شكرا نتنياهو.. تعلمت الشعوب معنى السلام.. فهل تعلم الحكام معنى القوة؟

22 يونيو 2025 19:52

هوية بريس – إبراهيم الطالب

عقب التدخل الأمريكي القوي في إيران والذي استهدف مشروعها النووي، صرح وزير خارجية إيران أن إسرائيل وأمريكا نسفت الديبلوماسية، وأن ترامب كذب عندما قال: إنه يريد تحقيق السلام.

وفي رأيي، إن وزير الخارجية هذا مخطئ وهو يعلم أنه لا يقول الحقيقة، ومثل هذه التصريحات هي للمناورة الديبلوماسية لا غير.

وفي رأيي، أيضا، إن ترامب هو رجل السلام بامتياز في هذا القرن، بل أستطيع أن أدعي أنه لم يمر على كرسي حكم أمريكا رجل محب للسلام، عامل من أجله، يحلم به ليلا ويعيش يفكر فيه نهارا.

وأزيد في زعمي فأقول: إن حبيبه أيضا، النتن ياهو هو من خدام السلام ومن محبي السلام ويحيِّي العالم يوميا بالسلام.

المشكل فينا نحن المسلمين، بلغنا من الخيانة والشعبذة السياسية والعمالة على مستوى النخب الحاكمة والمثقفة، ما جعلنا نخون العالم الغربي ونربي الأجيال على التعايش كذبا والأخوة العالمية خداعا، فكنا “كورالا” نشازا في الجوقة الدولية الصادقة، نردد أغاني السلام كلما قتل دعاة السلام الإرهابيين من أصحاب اللحى، نحن الذين ربينا دعاة الجهاد قساة القلوب، ودعاة الفكر الدموي والإرهابي، أمثال سفر الحولي، الذي لم يكفه شلله النصفي، فكتب كتابا كبيرا جدا من أكثر من 3000 صفحة، دون حياء ولا خجل، يدعو إلى جهاد النظام العالمي عنونه: “المسلمون والحضارة الغربية”، وقبل ربع قرن بعد حرب الخليج الثانية كتب كتابا صغيرا سماه “وعد كيسنجر”، يتحدث فيه عن دخول الجيوش الأمريكية إلى السعودية والخليج، وكسنجر هذا -لمن لا يعرفه من الأجيال الصاعدة- هو عراب السلام، وهو من أجلس عرفات في أسلوا ومن قبله الكثير من ملوك المسلمين، ليخرجهم من الحروب المنافقة إلى سلام الشجعان!!

ربما لن يصدقني كثير ممن سيقرأ هذه الكلمات، لكن اسمعوا للصادق “النتن” وهو يقول مباشرة بعد قصف الأماكن الخاصة بإقامة المشروع النووي الإيراني أمس في تصريح أمام العالم: “سيسجل التاريخ أن الرئيس ترامب تصرف لحرمان أخطر نظام في العالم من أخطر الأسلحة، لقد خلقت قيادته اليوم نقطة تحول تاريخية، يمكن أن تساعد في الشرق الأوسط وما وراءه نحو مستقبل من الرخاء والسلام، كثيرا ما نقول أنا والرئيس ترامب السلام بالقوة أولا تأتي القوة ثم يأتي السلام، واليوم تصرف الرئيس ترامب بقوة كبيرة”.

لقد اعترفت الأمم المتحدة بدولة إسرائيل بل خلقتها في قلب الأمة، من أجل إحلال السلام، وأستطيع أن أقسم على صدق نيَّتِها.

المشكلة ليست في إسرائيل ولا الغرب، المشكلة في المسلمين، فالأمم المتحدة هي فعلا متحدة لكن لم تبين لنا نخبُنَا الحاكمة ولا العالمة المثقفة على مَن هي متحدة، إنها وبوضوح متحدة علينا، نحن المسلمين وعلى كل دولة شعبُها من الملونين وعِرقها غير أبيض صاف صفاء قلبي ترامب والنتنياهو.

الأمم المتحدة علينا، التي تمعن في إذلالنا وتقتيلنا خلال هذه الخمسِ والعشرين سنة الأخيرة، -دون الحديث عمّا قبلها-، جربت الحرب بينها فدامت قرونا كان من آخرها الحرب العالمية الأولى، فخلال انهمار تلك الشلالات الدموية من شرايين البشرية، وفي أوائل النصف الأخير من شهر أكتوبر 1914، خرج ليوطي في إحدى خرجاته العسكرية بعد معارك ابتدأتها جيوشه في وجدة 1907، وتبعتها جيوش دولته الأخرى في نفس السنة، حيث رست بارجة حربية بالدار البيضاء وقنبلتها، ليتسابق الجنود للزحف من أجل احتلال الشاوية، المهم بعد كل معاركه المذكورة وغيرها، وقَّع المخزن مكرها عقد الحماية 1912، وبعد سنتين ونيف، مرَّ بسوق أربعاء الغرب، وهو من أكبر أسواق المغرب حينها، وكانت السوق غاصة برجال القبائل، فلم يُفَوت الفرصة لممارسة التضليل والشعبذة، فخطب فيهم خطبة تستحق الدراسة، فهي تضمنت كل الأسس التي يبني عليها الغرب معنى القوة والسلام، ومن جملة ما قال فيها:

“قد سررت غاية السرور بمشاهدتي إياكم في هذا السوق الكبير مُقبلين على تجارتكم بكل ثقة واطمئنان دون أن تشغلكم شواغل إشاعات الحرب الناشبة بأوروبا، وإنكم لَمُحقّون في اهتمامكم بشئونكم لا سيما وأنتم تعلمون حق العلم، أننا وحلفاءَنا سنخرج من هذه الحرب منتصرين انتصاراً يعود على هذه الإيالة الشريفة بصنوف النجاح. لقد رأيتم بأعينكم في السنين الماضية فظاظة أخلاق الألمانيين الذين انكسرت الآن شوكة كبريائهم، فإن ذلك الشعب المتغطرس قد أحب، مدفوعًا بدولته أن يكتسح الدول بالحرب. ولكن الدول الأمينة التي تفضل السلم على الحرب قد وقفت كلها أمام الجرمانيين وحلفائهم لترد كيد العدو في نحره، وستقتص هذه الدول من ألمانيا وتعاقبها عقابا شديدا على ما جنت يداها الأثيمتان، وتحاسبها الجيوش المتحدة على ذلك في أوروبا حسابًا شديداً صارما. (…) وكونوا على يقين من أنه لا تتجدد في المغرب حماية للألمان فاعتمدوا مني هذا القول. وليطمئن بال من كان تحت الحماية الألمانية سابقا وعاد إلى الاندماج في رعية المخزن فإنه لا خوف عليه. ونحن نضمن لكل مَن يعيش محافظا على القوانين والضوابط جميعَ الحقوق وأسباب الراحة، بخلاف الذين يتجرأون على ذكر ما كان لهم من العلاقات مع الألمان أو يسعون للفتنة وترويج الإشاعات الكاذبة، فإنا نعاقبهم بدون شفقة. (…) فيمكنكم أن تثقوا بقوتنا ثقة تامة لا سيما وقد شاهدتمونا نقوم بجلائل الأعمال في إبانها. فها نحن قد طردنا الهيبة من مراكش، ودخلت جنودنا ظافرة لتادلة وتازة وأخرجنا الزعيم الزياني من الخنيفرة. ورغما عن هذا كله فإن الحرب التي نقابلها بأوروبا لم تضعف قوانا أبدًا، وكلما أرسلنا عددًا من الجنود المرابطين هنا من مغاربة وفرنساويين ليتشرفوا بالمشاركة في القتال لإنقاذ حرية الإنسانية، يأتينا جنود آخرون ليَحلوا محل المسافرين، وزيادة على كون جنودنا الأبطال قد احتفظوا بجميع النقط التي دخلوها في الإيالة الشريفة، فإنهم ما زالوا يطاردون العصاة المتمردين إلى أن يذعنوا لنفوذ جلالة السلطان طائعين أو مكرهين”.

