شريط الفيديو الذي بثته كتائب القسام لشقيقين إسرائيليين يودعان بعضهما

02 مارس 2025 15:34

هوية بريس – إدريس الكنبوري

شريط الفيديو، الذي بثته كتائب القسام اليوم لشقيقين إسرائيليين يودعان بعضهما لأن أحدهما سيغادر والثاني سيبقى في الأسر، هز إسرائيل كلها، ووصفه نتنياهو بأنه شريط قاس. ومباشرة بعد بث الفيديو عمت إسرائيل مظاهرات عارمة تطالب بتنفيذ المرحلة الثانية من الصفقة التي يحاول نتنياهو أن يتخلص منها.

لقد نجحت حركة حماس نجاحا باهرا في خلق فتنة في “المجتمع” الإسرائيلي، وفي نقل الحرب إلى داخلها، فإذا كانت إسرائيل تتبجح بأنها استخدمت الذكاء الاصطناعي في عمليات القصف خلال الحرب، فإن الحركة نجحت في استخدام الذكاء البشري بطريقة مميتة.

أول ما يلاحظ على أشرطة الفيديو التي بثتها الحركة لأسرى إسرائيليين حتى الآن هو أن هؤلاء الأسرى يتحدثون بأسلوب مختلف، فهم لا يلومون الحركة بل يهاجمون الدولة الإسرائيلية، ويتهمونها بأنها هي من يقتلهم، وهي من لا يريد تنفيذ الاتفاق، وهي من يماطل، وهي من يتحمل جميع المسؤوليات.

ويلاحظ أيضا أن هؤلاء الأسرى يتحدثون عن الحركة بأسلوب إيجابي، ويشهدون على حسن المعاملة، ويشكرونها، وفي الفيديو الذي ظهر اليوم يقول أحد الشقيقين إن حماس “هي التي تحافظ على حياتنا”، أي أنها حمتهم من القصف الإسرائيلي.

وإذا شئنا الدقة فإن إسرائيل لم تعش في حياتها حربا نفسية كما تعيشها اليوم، بل إن هذه الحرب النفسية التي يعيشها اليهود في فلسطين اليوم تكاد تشبه الحرب النفسية التي كانوا يعيشونها في أوروبا داخل الغيتوهات. ولم يحصل في الماضي أن انقسم المجتمع الإسرائيلي كما ينقسم اليوم، فقد أصبح اليهود داخل فلسطين/إسرائيل أعداء لبعضهم البعض يتبادلون الاتهامات فيما بينهم، ويصف بعضهم بعضا بالمجرمين، والمفاجأة الجديدة هي أن هذه الاتهامات تتم من داخل غزة تجاه إسرائيل، وليس داخل إسرائيل نفسها، أي أن الإسرائيليين يهاجمون الحكومة الإسرائيلية وسط الفلسطينيين وفي غزة، وهذا تحول كبير جدا على المستوى السيمانتيكي. وبمعنى آخر، أصبح الفلسطيني لأول مرة صديقا مفترضا لجزء من الإسرائيليين بفضل المقاومة بعدما كان الفلسطيني عدوا مطلقا للإسرائيلي.

إنه تغير كبير على الصعيد النفسي والثقافي، وهو يعني أن المقاومة لم تقنع العالم فقط خلال هذه الحرب بقضيتها، بل أكثر من ذلك حققت اختراقا كبيرا لما يسمى المجتمع الإسرائيلي. وهذا يعني أن الدعاية الصهيونية أصبحت عاجزة حتى عن إقناع جزء من الإسرائيليين أنفسهم، وبعد أن بدأت أسطورة الصهيونية تسقط في أعين الشعوب الأوروبية ها هي تتساقط في عيون جزء من الإسرائيليين، المادة الخام لهذه الأسطورة.

لقد ظل الشعب الفلسطيني طيلة عمر الاحتلال منذ عام 1948 إلى اليوم عاجزا عن اختراق “المجتمع” الإسرائيلي والحصول على اعتراف ولو صغير بأحقية مقاومته، ولم تنجح كل المنظمات الفدائية الفلسطينية والحركات التحريرية طيلة العقود الماضية في الحصول على بصيص من التعاطف من جانب الإسرائيليين، لكن حركة حماس غيرت المعادلة تغييرا جذريا، وقد حصل هذا بفضل ذكائها الخارق في توظيف ورقة الأسرى كجزء من الحرب. لقد سبق حزب الله حركة حماس في قضية الأسرى الإسرائيليين في لبنان، ولكن الحزب لم يتمكن من توظيف تلك الورقة كما وظفتها الحركة، حيث كان يتعامل مع الأسرى على أنهم مجرد عناصر للتبادل مع إسرائيل، أما الحركة فقد حولتهم إلى عنصر للتبادل وعنصر في الحرب معا.

التحول الآخر الجوهري هو أن الحركة لم تعد تتوجه إلى النخبة كما كان يفعل العلمانيون الفلسطينيون في الماضي في المنظمات الفدائية، كالجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وحركة فتح وغيرها، بل توجهت إلى العامة من الناس العاديين، لأن المراهنة على النخبة الإسرائيلية مراهنة خاسرة بسبب التضخم الإيديولوجي للنزعة الصهيونية لديهم، والحسابات السياسية، وخلال السبعينات والثمانينات راهن العديد من المناضلين الفلسطينيين على الحزب الشيوعي الإسرائيلي مثلا، لكنهم كانوا كمن يحاول جمع الماء بالأصابع، لأن الشيوعي الإسرائيلي شيوعي لكنه إسرائيلي صهيوني.

لقد خلقت حركة حماس المعجزة البشرية بالمعنى الحقيقي للكلمة، وهذا بفضل الإيمان الذي كان العنصر الأهم الذي كانت تحتاجه جميع الحركات الفدائية الفلسطينية في السابق. إنهم يعرفون أن القضية الفلسطينية قضية إسلامية، وأن القدس موضوع إسلامي، وأن الصراع مع إسرائيل صراع إسلامي، والقضايا الإسلامية لا يمكن دخولها بدون الشروط الموضوعية لدخول الإسلام، نطق الشهادتين والإيمان باليوم الآخر خيره وشره وإقام الصلاة وإيتاء الزكاء وحج البيت من استطاع إليه سبيلا.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
10°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة