صفدت شياطين الجنّ في رمضان فمن يكفينا شياطين الإنس؟
هوية بريس – د.محمد بولوز
بقدر ما تنشرح صدور الملايين في رمضان فتقبل على التوبة والأوبة والعبادة وارتياد المساجد والاقبال الكبير على صلاة التراويح، والتصالح مع الدين والتدين، بقدر ما تضيق صدور شرذمة قليلة بهذه الاجواء الطيبة المباركة فتنبري اقلام ومنابر ورقية والكترونية للسخرية والاستهزاء والحط من شعائر المسلمين ووصف تراويحهم بالفوضى ودعوة أهل القرار بالتدخل العاجل، واستهجن أحدهم تتبع المجودين المتقنين لتلاوة القران والانتقال اليهم، ووصفوا تدين الناس بالنفاق، ودعوا إلى الغاء قانون تعمد انتهاك حرمة الصيام، وتأسفوا لحال الخمرة والسكارى هذه الأيام ودعوا إلى رفع الحظر عنهم والتطبيع معهم في رمضان أسوة بالشهور الأخرى، ودعا بعضهم هذه الأيام الناس إلى الصلاة في البيوت ووصف صحيح البخاري بالضعيف حيث أصبح بقدرة قادر من علماء الشأن والجرح والتعديل، وجاء موقع للناس برأي من “التنويريين”يدعو إلى إزالة التراويح جماعة من قائمة العبادات المسنونات بحجة أنها فعلة عمرية لا علاقة لها بالدين، غافلا عن توجيه نبينا صلى الله عليه وسلم: “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجد”.
إنه هذيان كائنات غريبة عن وسطها، وشاذة عن السواد الأعظم من الأمة أو هي أو بعضها موظفة عند جهات لا تمل ولا تياس من محاولة سلخ الأمة عن دينها في سياق قوله تعالى: “وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا.. (217) البقرة، أو هو بشكل مباشر وظيفة رسمية عند الشيطان وحزبه ونيابة عنه، وخصوصا مع حالة تصفيد شياطين الغيب في رمضان فيتولى شياطين الشهادة المهام، حتى لا تتعطل مهمة الوسوسة وتقبيح الخير وتزيين الشر والمعاصي والموبقات وإطلاق المشوشات والنفخ بالفم المليان عسى وعسى تطفا انوار الهداية في شهر القران والصيام…
هجمة هؤلاء الشواذ على مظاهر التدين في شهر الصيام على أداء صلاة الجماعة ومنها الإقبال على صلاة التراويح وامتلاء المساجد بذلك ومعها الساحات والطرقات المحيطة بها، تؤكد بحمد الله اصالة التدين في المغاربة وعموم المسلمين في هذا الشهر الفضيل، وان الخير لا يزال فيها، وتجذر الاسلام في هذه الشعوب، وتؤكد ان الجهود الجبارة التي بذلها المستعمر ويبذلها ازلامه واذنابه في بلاد المسلمين الى اليوم، لم تات على اصل التدين بالاسلام وان احدثت جروحا عميقة في بعض احكامه وتشريعاته، وتؤكد ان خط العودة الى الالتزام بالدين كله لا يزال ممكنا مع هذه الجذوة المتقدة في امتنا، فلولا ترسخ هذه الحقيقة وعمقها في مجتمعنا، لما اثارت هذا الحنق والغيض والتذمر الكبير عند هؤلاء الاسرى لدى الطرف الاخر المضاد لعقيدتنا وقيمنا وحضارتنا، او بالاحرى عند ابليس وحزبه.
المسالة الثانية لو كان هؤلاء ديموقراطيون حقيقة ودعاة حقوق انسان وابواق تعددية وادب اختلاف وقبول الاخر..لاحترموا اختيار الاغلبية والسواد الاعظم من الامة ولوقروا دين الناس وتدينهم ولم ينصبوا انفسهم في جهة التشويش والتشويه والسخرية والاستهزاء والاستفزاز، فاذا كانوا من دعاة حقوق الاقليات، فاين حقوق الاغلبية في ان تمارس شعائرها في امن وامان واحترام؟ والتي هي من احترام الانسان وكرامته وما يختار من عادات وتقاليد وقوانين تيسر امر تدينه وتحفظه.
المسالة الثالثة ليعلم المنخرطون في حملة التشويه والتنفير والاستهزاء بالشعائر وتدين الناس انهم على خطر عظيم، واقصد المغرر بهم والعاملون في ذلك من غير تقدير صحيح للامر ومن غير معطيات كافية وربما من غير قصد لبعضهم ممن يعتبرون انفسهم مصلحين من صلب هذه الامة، وذلك ان المسلم له بفعل اسلامه التزامات تجاه دينه : اولها تعظيم شعائر الله وعدم الحط منها او تسفيهها لقوله تعالى:ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ {الحج:32}. ولا يشكك في نيات الناس ومقاصدهم بالتدين فيصفهم بالنفاق، بحيث يساءل دينا :هل شق على قلوب الناس وصدورهم،حتى يصفهم بالرياء والنفاق، فكيف يكون حسابه عند ربه عندما تخاصمه هذه الملايين عند ربها؟ والاجدى لمن حسنت نياته ومقاصده، ان يدعو الى ترشيد التدين، يقول: الاقبال على الصلاة وقيام الليل حسن ومبارك يجب ان يعقبه استقامة وتحسن في السلوك والمعاملة كما قال تعالى :”ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر” وان الاقبال على الصيام جميل، والاجمل الصيام عن الذنوب والمعاصي والصيام عن اكل اموال الناس بالباطل، وجهاد النفس للعمل الجاد في الادارات وقضاء مصالح الناس والصيام عن الغش والفساد ومختلف الافات، وكذا يدافع عن حق الناس في ان يجدوا موضعا في المساجد اذا اقبلوا على العبادة بتوسيعها والاكثار منها، كما ينادي عادة بتوفير مقعد لكل متعلم وسرير لكل مريض..، عوض دعوة الناس للصلاة في بيوتهم أو وصف صلاة التراويح بالفوضى وقطع الطرقات ولا يصف هؤلاء بنفس الوصف ما يحدث في موازين ومهرجانات الفسق والفجور من تحويل الطرقات واغلاقها، وان كان لا مجال للمقارنة،
لقد صفد الله شياطين الجن ومردتهم ليسهل على كل راغب في الخير الاقبال في موسم العبادة على الطاعات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين، ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة» (رواه الترمذي وصححه الألباني). وبقي على المكلفين من اهل الايمان والدعوة والصلاح مواجهة شياطين الانس المشوشين، اولا بدعوتهم الى طريق الخير والهدى عسى يتم تخليصهم او الممكن منهم من قبضة ابليس واعوانه، ثم تحصين المومنين من مداخل الشياطين بسد باب الجهل بنشر العلم بهدي الاسلام في مختلف مناحي الحياة، وسد باب الغفلة بالتذكرة والموعظة الحسنة، وسد باب الهوى بغرس التقوى في النفوس بحب الله والخوف من عقابه وغضبه والقناعة بالحلال الطيب والاجتهاد في الاستزادة منه، وغرس الاستعداد ليوم الرحيل في القلوب والنفوس، ثم بعد ذلك سن ما يناسب من القوانين لحماية تدين الناس من عبث العابثين..
فهل يليق بالعقلاء ان يسنوا قوانين لحماية اوطانهم ووحدتهم الترابية ورموزهم السيادية ويغفلون عن حماية الاصل الاصيل للحمتهم وتجمعهم وتاريخهم وهويتهم وحضارتهم ودينهم، فهناك عقوبات تهم الوحدة الترابية وعقوبات تهم المساس بشخص الملك ولا بد من اخرى تهم الله ورسله ودين الاسلام حتى لا يتجرا على هذه الاصول من هب ودب من حثالة المخلوقات، وذلك حتى نكون صادقين في الشعار الذي نفتخر به في مملكتنا الشريفة : الله الوطن الملك، والاول اولى واعلى وابقى واعظم، ونقول هدى الله المغرر بهم في هذه الحملة الظالمة على دين الامة وشعائرها، والتي لا تضر في الحقيقة الا اصحابها، واما المغاربة فماضون بحمد الله الى دينهم يصيبون ويخطئون ولكن بالتاكيد يتقدمون نحو الارشد من التدين والافضل، ومن يزعجه ذلك ممن لم ينفع معه شيء مما مر، فمختصر الكلام معهم “موتوا بغيظكم” والحقد والكراهية لا يقتلان في الاغلب الاعم غير صاحبهما.والله ناصر دينه ومعليا شانه ولو كره المبطلون.
حفظ الله شيخنا الفاضل-فخر المغرب-ونفعنا بعلمه ..