شمولية الإسلام وخطأ تجزيئه!!

هوية بريس – نور الدين درواش
الإسلام دين شامل وكامل، وقد جاء لتحقيق سعادة العباد في الدنيا والآخرة، إذ يهدف إلى جلب المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها. ولذلك، جاء الإسلام بالعقيدة السليمة الصافية، والعبادة الصحيحة والمعاملات الشرعية والسلوك الأمثل، داعيًا إلى كل خير وفضيلة، حاثًّا على مكارم الأخلاق والعدل والرحمة والتعاون والصدق والكرم. وفي المقابل، حذّر الإسلام من كل شر ورذيلة، كالظلم، والكذب، والعدوان، والفحش، وأمر بتجنبها لما لها من آثار سلبية على الفرد والمجتمع.
بهذا الشمول يتحقق التوازن في حياة الإنسان، ويُضمن له السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة،
قال تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: 77].
وقد أمر الله تعالى بالتمسك بالدين الكامل الذي ارتضاه لعباده، فقال:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة: 208].
قال ابن كثير: “يقول الله تعالى آمرًا عباده المؤمنين به، المصدقين برسوله، أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره، وترك جميع زواجره، ما استطاعوا من ذلك”.
وحذّر سبحانه من تجزيء الدين، أي الأخذ ببعضه وترك بعضه، فقال: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ [البقرة: 85].
ومن صور معارضة شمولية الإسلام العلمانية التي تعتبر من أبرز التيارات التي تناقض هذه الشمولية، فهي تدعو إلى فصل الدين عن الحياة، بينما جاء الإسلام لينظّم كل جوانب الحياة.
قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام: 162-163].
ومن صور مناقضة الشمولية أن ينتقي الإنسان من الدين ما يناسبه، ويغفل عن الجوانب الأخرى. وقد ظهر هذا أول ما ظهر بعد وفاة النبي ﷺ حين امتنع بعض القوم عن أداء الزكاة، فقال أبو بكر رضي الله عنه: “والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه إلى رسول الله ﷺ لقاتلتهم على منعه” [متفق عليه].
لقد كان هذا موقفًا عظيمًا من الصديق رضي الله عنه في وجه فتنة أرادت نقض عروة من عرى الإسلام.
وفي عصرنا الحالي تتكرس هذه الانتقائية بقبول إسلام شكلي خالٍ من الالتزام الحقيقي؛ فمن النساء من تصلي لكنها لا تتحجّب، ومنهم أو يحجّ ويعتمر ولكنه لا يتحرّى الحلال في ماله ولا يعترف بحاكمية الإسلام في معاملاته.
ومن أخطر ما يُناقض شمولية الإسلام، تلك المناهج المنحرفة كالتشيع، والباطنية، والبهائية، والقاديانية وغيرها، التي تدّعي الانتساب للإسلام لكنها تُخالف أصوله وثوابته. والتحذير من هذه المناهج واجب شرعي لا يسقط إلا بقيام الكفاية.
ومما يعارض شمولية الإسلام ويهددها المناهج والتيارات الخارجية التي تستهدف الإسلام وهويته، ومنها:
-الصهيونية: التي تهدف لتفتيت وحدة المسلمين وزرع الفتن.
-اللادينية المعاصرة: التي تسعى لعلمنة العالم الإسلامي.
-الاستشراق: الذي يشكّك في مصادر الإسلام.
-الاستعمار: الذي يسعى للسيطرة المادية والثقافية.
وقد نبّه نبينا إلى أهمية حماية الدين من هذه الأخطار فقال ﷺ: “يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ” السنن الكبرى للبيهقي.
ومن الأخطاء الشائعة أن يتحوّل التحذير من بعض المناهج أو الجماعات إلى غلو مفرط، بحيث يُختزل العمل الدعوي كله في نقد المنهج الفلاني أو التحذير منه، فيتحوّل المشروع إلى هوس سلبي بدلاً من أن يكون دعوة بنّاءة.
ومن مظاهر هذا الغلو وتجلياته على الساحة:
-تمزيق الصف الإسلامي في وقت تكون الحاجة فيه ماسة إلى الوحدة لمواجهة خطر أعظم.
-الانشغال بالخصومات والجدال على حساب العمل الإصلاحي.
-الإقصاء لكل من يخالف في جزئية، وإن وافق في الأصول.
-التهوين من خطر بعض الانحرافات لتضخيم خطر أخرى.
-غياب العدل والإنصاف في الحكم على التيارات والمناهج.
إن الطريق السليم لمواجهة هذه التحديات يكون من خلال التأصيل والتركيز على البناء العلمي للمسلمين عامة؛ ولمن سيحملون مشعل الدعوة في قادم الأيام؛ وذلك لتربية جيل يفقه الإسلام بشموله مع وعي بالمخاطر وطرق التعامل معها والرد عليها بعلم واتزان؛ بعيدا عن العاطفة أو الظلم أو التجني.
قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأنعام: 55].



