفو من الأكدار ولا تخلو من المنغصات، فلما ضاقت به تلك البلاد رحل إلى مدينة فاس في أواخر 1408هـ1989م، وفي تلك المرحلة توفيت له زوجته الأولى رحمها الله وتركت له أربعة أولاد، فتوالت عليه الهموم، ولكنه صبر واحتسب، لأنه عرف ما قصد، ومن عرف ما قصد هان عليه ما وجـد.
ولم يمض على استقراره بمدينة فاس إلا وقت يسير حتى جاءته دعوة من مدينة بني ملال عروس الأطلس من أجل تأسيس مدرسة دار القرآن الكريم لتعليم العلوم الشرعية, فانتقل إليها في سنة1410 هـ1990م، وبدأ مع ثلة من أهل الفضل والإحسان الغيورين على القرآن الكريم وأهله في بناء مدرسة ومعلمة مباركة كانت وستبقى من حسنات مدينة بني ملال، بل ومن حسنات مغربنا الحبيب.
إذا ذكر الشيخ عبد الله بن المدني ذكرت معه هذه المدرسة أو ذكرت ذكـر معها لأنهما متلازمان’ فهو الذي سعى وكافح وواصل ليله بنهاره حتى جعل منها قبلة لطلاب العلم يؤمونها ويشدون إليها الرحال، ويحطون عندها الآمال من أرجـاء المملكة السعيدة، مملكة أهل القرآن، من أجل أن يغترفوا وينهلوا من بحر علمه الزاخر، فتخرج على يديه عدد كثير من طلاب العلم, وكان مدرسا جذابا يشد إليه السمع والأبصار والأفئدة، بعلمه الغزير وشخصيته الفذة، مـن حيـث جمال السمت، وروعة الإلقاء وحسن البيـان، يعرف كيف يوصل المعلومة إلى طلابه بطريق الإشارة، وبجميل العبارة، ويضرب الأمثال، ويسأل الطلاب، ويعينهم ويرفق بهم، لعلمه بأن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه، كما نطق بذلك من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
يتميز الشيخ عبد الله في دروسه بأسلوب سهل ممتنع، وبيان ذلك أن أسلوبه واضح سلس، يختار لحديثه أدق الألفاظ وأجملها وأوفاها بالغرض، مـن غيـر تعقيد ولا تنافر، يفهمه العامي والمتعلم، ويصل إلى قلوب السامعين بسهولة وانسياب كالماء العذب الزلال، ومع ذلك فهو ممتنع، لأنه لا يقدر على صوغه وإجادته والتصرف فيه إلا من كان عالما متمكنا من لغة القرآن الكريم كالشيخ الفاضل، فلا عجب إذن أن ترى طلابه صباح مساء يحـنون ويعشقون سماع ما يصدر عنه من اللطائف والدقائق العلمية، التي تبعث في الأرواح انتعاشا، وفي الصدور انشراحا”.
الشيخ العلامة عبدالله بلمدني فقيه المغرب وليس فقيه بني ملال فقط
بل وفقيه الأمة كذلك، بارك الله جهوده وحياته، وعلماء الأمة جميعا، وجزاهم عن أمة الإسلام خير الجزاء.
مزيدا من المراجعة والتدقيق قبل النشر مشكورين، سدد الله على درب الخير خطاكم.