شقاء الإنسان في ابتعاده عن منهج الله
هوية بريس – إبراهيم الناية
{إِنّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ الْمُؤْمِنِينَ الّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحَاتِ أَنّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً .وأَنّ الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} الإسراء9.
إن قارئ القرآن المتأمل لآياته يعتقد جازما أن الحياة لا تستقيم إلا بوجود عقيدة صافية ، فالمتدبر المرتبط بكلام ربه ، والمتلقي لكل كلمة وكأنها تعنيه أولا دون غيره يجد نفسه أمام أمر عظيم لأن خالقه يوجه إليه الكلام وعليه أن يتفاعل معه بكل جوارحه وأحاسيسه، وكلما كان الإلتحام قويا بينه وبين كلام خالقه كلما ضاءت له طريق الهداية والصفاء. واتضحت له معالم الطريق الربانية التي سنها الله لعباده وظهرت عليه علامة الطاعة والانقياد لأمر الخالق الذي خلقه على الكيفية التي أراد. إن القرآن يدعو في مبادئ التربية التي أقرها إلى مسلك الصدق والاستقامة والإخلاص والحق والعدل ،وهي مبادئ لا يمكن الاستغناء عنها في قيام مجتمع نظيف ، لأن الإسلام جاء لتحرير البشرية من العبودية والرق والظلم، والدعوة إلى تحقيق العدل بين البشر .إن الهداية للتي هي أقوم هي العقيدة الصافية أولا، والتي لا شرك فيها وقائمة على توحيد الله في كل شيء والإخلاص له.
وهي تدعو إلى الانضباط وفق تعاليم الخالق وتوجيهاته، ولذلك يعد الالتزام بها هو النجاة من الشر وكل خروج عن تلك التعاليم هو سقوط في بؤرة الشقاء والبؤس وانزلاق نحو الهاوية، ولذلك فقول الله سبحانه “إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ” خطاب عام يمثل هداية البشر بمختلف الأزمنة والأمكنة ويهدي للتي هي أقوم بالعقيدة التي لا تشوبها شائبة والتي تحرر الإنسان من كل الأساطير والخرافات وتدفعه إلى العمل من أجل تحقيق عبودية الخالق وفق ما أمر به ونهى عنه، إن هذه العقيدة السمحة هي التي تحدث ذلك الانسجام بين مشاعر الإنسان وتصرفاته، فكل ما يقوم به الإنسان المسلم ما هو إلا استجابة لما تأمر به تلك العقيدة التي تدفع الإنسان إلى الإبداع والتمكين، ولكن كل ذلك في إطار التوازن فهي تهدي إلى طريق الحق الذي يستجيب لنداء الفطرة السوي، وهكذا يسود العدل ويتحقق القسط بعيدا عن كل الإنزلاقات والتهورات التي جلبت للبشرية المحن والكوارث وجعلت الإنسان يعيش الرذائل التي أفقدته كرامته وإنسانيته ، فقد هبط الإنسان نتيجة خيارات فكرية إلى مستنقع آسن أفقده كينونته.
إن هذه الخيارات الفكرية التي تلتزم بها كثير من المجتمعات البشرية اليوم، جلبت الشقاء والظلم والتعاسة وأصبح ينظر إلى الإنسان على أنه كائن مادي لا يستحق التكريم والإحترام والتقدير، ولذلك إن البشرية التي تمردت على الله وتجرأت عليه وجعلت غيره يشاركه فيما يستحق، وينازعه سلطانه على عباده قد ترتب عن ذلك ما نشاهده اليوم من مذابح رهيبة واستئصال لشعوب بأكملها ومناصرة الظالمين، والسطو على حقوق الضعفاء واحتقار الإنسان واستعباده، وكل ذلك قد حصل في غياب العقيدة التي تدعو إلى الطريق القويم. إن غياب رسالة السماء عن حياة الناس أدت إلى انتشار الظلم والفساد وتبذير خيرات الأرض دون أن يستفيد أو أن ينعم بها الإنسان الذي خلقت من أجله.
والغريب أنك تجد من ينتقد الإسلام وقيمه ،ولكن في الآن ذاته يعيش انحرافا فكريا وفسادا في مختلف مناحي الحياة ويكون محل نقد الآخرين، ولم يعلم أن خياره الثقافي هو الذي صنع منه ذلك الشخص الفاسد، لأنه عندما ينتقد تعاليم الإسلام التي تدعو إلى الاستقامة وإلى التي هي أقوم فإنه انخرط أساسا في حياة الإنزلاق والتخبط الفكري والثقافي المؤدي إلى الفساد الأخلاقي والمالي، إن هذه العقيدة التي تدعو إلى صيانة حرمة الإنسان وكرامته في كل مجالاتها، فإن النتيجة المباشرة لإعتناقها هي “وبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة اعتدنا لهم عذابا أليما” فهي بذلك تدعو إلى العمل الذي هو عنوان حقيقة الإيمان، فلابد من الربط بين الإيمان والعمل ولابد من الاتصال مباشرة بالقرآن والسنة باعتبارهما المنبع الصافي، وهناك من ترك القرآن وصحيح السنة جانبا وراح يبحث عن مواقف مستخلصة من تلك النقاشات التي حصلت بين الفرق الكلامية في ظرفية تاريخية معينة ليستخلص منها أحكاما ينظر من خلالها إلى أحداث حاصلة الآن وكان حري به أن يلتجئ إلى القرآن والسنة لأنهما الأصل في كل شيء، من أجل تكوين رؤية سليمة دون الإنجرار وراء تصورات لم تكن منطلقة أصلا من التصور الإسلامي.