صراع المدونة بين الإسلام وعلمانيةِ “التَّكَلْبُن”.. فلِمن ستنتصر الدولة؟؟
هوية بريس – إبراهيم الطالب
لا شك أن الأسرة المغربية تعيش وضعا يهدد تماسكها بقوة، وَضْعٌ أنتجته سياسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والإعلامية، والتي قتلت كثيرا من القيم الأسرية والمفاهيم المتعلقة بها، هاته القيم والمفاهيم التي حافظت على تماسك المغرب والمغاربة وتكافلهم طيلة قرون.
فقد انتقلنا في مغربنا الحبيب من مجتمع الأسر الممتدة إلى مجتمع الأسر النووية، وهذا الانتقال يُعتبر المرحلة الأخيرة قبل انتقال المجتمع إلى وضعية تحَكُّم الفردانية، بعدها تتحكم الشركات الاقتصادية الرأسمالية بالكامل في مصائر العباد، الذين يدخلون حالة “الاستعباد الصناعي”، والذي يعد من مظاهر الدولة الحديثة الحداثية بعد أن خلَف “نظام العبودية الزراعية” في أوروبا وأمريكا خلال القرون الوسطى.
وما دمنا في المغرب قد فتحنا كل أبواب المجتمع على مهب الرياح الغربية الحداثية والعلمانية، فوصولنا إلى مرحلة الاستعباد الصناعي الكامل وشيك غير مستبعد ولا بعيد، فقد بدأ مع الغزو الفرنسي العلماني للمغرب، واستمر طيلة مرحلة “الاستقلال”، فإن لم تتحمل الدولة اليوم واجبها، بكل مؤسساتها وأجهزتها الممارسة للمسؤوليات العمومية، فلن يبقى شعب مسلم ولا دولة مسلمة.
في هذا الوضع وفي هذا السياق “التطوري”، نبدأ الجولة الثانية من عملية تعديل مدونة الأسرة المغربية المسلمة؛ وينبغي أن نسطر على هذا الوصف “المسلمة” لأننا في المغرب لدينا مدونتان:
– مدونة تعنى بالأسر اليهودية، ولا يتدخل فيها أحد سوى حاخاماتِهم المتشددين في تطبيق شريعتهم، والتي هي فوق النقد الحداثي العلماني رغم غرقها في الرجعية واستعباد المرأة وتحقيرها.
– ومدونة الأسرة المسلمة، التي يراد لها أن تكون تابعة للتطوير العلماني القسري الممارس في حقها طول الوقت.
فكيف يتم هذا التطوير القسري للمجتمع المغرب؟
يتم ذلك عندما نقوم بتسليط القصف الإعلامي العلماني على المجتمع، وبممارسة التوجيه الممنهج للقناعات والمعتقدات من خلال مئات المواد التلفزية، وكذا بالانفتاح الكامل المتسيب على ما يروج في وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع والقنوات الإلكترونية والفضائية، حيث نجد الدولة تلتزم الحياد، وتترك المجتمع فريسة لكل المواقع والجهات والاستهدافات سواء الإباحية أم الإلحادية أم التنصيرية أم الشيعية، فالدولة لا تمارس أي رقابة ولا منع ولا حجب على الجهات المذكورة رغم آثارها البالغة الخطورة.
وبانتهاج هذه السياسة، طبيعي أن يتطور المجتمع بشكل قسري نحو العلمانية الشاملة، خصوصا بعد التضييق الذي عرفته التيارات الإسلامية خلال مرحلة الحرب على الإرهاب والتي عرفت كذلك تحييدا لمنابر مساجد المملكة، وإقالات بالجملة في حق المئات من الخطباء المؤثرين والعلماء البارزين.
والمتتبع العاقل الحصيف لما جرى خلال قرابة الربع قرن الأخير، يدرك خطورة ما وقع من تدابير واتخذ من قرارات، تأسست جلها على مبدأ إطلاق الحرية للعلمانيين في تأطير الشعب، وبالمقابل منع مصادر إنتاج الخطاب الإسلامي الواعي بخطورة العلمانية وامتداداتها، وحرمان أهله من الاشتغال بحرية وهذا ما نسميه “التطوير القسري للمجتمع المغربي”.
