صلاة الجمعة: من منفى التاريخ إلى سردية الحاضر

صلاة الجمعة: من منفى التاريخ إلى سردية الحاضر
هوية بريس – الخامس غفير
مما لا شك فيه أن التاريخ إما أن يكون شاهداً لك أو شاهداً عليك. ولعل مناسبة الحديث هي أن المولى جل وعلا قدّر أن أصل الرحم مع العائلة والأحباب والأصدقاء، وأصلي الجمعة في هذه المنطقة التي تحمل تاريخاً مشهوداً عن الرموز التاريخية المغربية التي كان لها حضور في التاريخ.
من هذا المكان مرّ المعتمد بن عباد – آخر سلاطين العبادلة- إلى منفاه مع أسرته وعائلته، تحت سلطة أهل الرباط والدفاع عن بيضة الإسلام والمسلمين، وحماية الحدود الجغرافية والفكرية والدينية لأهل المغرب، من كل “اعتداء خارجي وصلف” افرنجي” وصليبي معتد.
في هذا المكان تقام الصلوات الخمس، وتؤدى صلاة الجمعة. ولعل ما أعجبني في هذه المنطقة هو كرم أهلها وضيافتهم الحاتمية، حيث يلقي الإمام خطبة الجمعة باللسانين العربي والأمازيغي. وهذا يعني أن ما يجمع المغاربة أكثر مما يفرقهم، ويؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن من يسعى إلى التفرقة والشتات لا يمثل إلا نفسه، وصوته نشاز أمام عقيدة المغاربة الذين يعد الأصل فيهم هو الخير والكلمة السواء، وهم الذين تصدوا بقلوبهم النظيفة ويقينهم في موعود النصر بقراءة اللطيف وترديد أهازيج الوحدة ضد المستعمر الفرنسي الغاشم.
أنعم به من إحساس وأنت تؤدي صلاة الجمعة إلى جانب جمع غفير من أهل الله وخاصته، ولا نزكي على الله أحداً، حيث تتم قراءة الحزب جماعة، وانتظار الآذان (لعلام: كما هو مصطلح عليه في المنطقة). ثم يلي ذلك صعود الخطيب إلى المنبر ممسكاً عصاه بيده اليمنى، ليبدأ خطبته بعد الحمدلة والصلاة والسلام على النبي العدنان.
صحيح أن برودة الطقس هنا غريبة، إلا أن ما ينسي المرء هذه البرودة هو حرارة القلوب ودفء المشاعر وسلامة الصدر وصفاء القلب.
لن أتحدث عن مضمون الخطبة وفحواها التي تتماشى وتسديد التبليغ والخطاب الرسمي، ولكن حتى لا نترك لحظة الجمال والبهاء والصفاء تفسدها النوايا السوداوية، سأقف عند إشارة لطيفة وهي أن بهذه المنطقة مازال الناس يحتفظون ببعض الضوابط الأخلاقية والتربوية عند الانتهاء من كل صلاة بحيث يتوجهون اليك بالسلام والابتسامة الجميلة أما الطفل عندهم فيجري نحوك ويستقبلك بالسلام وهو يحاول تقبيل يد من هو أكبر منه سنا احتراما وتقديرا ومحبة.
كل الحب والاحترام والتقدير لأهل هذه المنطقة وسلام إلى جميع المغاربة الأحرار في كل مكان.



