شل المجتمع من الداخل بتخريب أخلاقه
هوية بريس – إبراهيم الناية
ان النظام هو القانون الذي يسود الكون، وكل حركة لا تسير في اتجاه نظام الكون، حركة تسير في الاتجاه المناقض لقانون الوجود، والحياة قائمة على النظام، وليست مبنية على الفوضى. وكل المحاولات التي تريد ان تنحرف ببوصلة النظام نحو التسيب ستفشل لا محالة، لأنها مخالفة لقانون الفطرة القائم على التوازن والنظام، فالشعوب التي تريد ان تخطو الى الامام وتحافظ على كينونتها وتتحرر من التبعية وتكون لها ارادة حرة ومستقلة عليها ان تحصن نفسها من عوامل الغزو والدمار والتخريب والفوضى. ،ولكن هناك مسألة اصبحت تعاني منها مجتمعاتنا. متجلية في تصدر المشهد مجموعة من التافهين الذين يتحدثون عن كل شيء ويعتبرون انفسهم الممثلين لحركة التاريخ والمؤهلين للخوض في اعقد امور العلم والسياسة والاقتصاد ، بل جعلهم غرورهم وجهلهم يصدرون فتاوي شرعية لما لا قبل لهم به، وهذا يعني ان المجتمع اصبح يسلك مسلك السطحية والتفاهة والميوعة ، وللعلم فهؤلاء لا يصدرون حقيقة عن مشروع فكري متماسك ومنسجم له أسسه ومبادؤه في السياسة والاقتصاد والثقافة. وانما كل ما يقومون به هو عبارة عن عربدة فكرية او بلطجة. الهدف منها التخريب، ولذلك هؤلاء لا يهتمون بالجانب الاقتصادي او تحقيق العدل والمساواة في الحقوق والواجبات. بل يركزون فقط على تدمير القيم المرتبطة بالاخلاق الاسلامية والعمل على تفكيك الاسرة والتشكيك في كل شيء له صلة بالاسلام، وإحداث الشرخ في المجتمع.
لكن هذا النوع من التفكير لم يأت من فراغ بل هناك اسباب ادت الى ان يسود داخل مجتمعاتنا
-فهناك المدرسة الاستعمارية ودورها في تشكل عقل دعاة النزعة العنصرية الذين يهدفون الى محاربة الاسلام والعربية -ثم توظيف بعض اطروحات فلاسفة غربيين مشهورين بمواقفهم من الدين والقيم الاخلاقية كماركس و فرويد ودوركايم ونيتشه وسارتر وفوكو …وغيرهم كثير، بالاضافة الى الاستراتيجية القديمة التي دعا اليها اخوان الصفا وتبناها كل من يريد تدمير بنية اي مجتمع. وهي: تسيطروا على النفوس لتسهل لكم السيطرة على الابدان. وعلى نفس المنوال ذهبت كثير من الاحزاب الشيوعية في النصف الاول من القرن العشرين الى تبني مبدأ شل حركة الخصم من الداخل التي ادت الى اصابة المجتمع في تماسكه والدعوة الى انهيار القيم كما لا يمكن استبعاد المبدأ الذي وظفه الاستعمار الانجليزي من اجل الهيمنة: وهو بطيء ولكنه اكيد المفعول اي مبدأ خطوة ،خطوة حتى يألفه الناس ويصبح امرا معتادا ثم بعد ذلك يتم تبليد احساسهم.
لكن ما هي وسائل التنفيد من اجل بلوغ الهدف؟
*_اولا_* تسخير وسائل الاعلام المأجورة لتخريب اخلاق المجتمع واشاعة النذالة والسقوط، وكانهم يتعاملون مع جالية وليس مع مجتمع له خصوصيته، وقد ساعدها في ذلك غياب التعددية الفكرية داخل وسائل الاعلام الرسمية ،وعدم اتاحة الفرصة للرأي المخالف. ولذلك نجد وتحت شعار الفرجة يتم تدمير المبادئ والقيم واشاعة اللامبالاة. وهكذا نرى جمعا من الشباب يحملون الكاميرات ويقومون باجراء لقاءات دون اذن ودون مراعاة عقيدة المجتمع واخلاقه. لان الهدف هو الربح المادي ليس الا ، ولم تعد هناك خطوط حمراء ينبغي احترامها، بل كل شيء اصبح مباحا. ولا حرج في انتهاكه فقد ترسخت في عقلية بعض الشباب ان كل شيء يمكن ان يأتي بسهولة، ولذلك يجب البحث عن الاغتناء باسرع وقت ممكن وباسهل الطرق والبحث عن المال بأية وسيلة دون التقيد بمنطق الحلال والحرام ،وهذا ما تدعو اليه الرأسمالية المتوحشة فالكل اصبح مباحا، ولا اريد ان ابرئ المدرسة المغربية من هذا الاثم فالطفل عندما يترسخ في ذهنه ان بامكانه ان يحصل على شيء لا يستحقه، او يصل الى هدف دون أن يبذل فيه مجهودا. فممارسة الشباب هي نتيجة لما توطن في ذهنيتهم. ولذلك فمثل هؤلاء الشباب الذين نشؤوا في مثل هذه الوضعيات لا يمكن ان يدافعوا عن الاوطان. لانهم فاقدون للذات والهوية ويعيشون حالة من الاسترخاء.
*ثانيا* ومن بين وسائل التنفيذ، الترويج للخرافات والشعوذة تحت عناوين مختلفة كاحياء تراث بعض الاعراق والقوميات ينضاف الى ذلك التهليل للمهرجانات والمواسم التي لا تحترم الثوابت والقيم، ولا غرابة في ذلك.
فالاستراتيجية التي تتحرك عليها قوى الاستعمار هي اشاعة الرذائل والفواحش في المجتمعات من اجل تخريبها لتسهل السيطرة عليها، وعلى هذا الأساس وظفت دول الاستعمار والاستكبار طابورا من الاتباع يحملون رؤيتها في الحياة وهم بمثابة كتيبة متقدمة لتسهيل السيطرة والاحتلال ، والادهى من ذلك ان نجد حاخامات اليهود يصدرون الفتاوي لبنات اليهود لكي يمارسن الرذيلة مع المتماهين معهم لتخريبهم والسيطرة عليهم. لأن المتدينين الفلسطينيين لم يجد الصهاينة سبيلا للوصول اليهم.
لكن ما هي مظاهر التخريب او الافلاس المجتمعي التي تظهر جلية عندما تنهار القيم والاخلاق؟
1 اول مظاهر التخريب انتشار عبادة الاشياء. وتقديس الماديات الى ابعد الحدود. واصبح المبرر الذي يركب عليه الكثير هو البحث عن المال. وقد نجد اساسا فلسفيا لهذا التصور فالفيلسوف الالماني كارل ماركس يرى ان تحقيق مملكة الضرورة قبل تحقيق مملكة الحرية، فالطعام قبل كل شيء. ولذلك فالفلسفة المادية ترى ان تاريخ البشر هو تاريخ البحث عن الطعام ،فاصبح الناس يلهثون وراء الماديات ولم يعد يعنيهم الكلام عن الكرامة والمروءة والحرية.
2 غياب النزاهة وانتشار عقلية الزبونية. ومحاربة ثقافة الاستقامة واشاعة عقلية عدم القيام بالواجب.
3 انتشار الامراض الاجتماعية او العاهات التي اصبحت تهز كيان المجتمع. والتي تجعله يسير نحو طريق الذوبان والتلاشي : مثل الغش، والنصب والاحتيال، والاتجار بالمخدرات، والاتجار بالبشر، وخيانة الامانة، وخيانة المجالس ،الكذب والبهتان، وقذف المحصنات ،والدعوة الى انتشار الزنا واللواط، وظهور ابناء الزنا في الوسط الاجتماعي، وتفشي ظاهرة الربا والاحتكار، واكل الحرام بكل اشكاله واصنافه ،وتحليل شرب الخمر والقمار، وانتشار الرشوة، وتمجيد الفساد الاخلاقي، وتخريب الاسرة، وانتشار العري ،وكشف عورات البيوت ، وتكديس المال في يد فئة قليلة ، وانتشار الفقر ،وعدم التساوي والاستفادة في الانتفاع من خيرات البلد، وتدمير التعليم والطعن في القدوة، واعلاء شأن الساقطين والتافهين… وهذه نماذج فقط.
ولذلك ان القيم والاخلاق هي الركيزة الاساسية في استمرار المجتمعات والحضارات فعندما تنهار القيم والاخلاق فعلى المجتمع ان ينتظر السقوط المدوي والفناء والعدم.
وعليه فلا بد من صياغة بنيات المجتمع في كل تفاصيلها على اساس العلم والايمان والقيم الاخلاقية الفاضلة وغير ذلك لن يكون الا الدوران في الحلقة المفرغة لا سيما عندما فشلت المدرسة في تبليغ رسالة العلم والإيمان.