إن تحليل هذا الخطاب لمعرفة معنى السلام والقوة لدى الغرب، يضيق به حجم المقالة، لكن لننتبه إلى القاموس المفاهيمي:

السرور: سروره برؤية المغاربة المحتلين غير مكترثين بما يجري في العالم إبان الحرب العالمية الأولى، لأنه إنما احتلت جيوشه المغرب من أجل الربح الاقتصادي للشركات الكبرى، وهذا ما يكرره دائما النتن ياهو لدول الغرب ودول الخليج والعرب حتى يقبلوا بصفقة القرن.

النصر: نصر فرنسا فيه صنوف النجاح للمغرب: “سنخرج من هذه الحرب منتصرين انتصاراً يعود على هذه الإيالة الشريفة بصنوف النجاح”.

الاندماج: اندماج المغاربة في رعية المخزن، لكن المسكوت عنه هو إدخالهم تحت الطاعة الكاملة لسياسة فرنسا في المغرب.

الضمان: (ونحن نضمن لكل مَن يعيش محافظا على القوانين والضوابط جميعَ الحقوق وأسباب الراحة) أي السلام مقابل الخضوع التام، وإلا فالمقابل العقاب بدون شفقة.

الجرأة: وهي المخلة بمعنى الخضوع، حيث كل من يقف ضدنا ولو بالكلام يناله العقاب، فَـ (الذين يتجرَّأون على ذكر ما كان لهم من العلاقات مع الألمان أو يسعون للفتنة وترويج الإشاعات الكاذبة، فإنا نعاقبهم بدون شفقة).

الثقة: ليس في أنفسكم بل في قوتنا (فيمكنكم أن تثقوا بقوتنا ثقة تامة لا سيما وقد شاهدتمونا نقوم بجلائل الأعمال في إبانها).

الطرد والإخراج لزعماء المقاومة: هما من مظاهر قوتنا الذي يمكنكم الثقة فيها، (فها نحن قد طردنا الهيبة من مراكش، ودخلت جنودنا ظافرة لتادلة وتازة وأخرجنا الزعيم الزياني من الخنيفرة).

–  المرابطون: الرباط في المخيال الإسلامي هو الجهاد ضد الكفار، وليوطي يستعمل بعد ذكر أمثال المجاهدَين الهيبة والزياني، يثني عن الجنود المرابطين (أرسلنا عددًا من الجنود المرابطين هنا من مغاربة وفرنساويين ليتشرفوا بالمشاركة في القتال لإنقاذ حرية الإنسانية) فشرف المغربي لا يكون في قتاله من أجل دينه ولا من أجل وطنه ولا أمته بل في قتاله من أجل الإنسانية، التي يجلب لها أمثال ليوطي وترامب ونتنياهو السلام، ولو اضطروا للتقتيل والتشريد والتدمير فلا ينبغي أن يشك المغاربة والمسلمون أن ذلك من أجل السلام.

تأمل عقلاؤهم فاجتمعوا وقرروا أن يؤسسوا دعائم السلام، فأنشأوا منظمة “عصبة الأمم” لكي يوقفوا تطاحنهم ويدبروا خلافاتهم حول تقسيم قصعتنا، والتي كانت وجبتها دسمة تتكون من: “دول المسلمين المنضوية تحت الخلافة العثمانية آنذاك ودولة المغرب ذات التاريخ المجيد”، خرجت الأمم الغربية بعدها بضرورة احترام النظام الدولي الذي كان يحرس أنظمةَ استغلالنا وتشريدنا وتركيعنا، المتمثلة في نظم الحماية والانتداب والاستعمار المباشر، استعملوا لكل شعب من شعوبنا نظاما يناسبه، حتى ينزعوا منه الدسم المسموم، والزخم الجهادي النتن، -في نظرهم- فكانت حروب ومعارك كلها تشبه معركة أنوال مع عبد الكريم الخطابي رحمه الله تعالى، وعسو وباسلام وموحا وحمو الزياني.

ثم انتهت عقود التركيع التي سماها قادة السلام الفرنسيون، بـ”حروب التهدئة” في 1934م، التهدئة للشعب الثائر الذي لا أفهم لماذا يثور ضد الفرنسيين فهم إنما جاؤوا من أجل تمدينه، وترقيته كما كان يحلو للصحافة الفرنسية أن تقول للعالم لتبرير شلالات الدماء التي كانت تتسبب فيها أسلحة جيوشها.

ثم اختلفوا فكانت الحرب العالمية الثانية دمرت خلالها أوروبا تقريبا بالكامل وحسمتها أمريكا بإسقاط قنبلتين نوويتين على اليابان، فهرول الجميع إلى الاجتماع، وقرروا هذه المرة ألا يحيدوا عن السلام: لذا نصت المادة الأولى، والفقرة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة عام 1945، على ما يلي: “حفظ السلم والأمن الدولي، والعمل على منع الأسباب التي تهدد السلم وإزالتها، وقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، وتسوية المنازعات الدولية أو المواقف التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم بالوسائل السلمية”.

لهذا فكل الإبادات وكل الحروب التي يشنها الغرب “الديمقراطي” و”المتحضر” في بلداننا ومهما بلغت من القتلى في صفوف نسائنا وأطفالنا إنما هو يندرج تحت “قمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم”. فالسلام هو سلامهم وسلامتهم، والأمن إنما هو لهم، وكل أمن يمكن أن يأتي للمسلمين من مجلس الأمن يجهض مشروع قراره بفيتو أحد أعضائه الخمسة الذين يمثلون الأمم الخمسة المتحدة علينا، كما فعلت أمريكا مؤخرا لوقف الحرب في غزة.

فتدمير مفاعل تموز العراقي، وتدمير مشروع إيران النووي، وشنق صدام، وتـدمير الجيوش العربية، والتواطؤ مع السيسي في قتل مرسي بعد الانقلاب، والحرب العالمية على الإرهاب كلها تندرج نحو مفهوم السلام ومسوغات استعمال القوة لتحقيقه.

فعندما نسمع قادة الغرب ومفكريهم يتحدثون على السلام فهكذا ينبغي أن نفهم معناه، فهم متواطئون على هذا المفهوم، وهذا هو معنى السلام العالمي الذي يُضَمِّنونها في وثائقهم ومقرراتهم، ومن يُعَلم أبنائنا -بعد اليوم- مثل هذه المفاهيم ويجعلها في مقررات تعليمنا أو في خطبة الجمعة في مساجدنا، فهو متواطؤ حليف لأعداء الأمة استوعب ذلك أم لم يستوعبه، فإلى متى تكون للمسلمين قوة يصنعون بها سلامهم الخاص بهم.

إن على المسلمين اليوم أن يُلغوا من عقولهم مواعظ التعايش الداعر ودروس المحبة الخنوعة التي سمِعوها من نخبهم في مرحلة ما بين 11 من شتنبر 2001 إلى 7 أكتوبر 2024، عليهم أن يعودوا إلى خطابات ومواعظ المسلمين قبل عملية التركيع التي بدأت في منطقتنا باحتلال الجزائر سنة 1830م من طرف فرنسا أحد أعضاء مجلس الأمن. فإن أبوا وامتنعوا فليتعلموا معنى السلام من أستاذ السلام النتن ياهو.

وأخيرا نقول:

شكرا نتنياهو.. تعلمت الشعوب معنى السلام.. فهل تعلم الحكام معنى القوة؟

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
8°
19°
السبت
20°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة