صحافتنا والحاجة إلى المراجعة والتقويم
هوية بريس – د. محمد أكجيم
لا يمتري عاقل في دور الصحافة في عصرنا الحاضر في إفادة الرأي العام في كثير من القضايا التي تشغل باله وتتثير اهتمامه، وتؤثر في حياته حالا ومآلا؛ إذ تساعد على الحصول على المعلومة الصحيحة من مصادرها، وتتيح الفرصة للحوار وإبداء الرأي في اتخاذ الموقف الأصلح للفرد والمجتمع حيالها.
فمن قضية تساعد فيها في نصرة مظلوم، أو مساعدة محروم، وأخرى تنبه فيها على خطر يُتلافى، ومن قضايا تساعد فيها على نشر الوعي المجتمعي السليم، في عالم يموج بصحيح التصورات وباطلها.
غير أن هذا الدور المنشود، لا يمكن أن يتحقق ويظل قائما، متى انحرفت بوصلة العمل الصحفي عن أدبياته وأخلاقياته وأسسه، وأهدافه النبيلة، باسم الحرية والتحرر من القيود. ومتى خلا من المراجعة لمسيرته والتقويم لحصيلته بين فينة وأخرى.
فما من شيء إلا ويحتاج في نجاعته وأداء وظيفته إلى ضوابط تبطه وبوصلة توجهه، وإلا قاد صاحبه إلى الهاوية وإلى المجهول.
وإن أساس العمل الصحفي الذي يضمن نجاحه، هو:
- تحري الصحة والصدق في نقل المعلومات والأخبار، قبل نشرها وإعلانها.
وأن يكون الهدهد أعقل وآمن وأثبت من الإنسان فيما ينقله من الأخبار، فيما حكاه الله تعالى من قوله لنبيه سليمان عليه السلام حيث قال: “وجئتك من سبأ بنبأ يقين” [النمل:22]. فعجب عجاب.
- التمييز بين ما تقتضي المصلحة نشره وإعلانه، وما هو بعكس ذلك مما تقتضي المهنية والمسؤولية عدم نشره، وأحرى القيام بعمل دور مشبوه في إذكاء الفتن من خلاله في أوساط المجتمع.
والأمر كما هو متعلق بالكلمة، فكذلك هو متعلق بالصورة في ضرورة اختيار الأنسب منها، مما يراعي شعور المجتمع، ولا يخدش الحياء العام، ولا يساهم في نشر الرذيلة.
وعبثا وباطلا أن يسوغ النشر لبعض ما لا يسوغ نشره باسم الحرية، من غير ضابط ولا تمييز.
إذ من المقطوع به المعلوم: أن المستتر بقناع الحرية، لا ينفك عن الاختيار فيما ينشره، حسب مزاجه وهواه.
- الموضوعية التي تتيح لكل طرف إبداء رأيه، كما باقي الأطراف الأخرى.
- عدم الخضوع لرغبات الناس وأذواقهم وابتزازهم، والحرص على استقطابهم ورفع نسبة متابعتهم، ولو على حساب الضوابط والأسس التي تضمن النجاح الحقيقي لسيرورة العمل.
إن نقل الخطإ من الأخبار في قضية ما، وأحرى التحامل أو الكذب المتعمد فيها، كفيل أن يفقد الثقة والموضوعية في الجهة التي صدر من قبلها. ناهيك عما يمكن أن تتسبب فيه للفرد أو المجتمع من أضرار ومفاسد وويلات. وما يغني الاعتذار، بعد الاعتذار، بعد الاعتذار…
وخلاصة القول: إن المنهج الأمثل الكامل لأداء الصحفي لعمله على الوجه المطلوب، الذي يضطلع فيه بدور إيجابي في خدمة مجتمعه وأمته، هو ما هدى إليه ديننا الإسلامي الحنيف وأرشد؛ من تعاليم سامية ومبادئ قويمة؛ مما ذكرنا في هذا المقال أسسه وكلياته ومجملاته.
والله الموفق الهادي إلى سواء السبيل.