شلوح وتاشلحيتْ، ومصمودة والمصامدة
محمد أقديم
هوية بريس – الأحد 13 دجنبر 2015
يمكن للباحث في تاريخ المغرب أن يلاحظ أن هناك نوعا من الغموض والالتباس اللذان يكتنفان اسمي: “مصمودة” أو “المصامدة” من جهة و”شلوح” وتاشلحيتْ” من جهة ثانية، رغم كلّ التفسيرات اللّسنية الطوبونيمية(1) والجنيالوجية النَّسَبِيَّة(2) التي تسعى إلى فهمهما وإلى تفسيرهما، وإعادة تفسيرهما، خاصة وأنّ اسم ( مصمودة – مصامدة – مصمودي) لم يرد إلا في الاسطوغرافيا العربية الإسلامية وبصيغته العربية ومنها أخذه الدّارسون الغربيون للتّاريخ والمجتمع المغربي.
كما أنّه غير متداول نهائيا في لغة القبائل التي تنحدر من هذا التجمع المصمودي التاريخي، في الوقت الذي كان فيه اسم “الشلوح” أو ” إيشلحِييْنْ”(3) هو الذي يُطلِقُه المصامدة على أنفسهم، وهو الاسم الأكثر تداولا عند غيرهم شفويا، فالهيمنة المطلقة لاسم “المصامدة” في التراث المغربي المكتوب والغيّاب التّام لاسم “شلوح” في هذا التراث المكتوب، تقابلهما السيادة المطلقة لاسم “الشلوح” في لغة التداول الشفوية والثقافة الشعبية سواء لدى الشلوح أنفسهم أو لدى العرب، والغيّاب التّام لاسم “المصامدة” في اللغة والثقافة الشعبية. ويمكن أن يُسْتنتَجَ من ذلك أن اسم “الشلوح” المتداول شفويا في الثقافة المغربية الشعبية هو الترجمة الفعلية لاسم “المصامدة” المتداول في التراث المغربي العربي المكتوب، خاصة إذا تمّ تفسير “اسم” مصمودة كاشتقاق من “صَامَدَ” و”يُصامِدُ” و”صمودا”، ممّا تعنيه من ثبات واستقرار في الموقع والمكان، وبالتالي السّكن فيه، وهي نفس الدلالة التي توحي بها معاني كلمات “ءشْلْحِيْنْ” و” ءيشَلْحْ ” في لغة تاشلحيت، حيث تعني استقَرّ وأقامَ وسَكَنَ(4).
وهذا ما يعفي الدّارسين من شقاء البحث في الأصول اللغوية لكلمة “مصمودة” في لغة تشلحيت(5) رغم أن هذه الكلمة غير متداولة شفويا في لغة تاشلحيت وفي الثقافة الشعبية المغربية، كما يريح أولئك الذين يريدون التّخلّصَ من اسم “شلوح” و”تاشلحيت”، لا لشيء سوى لأنّهم يبحثون عن دلالة لفظة ” شَلَحَ” و”شَلْحا” في القوامس العربية، فيجدونها تُفيدُ العري والسرقة وقطع الطريق، رغم أن هذه اللفظة غير متداولة في التراث المغربي المكتوب بالعربية. مع العلم أنّ اسم “شلوح” و”تاشلحيت” عريقان عراقة الأمازيغ وتمازيغت، كما أكّده ذلك مارمول كربخال (منتصف القرن السادس عشر الميلادي) بما أورده عند حديثه عن سكّان المغرب القدماء، والذين يسمّيهم بالأفارقة، والذين يقصد بهم الأمازيغ ونقلا عن ابن الرقيق القيرواني (عاش في خلال القرن العاشر الميلادي)، حيث يقول: ” إن الأفارقة القدماء الذين يسمون شلوحا أو برابرة، ولو أنّهم مشتّتون عبر إفريقيا كلّها… ويتكلّم أهل غمارة وهوارة الذين يعيشون في جبال الأطلس الصغير(يقصد جبال الرّيف) لغة عربية فاسدة، وكذلك جميع سكان بلاد البربر المقيمين بين الأطلس الكبير والبحر، ولكن سكان مرّاكش وجميع أقاليم هذه المملكة، سواء منهم النوميديون والجيتول المقيمون بجهة الغرب، يتكلّمون اللغة الإفريقية الصافية المسمّاة الشلحة وتامازيغت، وهما اسمان قديمان جدّا”(6).
و بحكم القوة الديموغرافية للشلوح المصامدة، ولانتشارهم الواسع، ولتجذّرهم التّاريخي العميق في المغرب أكثر من أمازيغي صنهاجة الأطلس المتوسط ومن أمازيغي زناتة جبال الريف، ولكون الشلوح أقلّ هذه التجمّعات القبلية الأمازيغية تَعْريبا، وأكثرها حفظا على خصوصياتها الثقافية والاجتماعية بالمقارنة مع صنهاجة وزناتة، تمّ تعميم اسم “الشلوح” في الثقافة الشعبية على باقي المجموعات القبلية غير المصمودية في المغرب، كصنهاجة الأطلس المتوسط والجنوب الشرقي رغم أنّ لها لهجتها الخاصّة وهي تَمازيغْتْ، وكزناتة جبال الرّيف رغم أنّ لها لهجتها الخاصة وهي تاريفيتْ، حيث يتمّ الحديث شعبيا على “شلوح” الأطلس المتوسط وعلى “شلوح” جبال الرّيف. ومقابل هذا التعميم شعبيا وشفويا لاسم الشلوح على كلّ أمازيغي صنهاجة وزناتة، هناك حاليا نزوع أكاديمي يقوده المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية نحو تعميم اسم الأمازيغ وتمازيغت على كل شلوح المغرب.
المراجع والإحالات:
– (يرى الاستاذ علي صدقي أزيكو أن المصامدة أو إمصمودن، من السكان الأصليين بشمال غرب افريقيا، كفلاحين مستقرين مرتبطين بالأرض، لذلك فمصطلح في مختلف تفسيراته تحيل على ذلك. فكلمة مصمودة أو مصمود كلمة أمازيغية مركبة يمكن أن يتم تفكيكها وفهمها وفق ثلاثة أطروحات :
أ- أنها مركبة من: 1- مص( (ms – mess – mas و2- أمود(amud). فكلمة مص تعني وترمز لمالك شيء ما أو مزاولة عمل ما (رعي الغنم أو فلاحة الأرض أو القنص أو أي عمل). أما كلمة أمود (amud) فتعني وترمز للبذور والبذر والزرعة والزراعة والحرث ووقت الحرث. وبالتالي ف كلمة مصمود المركبة ((msmud – mes+mud تعني الناس المالكين للبذور أو الممارسين لعمية البذر ـ أو المتعودين على زراعة الارض، أي المزارعين والفلاحين.
ب: كلمة أمصمود (amsmud) مشتقة من أمز أمود ((ammezzamud، وحيث يقلب حرف الزاي دائما الى حرف الصاد في حالة تعريب الكلمة الأمازيغية، مثل الصلاة: تزاليت والصوم : أزوم. وكلمة أمز (amezz) بدورها مركبة من أم(am) واز ezz))، فأم (am) في الأمازيغية هي بداية الكلمة(préfixe) التي غالبا ما يبدأ بها اسم المفعول، واز(ezz) أو زو ثم ازا وأزو تعني غرس أو الغرس والزرع . ثم كلمة أمود التي تعني البذور والبذر ثم الزرع، ليركب الجميع في أمزمود(amzzmud) وأمصمود (amsmud) التي تعني الزارع للبذور والغارس للغرس أو المزارع والفلاح .
2)- يقول ابن خلدون في تتبّعه لنسب المصامدة: “وأما المصامدة وهم من ولد مصمود بن يونس بن بربر فهم أكثر قبائل البربر وأوفرهم” – “كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ون عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر- الصفحة 245 المجلد السادس-منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية بيروت لبنان- الطبعة الثانية 2003- ص:245.
3)- اسم “الشلوح” ومفرده “الشّلح” ولغته تاشلحيت، هو الاسم الأصلي الذي أطلقه سكّان المغرب الأصليين المصامدة في الأطلس الكبير وحوز مراكش وسوس والأطلس الصغير على أنفسهم، وما زالوا لم يرضوا عنه بديلا. وفي لغة تاشلحيث فعل “ءِيشَلْحْ” يعني استقرّ وأقام وسكن، مما يفيد أن اسم “الشلوح” يعني المستقرين والمقيمين أو السكان المستقرين، ولا معنى ولا فائدة من اللجوء الى البحث عن دلالة كلمة “الشلح” و”الشلوح” في اللغات الأخرى غير تاشلحيث، أما الذهاب الى تفسيره وشرحه في اللغة العربية فذلك قمّة الإجحاف اللغوي والتعسّف العلمي، لأن شرح وتفسير اسم من أسماء الأعلام البشرية والجغرافية في علم الطبونيما يقتضي الرجوع في البحث عن دلالته إلى لغة المعنيين به، أي عندما نريد البحث عن شرح وتفسير كلمة “الشلوح” و”تاشلحيت” يجب العودة بها الى لغة تاشلحيت، وليس الى البحث عن دلالتها في لغات شعوب أخرى. ونفس الشيء بالنسبة لاسم “أمازيغ” و”تامزيغت” فيجب البحث عن دلالتها في لغة “تمازيغت”، وليس في اللغة العربية أو اللاتيية أو أية لغة أخرى، فمن المحتمل جِدا أن تكون هناك ألفاظ متشابهة في لغتين مختلفتين أو لغات متعددة، ولكنها تختلف أو قد تتناقض في دلالتها في كل لغة على حدى. وعليه فإذا كانت كلمة “الشلح” وفعل “شلح” في اللغة العربية يفيد العري و السرقة والنهب وقطع الطريق، فهذه الدلالة لا يمكن أن تُلْزِم بها اللغة العربية لغة تاشلحيث أو تمازيغت أو الألمانية أو الهندية، فيجب البحث عن معنى “الشلح” و”تاشلحيت في لغة تاشلحيت وليس في غيرها، خاصة وأنّ هناك غياب تامّ لاسم “شلوحّ” في التراث العربي المغربي المكتوب.
4)- التقي العلوي – أصول المغاربة: القسم البربري -شعب المصامدة- مجلة البحث العلمي – المركز الجامعي للبحث الرباط – السنة 14 العدد 28 سنة 1977 – 213.
5)- كما فعل الأستاذ علي صدقي أزيكو في المرجع المشار إليه في الهامش 18.
6)- مارمول كربخال – إفريقيا – الجزء الأول ترجمة: محمد حجي ومحمد زنيبر ومحمد الأخضر وأحمد توفيق وأحمد بجلّون – منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنّشر – مكتبة المعارف الرباط – الطبعة 1 سنة 1984 – ص:115-116.