صحراؤنا الحبيبة وكيف نواجه احتمال تجدد الجرح؟؟
هوية بريس – الحبيب عكي
احتمال تجدد الجرح النازف، على اعتبار أن أحداث “الكركرات” الأخيرة معزولة في جغرافيتها ومنفذيها، مستنكرة من طرف الرأي العام الوطني والدولي، ومحسومة من طرف قواتنا المسلحة الملكية الساهرة على الحدود المرابطة في التخوم فتحية لها وهي القوات اليقظة والجاهزة والرادعة، ولكن إذا ما أضفنا إلى هذه الأحداث، الأحداث المتكررة لانفصاليي الداخل في “العيون” و “أوسرد” وغيرها، وهي تحاول تأسيس فرع الانفصاليين وتنظيم مظاهرات تضامنية معهم ترفع فيها أعلامهم وشعارات مؤيدة لهم، يصبح الأمر غير معزول ولا عادي وإن اتسم بكثير من الهدوء فربما هدوء يسبق العاصفة أو قلاقل على الأقل، نعم عاصفة وقلاقل، لأنه رغم مرور عقود من الزمن لا تزال هناك العديد من المعضلات التي تعتمل في القضية ولا تعمل – مع الأسف – إلا على تأجيج صراعها المحتدم ومن ذلك:
-استرجاع المغرب لصحرائه بطرق قانونية ومشروعة، ورفض جزء من السكان لذلك مما دفعهم للفرار إلى مخيمات ” تندوف” بالجزائر وحمل السلاح من هناك.
-حرب مسلحة وجراحها التي لا تندمل خاصة بالنسبة لكل من فقد فيها شخصا قريبا أو هجرته من بلدته أو مزقت أوصاله وفرقت بينه وبين أسرته وأحبابه.
-ملحمة قوة الاستثمار المغربي في المنطقة في شتى المجالات والتي لم تؤدي على ما يبدو إلى ما كان مرجوا منها من قوة الاستقرار، خاصة عند فئات معينة.
-التغاضي الأعمى للانفصاليين عن الحقائق التاريخية في الموضوع وعلاقات الصحراويين بالملوك العلويين المتمثلة في روابط البيعة، وهي حقائق منصفة ودامغة.
-الرهان على إطالة عمر القضية وتوالد فصولها واجترار مآسيها، لاستنزاف كل الأطراف وابتزازها، بل وتدخل هيئات ومنظمات وأطراف أخرى دولية واسترزاق بعضها في الموضوع.
صحيح، أن القضية قد عرفت العديد من محاولات علاج الأزمة والخروج من براثينها وقيودها وإكراهاتها، وتحقيق السلم والتنمية والاستقرار في المنطقة، بدء من مقترح إحصاء السكان وإجراء الاستفتاء، إلى خيار تقرير المصير لتحرير الصحراويين المحتزين في المخيمات من القرار الجبري للطغمة الحاكمة، إلى فسحة “إن الوطن غفور رحيم” الذي مكن عشرات الآلاف من العودة إلى أحضان الوطن، والاستقرار فيه في بحبوحة من الاستثمار الشامل والتنمية المستدامة والحياة التمثيلية والنيابية والمدنية التي يمارس فيها السكان السلطة بكل حرية ومسؤولية ومواطنة، إلى الخيار الأخير لمقترح الحكم الذاتي والجهوية الموسعة، التي ستحفظ للجميع كرامته وماء وجهه، لا غالب ولا مغلوب، كما أن هذا المقترح سيشكل قيمة مضافة وقفزة نوعية في كل التدبير السياسي للمغرب، بتعميمه على كل جهات المغرب في إطار من الاستقلالية المحلية والوحدة الوطنية والتكامل الاقتصادي والتضامن الاجتماعي؟؟
ولكن، تبقى هناك عقبات في طريق الحل النهائي، يمكن في الحقيقة تجاوزها والتغلب عليها كلما خلصت النوايا وروعيت المصالح العليا للوطن واستقرار المنطقة وازدهارها وتحصينها ضد المحتمل من تجدد الصراعات المجانية الهوجاء، ومن ذلك:
-ينبغي عدم التركيز على الأخطاء ضد الوحدة والمشروعية، خاصة ما فيه إحساس بالإهانة أو تشتم منه رائحة حلول الأمس المتجاوزة أو العوائق العاطفية لتمزيق الأرحام وهجر الأوطان والوجد على السلطان؟.
-عدم خرق إطلاق النار بأي ثمن، باعتبار الحرب المسلحة معضلة إنسانية لا تخدم أي أحد من الشعوب والأمم، ولا تليق بين أبناء الشعب الواحد مهما بلغت بينهم الخلافات والتجاوزات، فالسلمية السلمية وحسن التفاوض؟.
– ضرورة فك الاحتجاز القسري في المخيمات، لامتلاك محتجزيها القرار السيادي، من يريد منهم العودة ومن يريد منهم المكوث هناك في جحيمها، ولو على ذل الإذعان و العيش على استجداء المساعدات والتلاعب بها؟.
– ضرورة الحوار المباشر مع الشقيقة الجزائر، إن على مستوى السلطة وصناع القرار، أو على مستوى الشعوب ومجتمعها المدني ونخب مبادراتها، لأن تورطها في القضية على أزيد من أربعة عقود نفقة وعنترية وتجاذبات، لا يمكن أن يكون بدون ثمن استحقاقا أو حتى خسارة، ولا يمكن أن يكون كمن يسترد أبنائه الغاضبين أو الخائفين من جدة أو جارة بمجرد “اسمحي لنا عذبناك..الله يرحم الوالدين..والله يخلف عليكم”؟.
-تقوية الإجماع الوطني والتدبير التشاركي للملف، وهو الحاصل اليوم والحمد لله أكثر من أي وقت مضى، ولكن لابد للمنتظم الدولي أن يسنده ويتحمل مسؤوليته في الحفاظ على أمن المنطقة وحل نزاعها بطرق سلمية، لا كما رأينا اليوم “مينورسو” لم يفعل شيئا لردع مرتزقة “الكركرات”، و 163 دولة (حوالي 85 % من دول العالم) لا تعترف بدويلة الوهم المزعومة، ولابد من دبلوماسية سياسية وموازية تستثمر في هذا المعطى الترجيحي؟.
-ضرورة الاستثمار في الإسمنت المسلح للوحدة الوطنية بكل روافدها وغناها، وهو محاربة الفكر الشيوعي المنقرض في كل العالم إلا في أمخاخ الانفصاليين، وذلك بدعم شيوع الفكر الوطني وقيمه الحضارية البانية والتوحيدية والوحدوية كقيم الصدق في القول والفعل..والمواطنة والمشروعية..والحرية والكرامة..والمؤسسات والتنمية..والعدالة المجالية.. والجهوية والإنصاف..، ولابد أن تكون لمختلف الفاعلين من العلماء والشيوخ والشباب والمثقفين والخبراء.. مكانتهم اللائقة في هذا المشروع؟.
-ضرورة النظر بعين العقل إلى العديد من الأمور الأساسية وعلى رأسها – كما قلنا – عدم تجاوز الحقائق التاريخية التي تحفظ الحق المشروع للمغرب في الصحراء، مراجعة الحلم الثوري الموهوم الذي يريد أن يتجاوز الوحدة والمشروعية، وقراءة ذلك في ظل أحداث المغرب المعاصر التي ما واجهت فيها أية طائفة بملتها أو عصابة بنحلتها يمينية كانت أو يسارية أو حتى عسكرية، ما واجهت قيم الوحدة والمشروعية والمؤسسات إلا وعلى نفسها جنت براقيش؟.
–ضرورة تفجير النقاش الحر والمسؤول في إطار المؤسسات التشريعية، حول خيرات الصحراء البحرية والبرية والجوية، وعائدها على ساكنة المنطقة و كل الوطن وبأي حكامة تدبر ومن طرف أي مسؤول، وكيف لم يمنحهم كل ذلك ما يستحقون من مستشفى جامعي أو كلية جامعة..؟، هذا بالإضافة إلى القدر الخيالي المخصص للنموذج التنموي لأقاليم الصحراء والمقدر ب 77 مليار درهم، ما لم تحظى به جهات مماثلة من حيث أمس الحاجة والبنيات التحتية (طنجة الحسيمة و درعة تافيلالت نموذجا)؟.
–ضرورة الاستمرار والاستثمار في الملحمة الوطنية لما تعرفه الصحراء وكل الوطن من مشاريع تنموية وسياسات تدبيرية وحياة مدنية حرة كريمة بينها وبين جحيم المخيمات واستجدائها سنوات وسنوات ضوئية؟، وهي خيرات يقطع الناس من أجلها الفيافي ويقضون في أعالي البحار، فكيف نزهد فيها ونستخف بها وهي بين أيدينا وفي أوطاننا؟،
–كفانا من التبخيس والتيئيس وحذاري من الاستجابة للاستفزازات والمناوشات المغرضة التي تسعى يائسة إلى جر الوطن الحبيب إلى معارك جانبية والتشويش على معاركه الحقيقية مع الانتقال الديمقراطي و التنموي والحقوقي، حتى يبقى المغرب في صحرائه منعما والصحراء في مغربيها مكرمة، وتبقى كل أجيال المسيرة وروح المسيرة وقسم المسيرة ونحن منها، في تعبئة شاملة ودائمة تفدي وطنها بالغالي والنفيس تحت شعارها الخالد:الله..الوطن..الملك؟؟.