فإذا عملت الدولة على منع الدعاة والعلماء بدعوى أنهم ينتجون خطابا متطرفا، فسلبتهم منابرهم وكممت أفواههم، وبالمقابل مكَّنت العلمانيين من إيصال تصوراتهم للكون والإنسان والحياة بكل حرية، واستجابت لهم بتعديل المقررات الدراسية، في الوقت الذي تعتمد فيه بصرامة سياسة تحييد المساجد من الصراع الفكري والاعتقادي، كل هذا مع الاصرار على تمويل الإنتاجات الدرامية من المال العام -مِثل ما ينتجه نبيل عيوش وأمثاله-، وكذا الدعم المبالغ فيه للمنابر العلمانية المتطرفة التي لا تتورع عن نشر الإلحاد والفسق والانحلال ومعاداة الإسلام وشرائعه جهارا، فحينها تكون الدولة بهذه السياسة ترعى عملية “التطوير القسري للمجتمع المغربي” سواء كانت الدولة على وعي بذلك أم لا.
صحيحٌ أن مدونة الأسرة مجردُ مجموعة من الأحكام القانونية، لكنها ليست كباقي القوانين الوضعية التي تقبل أن تخضع للتطور المجتمعي؛ وذلك لما يلي:
أولا: لأنها أحكام شرعية ربانية فوقية ملزمة للجميع ومن أهم خصائصها الاستمرار، فلا تؤثر فيها أهواء البشر ولا تخضع للسلطة التنفيذية أو التشريعية أو القضائية إلا بالتعسف، وذلك لأنها -بكل يسر- حاكمةٌ غير محكومة بنص القرآن الكريم والسنة الشريفة.
ثانيا: وتأسيسا على الأمر الأول، ينبغي أن نطور المجتمع في الاتجاه الذي يسمح بارتقاء أفراده حتى يستجيبوا لمقتضيات الشرع، لا أن “نجتهد” اجتهادا متعسفا غير منضبط بشروط الاجتهاد الشرعية وقواعده المرعية، فإن لم نفعل نكون خاضعين لنتائج عملية “التطوير القسري”.
ثالثا: إذا كنا لا نزال نؤمن بالله سبحانه، ولا نزال نعتبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوتنا الواجبة الاتباع، فلدينا سيرته صلى الله عليه وسلم، فقد بُعث في مجتمع كانت الأسرة أساسه، فجعل همه الكبير أن تستجيب هاته الأسرة لأحكام الشرع لتقوى على مواجهة التحديات، ولم يقبل صلى الله عليه وسلم أن يساير المجتمع الجاهلي، بل وضع للمسلمين تصورا جديدا للإنسان/الفرد الذي لا يعرف للنزعة الفردانية أثرا عليه، بل يعيش في أسرة ممتدة وجماعة متماسكة تستجيب لمفاهيم وتصورات القرآن والسنة.
فحذْفُ التعصيب وحرمان العم مثلا من أن يرث أخاه، هو مطلب علماني لا يتأسس على ما يلحق ورثة الميت من تقسيم للتركة وتعريض الزوجة والبنات للخروج من البيت واللجوء إلى الكراء، -كما يزعم العلمانيون- بل لأن الأسرة النووية بالمفهوم العلماني لا تعترف بالعم أساسا، وتعتبره أجنبيا، حيث لا مفهوم للرحم في التصورات العلمانية بكل أنواعها، بل أصبحت الأسرة النووية في البلاد العلمانية الحداثية الغربية، تبيح للأب أن يَحرم أخاه بل حتى أبناءه من الميراث، في حين تسمح له بقوة القانون أن يورث كلبه أو خليلته، أو عشيقه.
واندثار مفهوم الرحم في المجتمعات الغربية، حدَثَ تبعا لاندثار مفهوم العفة والطهر، والذي أنتج اندثارَ مفهوم الفساد الأخلاقي بالتبع، فلم يعد للنسب الشرعي وجود، وكل ذلك كان نتيجة لعملية “التطوير القسري” للمجتمعات الغربية، التي انطلقت في ثورتها من مبدأ “اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس”.
إن كل ما عرفه الغرب من تطور على المستوى الأسري والمجتمعي، كان مبناه على مفهوم “الحرية الفردية” المنكوس، والذي وصلت نتائجه في بلاد مثل بريطانيا إلى الانتقال من مفهوم الجندر إلى مفهوم “التَّكَلْبُن” حيث أصبح عدد من رجال تلك المجتمعات ونسائها يعيشون حالة من الاغتراب والقلق الوجودي، جعلتهم يفضلون أن يعيشوا كلابا بدل أن يحيوْا بشرا، ففي بريطانيا وحدها يوجد أكثر من 10 آلاف كلب بشري، في حين تفيد الأرقام أن عدد البشر “المتكلبِنين” بلغ عشرات الآلاف؛ ونزعة “التَّكَلْبُن” هي أن يقرر الإنسان أن يصبح كلبا، يأكل كالكلب وينام كالكلب ويلبس لباسا يعطيه صورة الكلب. ولا تستطيع الدولة أن تتدخل في اختياره.
ولا شك أن “التَّكَلْبُن” هنا نتيجةٌ حتمية أنتجها مفهوم “الحرية الفردية” في مرحلة ما بعد الحداثة والسيولة الفكرية والقيمية والأخلاقية.
فهل يمكن أن نساير نحن المسلمين تطور المجتمع وفق تصورات حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها “دوليا” لنصل إلى مستوى البهيمية التي وصلت إليها أوروبا وأمريكا؟
واستصحابا لكل ما سبق، فإننا ندق ناقوس الخطر؛ في أذن كل مَن “يهمهم الأمر” للانتباه واليقظة، فنحن في المغرب حكومة وشعبا -سواء اعترفنا أم لم نعترف-، تمارس علينا الضغوط تلو الضغوط حتى نطور مدونة أسرتنا المسلمة، لنشارك بأيدينا وبقوة القانون في تفكيكها واضمحلالها، وليصبح المغربي الحر عبدا، والمغربية الحرة أمَة للشركات الكبرى المتحكمة في البلاد والعباد.
وغريب أشد الغرابة أن يتحدث بوتين رئيس روسيا وفلاسفتُه وسياسيوه عن الأسرة وقيمها، ويعلون من شأن التشبث بالهوية والدين، ويدعون المسلمين إلى ذلك، محاربةً منهم للتغول الرأسمالي المهيمن على العالم وخيراته، نصحا لمجتمعاتهم، في حين نستجيب نحن المسلمين للضغط الرأسمالي تلو الضغط، فنقوم بكل جرأة بعملية إلحاق شعبنا وأسرنا بالنموذج الغربي. وذلك من خلال فرض تصورات العلمانية الدولية للكون والإنسان والحياة على المغاربة، بدعوى الوفاء بالتزاماتنا الدولية والاستجابة للتطور المجتمعي.
وأخيرا على اللجنة التي كلفها أمير المؤمنين حامي حمى الوطن والدين ألا تخل بوظيفته في حماية أحكام الدين الإسلامي المتبقية في مدونة الأسرة، وأن تنضبط بالإطار الذي حدده العاهل المغربي في خطاب العرش الأخير بوصفه أمير المؤمنين، وهو أنه لا يحل حراما ولا يحرم حلالا. حتى لا يبدو هو والدولة كمن يخدع المسلمين مثل ما يفعله العلمانيون بدعوى الاجتهاد وفق تطور المجتمع، وتنفيذ الدولة لالتزاماتها الدولية التي نعرف جميعا أن التوقيع عليها يكون تحت الضغط المتعدد الاتجاهات والمتنوع المصادر الممارس من طرف “العلمانية الدولية” المتحكمة في العالم من خلال المنظمات المسماة زورا بالدولية.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه سلم.
إذا أرادت المرأة المساواة مع الرجل فمرحبا بذلك في كل شيء:
المساواة في النفقة – الصداق – واجبات السكن – واجبات الطلاق – اللباس والمجوهرات الثمينة – الزنا بدون مقابل – الحضانة – المساواة في الأعمال الشاقة – المساواة في الأعمال الخطيرة – المشاركة في الحروب بنفس النسبة – التمتع بنفس الحماية أثناء الحروب – المساواة في المسطرة الجنائية – المساواة في الحركة الانتقالية في الوظيفة – المساواة في الإرث والولاية.
اقتسام الممتلكات المتراكمة أثناء الزواج سينتج عنه المشاكل التالية:
– أغلب الأزواج لن يبذلوا مجهودا في جمع الثروة ولا في شراء الممتلكات
– عزوف الشباب الأسوياء عن الزواج ولن يتزوج إلا المتلاعبون
– انتشار الزواج الطبقي (فقير يتزوج فقيرة وغني يتزوج غنية)
– انتشار الزواج بنية الطلاق (طلاق الشقاق سيصبح تجارة مربحة)
– كل من تحسنت وضعيته سيلجأ إلى الطلاق
– إضافة مشكل النزاع حول الممتلكات إلى مشاكل الزواج